أثارت التصريحات الأخيرة للدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء عن سعر الصرف وتحركات الجنيه أمام الدولار، قلق بعض الاقتصاديين وفي نفس الوقت رحب البعض الآخر بها واعتبرها إيجابية.
وانتقد خبراء حديث مدبولي عن سعر الصرف باعتبار أن محافظ البنك المركزي الشخص الوحيد المخول له الحديث عن اتجاهات العملة المحلية وسعر الفائدة، بينما أبدى آخرون إعجابهم بتصريحات رئيس الوزراء، موضحين أنه يبعث برسائل طمأنينة لمجتمع المستثمرين.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء الوزراء إن مصر لن تكرر أخطاء الماضي بشأن تثبيت سعر صرف الجنيه أمام سلة من العملات وأبرزها الدولار، مشيرا إلى أن سعر صرف الجنيه قد يتحرك في حدود 4 – 5% صعودًا أو هبوطاً، معلقا: "هذا أمر طبيعي".
وأكد مدبولي أن سعر الصرف يخضع لآليات العرض والطلب وهدفنا الحفاظ على نظام مصرفي مرن يتمتع بثقة عالمية مشيرا إلى الوزراء أن هناك ردود فعل إيجابية من المستثمرين تجاه السياسات النقدية.
وقال محللون ومستثمرون إن البنك المركزي ووزارة المالية يستحقان قدراً كبيراً من الثناء ولعل محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ووزير المالية أحمد كوجك هما المسؤولان الوحيدان اللذان حظيا بالثناء من جانب مجتمع الأعمال المحلي والدولي.
وبعد تعهد مدبولي بعدم تكرار أخطاء الماضي .. يبقى السؤال ماذا تحتاج مصر لإقناع المستثمرين على المدى الطويل بأن هذه المرة ستكون مختلفة؟
سياسات جديدة وإصلاح سعر الصرف
بعد أن اقتربت مصر بشكل مثير للقلق من أزمة اقتصادية كاملة، شهد هذا العام تحولًا في الأمور ووعدت الحكومة بسياسات جديدة، وبرنامج للخصخصة، ومجموعة من الإصلاحات، وقطاع خاص مزدهر.
وفي أوائل 2024، تحديدا في 23 فبراير، ضخت دولة الإمارات، 35 مليار دولار، على هيئة استثمار مباشر في مصر مقابل حقوق التنمية في جزء من ساحل مصر على البحر الأبيض المتوسط – منطقة رأس الحكمة.
وبعد أسابيع قليلة من صفقة رأس الحكمة الإمارات العربية المتحدة، تم التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي قدم لمصر 8 مليارات دولار أخرى، وتملك شعور "النشوة" من المستثمرين، حيث تحسنت الثقة بشكل كبير خاصة مع بدء تدفق رؤوس الأموال الأجنبية مرة أخرى إلى سندات الخزانة المصرية قصيرة الأجل، ما مثل "انتصارات سريعة انعكست في ميزان المدفوعات".
كان خفض قيمة الجنيه المصري في مارس 2024 من الخطوات المهمة أيضا التي اتخذها البنك المركزي المصري لإلغاء الفجوة بين السوق السوداء وأسعار الصرف الرسمية، واستعادة الثقة في النظام المصري.
وقال بيتر دو بريز، كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس أفريقيا: "أفضل مؤشر للسلوك المستقبلي هو السلوك الماضي". "وبالنسبة لمصر بعد 8 أشهر من خفض قيمة الجنيه، لا تزال العملة تحت الأضواء ووفاءً بوعدها، سمحت الحكومة للسوق إلى حد كبير بتحديد قيمة الجنيه" .. وإذا نظرنا إلى تحركات العملة على مدى الأشهر القليلة الماضية، يظهر استعداد الحكومة للسماح للأسواق بتحديد مسارها وهذه بالفعل علامة جيدة للاستثمار الطويل الأجل".
جهود البنك المركزي المصري
عمل البنك المركزي المصري بقيادة حسن عبدالله بلا كلل لضمان أن يكون التضخم على مسار تنازلي وكان لتشديد أسعار الفائدة، وتوحيد أسعار الصرف تأثيرها فضلا عن الحرص على دقة التوقعات في المستقبل، وهذا ما أعاد الثقة في القطاع المصرفي وبنجاح اجتاز البنك المركزي اختبار النقد الأجنبي.
