اليوم العالمى السابع والأربعين للتضامن مع الفلسطينيين حلّ أمس الجمعة، وفيه جرى انتشال جثامين ١٩ فلسطينيًا، بعد تراجع الآليات الإسرائيلية من شمال مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة، بينما تواصل مصر استعدادها للمؤتمر الوزارى الدولى، الذى تعقده بعد غدٍ، الإثنين، فى القاهرة، لتعزيز الاستجابة الإنسانية، وحشد الدعم الدولى لتقديم المساعدات للشعب الفلسطينى والتخفيف من وطأة معاناته.
مساء ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧، وافقت ٣٣ دولة، من أصل ٥٧ هى كل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، فى ذلك الوقت، على قرار الجمعية العامة، رقم ١٨١، بإنهاء الانتداب البريطانى على دولة فلسطين، وتقسيمها إلى دولتين، إحداهما عربية على مساحة ٤٣٪ تقريبًا، والأخرى يهودية، مساحتها حوالى ٥٦٪، مع وضع مدينتى القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية، وبعد ٣٠ سنة، تحديدًا فى ٢ ديسمبر ١٩٧٧، قررت الجمعية العامة، التى زاد عدد أعضائها على ١٩٠ دولة، أن يكون هذا اليوم، يومًا عالميًا، أو دوليًا، للتضامن مع الشعب الفلسطينى، ودعت جميع الحكومات والمنظمات إلى التعاون مع اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطينى حقوقه غير القابلة للتصرف، ودعم جهود الأمم المتحدة لبلوغ هذه الحقوق.
كالعادة، شاركت مصر المجتمع الدولى فى إحياء هذا اليوم، معربة عن أسفها لتزامنه مع ما يواجهه الشعب الفلسطينى من عدوان غاشم، وفى بيان أصدرته وزارة الخارجية، أكدت مجددًا ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية، كما واصلت تأكيد تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطينى، وحيّت صموده وبسالته أمام الانتهاكات الممنهجة التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى ضده، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولى، وجدّدت المطالبة بضرورة تكاتف الجهود الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وتحقيق تطلعات وآمال الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
ظهرت فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، فى تقريرين أصدرتهما، فى ١٩٣٧ و١٩٣٨، لجنتان شكلتهما الحكومة البريطانية. كما كان التقسيم حلًا من اثنين، طرحتهما لجنة الـ«يونسكوب»، UNISCOP، التى أنشأتها الأمم المتحدة، فى ١٥ مايو ١٩٤٧، لدراسة المسألة الفلسطينية، أما الحل الثانى فكان تأسيس دولة فيدرالية. ومع ميل اللجنة للحل الأول، جرى طرحه للتصويت، الذى انتهى بموافقة ثلاثة وثلاثين دولة، وامتناع عشر دول، بينما غابت دولة واحدة، هى مملكة سيام، تايلاند حاليًا، وعارض القرار ثلاث عشرة دولة، هى الهند واليونان وكوبا وكل الدول العربية والإسلامية الأعضاء.
ثلاث وثلاثون دولة، إذن، منحت ما لا تملك لمن لا يستحق. والمهم هو أن قرار التقسيم، أو حل الدولتين، بنسخته الأولى، ظل مرفوضًا عربيًا وإسلاميًا، وهوجم الرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة، بمنتهى العنف، حين دعا إلى قبوله، خلال خطاب ألقاه، فى ٣ مارس ١٩٦٥، وكذا فى مبادرته لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، التى طرحها فى ٢ يوليو ١٩٧٣، وبين الخطاب والمبادرة أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية، فى ١٠ يوليو ١٩٦٨، الميثاق الوطنى، الذى نصت مادته التاسعة عشرة على أن تقسيم فلسطين «باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن». لكن بعد ٢٠ سنة اعترفت المنظمة، ضمنيًا، بشرعية القرار، فى وثيقة إعلان الاستقلال، أو وثيقة الإعلان عن «قيام دولة فلسطين»، التى قرأها ياسر عرفات، فى ١٥ نوفمبر ١٩٨٨، أمام الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطنى الفلسطينى، التى أقيمت بالجزائر العاصمة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية تتفاوض منذ تأسيسها، سنة ١٩٩٤، بموجب اتفاقات أوسلو، على قيام دولة مستقلة على ٢٢٪ فقط، من مساحة فلسطين التاريخية، أى نصف المساحة تقريبًا التى حددها قرار التقسيم، الصادر منذ ٧٧ سنة. ولعلك تعرف أن هناك، الآن، محاولات لجعل تلك المساحة أقل وأقل، بمخطط واضح يستهدف تهجير سكان غزة من أرضهم، وعبر سياسات طاردة لسكان الضفة الغربية، تبدأ بالهدم والاقتحامات العسكرية، ولا تنتهى بإطلاق العنان لعنف أو إرهاب المستوطنين.
0 تعليق