يشارك أيضا البنك المركزي المصري، وزارة المالية في جهود تقليص ملف الديون، وفي يوليو 2023، أعلنت وزارة المالية أنها تتوقع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى 97٪ خلال الصيف وتجاوزت مدفوعات الفائدة كنسبة مئوية من إجمالي الإيرادات الحكومية - خلال بعض الأرباع - 100٪.
وتبنت مصر موقفا ماليا أكثر صرامة ما كان "حجر الزاوية" لقدرة مصر على غرس ثقة جديدة في المستثمرين حيث أنه لا جدوى من تشديد السياسة النقدية فقط لجعل الإنفاق المالي يتحرك في الاتجاه المعاكس كما أن الافتقار إلى الانضباط المالي يمكن أن يضعف وقد يشل انتقال للسياسة النقدية وعندها يجب أن تكون الجهود أكثر شدة والقرارات أكثر عدوانية واليوم نشهد المزيد من الانضباط على هذه الجبهة وهذا يساعد على سن السياسة النقدية بطريقة أكثر فعالية.
هل أظهرت مصر ضبطًا كافيًا للإنفاق العام؟
في أوائل عام 2024، خفضت الحكومة تمويل الاستثمار المخصص لها بنسبة 15٪ لتلك السنة المالية، وقالت إنها ستعطي الأولوية للمشاريع التي اكتملت بنسبة تزيد عن 70٪.
وتواصل الحكومة التأكيد على أن الإصلاح حقيقي وأن الأولويات هي استخدام السياسات الصحيحة، وإعادة الاستقرار ومعالجة القضايا البنيوية والسير في طريق أن تتكون احتياطياتها المالية من المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات التنافسية ــ وليس تدفقات الأموال الساخنة.
ماذا سيحدث بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولي؟
في أواخر أكتوبر وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحاجة إلى إعادة التفاوض على برنامج صندوق النقد الدولي بسبب الضغوط الاقتصادية نتيجة للتقلبات الجيوسياسية، وذلك بالتزان مع سعي الدولة إلى خلق مصادر جديدة للطلب من خلال دعم القطاع الخاص وتشجيع الاستثمار المباشر الأجنبي وهذا تحول واضح في التفكير في مصر على كافة المستويات حيث أنه بدلاً من الاعتماد على سياسات من شأنها أن توفر الإغاثة قصيرة الأجل، فإن مصر تعلم أنها بحاجة إلى التفكير بشكل أكبر في الاستدامة المتوسطة والطويلة الأجل إذا كانت تريد استعادة ثقة المستثمرين.
علاج أوجه القصور في الحوكمة والسياسات
انتهجت الحكومة المصرية تحولاً جذرياً في النهج الاقتصادي حيث عملت ولا تزال على علاج أوجه القصور في الحوكمة والسياسات، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية وكسر حلقة الأزمات المتكررة، بدلاً من الاعتماد على عمليات الإنقاذ المالي الدولية.
وفي سبيل تمكين الدولة من تحقيق الاستقرار وجذب الاستثمار الأجنبي، أعطت الحكومة الأولوية للاستقرار الكلي والإصلاح التنظيمي باستخدام أربع خطوات:
أولاً: يساعد الحفاظ على سعر صرف مرن في الحد من الضغوط المضاربية على الجنيه المصري، مما يخلق بيئة أكثر قابلية للتنبؤ للمستثمرين.
ثانياً: من شأن التركيز على السيطرة على التضخم من خلال الإعانات المستهدفة وتحسين سلسلة التوريد أن يدعم هذا الاستقرار بشكل أكبر.
ثالثاً: من خلال تبني المعايير العالمية في الشفافية والحوكمة المؤسسية، يمكن لمصر بناء ثقة المستثمرين؛ ومن شأن تبسيط العمليات التنظيمية أن يجعل الاستثمار الأجنبي أكثر سهولة
رابعا: كبح المحسوبية، وتطبيق تدابير مكافحة الفساد من شأنها أن تساعد في ترسيخ بيئة أكثر إنصافا للشركات الخاصة.
0 تعليق