عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم التفاهة والخلاعة: كيف تسيطر وسائل التواصل الاجتماعي على عقولنا؟
- في المدرج هبة بريس – مقال رأي …محمد الشمسي
في السنوات الأخيرة، سيطرت على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي محتويات مبتذلة ومستهجنة، سواء كانت صوتية أو مرئية، تغزو الفضاء الرقمي بمشاهد وأصوات لا تحمل أي قيمة سوى نشر القبح والرداءة. يتفاخر البعض بتداول الشذوذ الجنسي والتباهي به، بينما يظهر آخرون بتعابير بذيئة تحرض على الفحش والإباحية، فيما يعرض آخرون مفاتنهم الجسدية بكل وضوح. والهدف المشترك لهؤلاء جميعاً هو تحقيق أكبر قدر من المتابعات والتعليقات، ما يترجم في النهاية إلى أموال طائلة ونجومية مزيفة.
على الرغم من ارتفاع أصوات الاستهجان والرفض من قبل الجمهور، تظل تلك الفيديوهات الفاحشة تحقق نسب مشاهدة مرتفعة جداً. ولعل موجة التفاهة والخلاعة أكبر من أن يتم إيقافها من خلال مقاطعة الجمهور أو انتقاده لها، فالسوشيال ميديا أصبحت جزءاً من تيار قوي من تسونامي الإنترنت الذي يجتاح العقول، وليس فقط البلدان. الشركات العملاقة تحركت لتدوس على القيم والأخلاق والمعتقدات، ليصبح النجاح مرتبطاً فقط بعدد المتابعين والتعليقات، لا بمحتوى هادف.
تتكون معادلة التفاهة والخلاعة من ثلاثة عوامل رئيسية تجعلها مهيمنة في عالم السوشيال ميديا. أولها، ظهور شركات ضخمة تجمع بين قوة المال وامتلاك أحدث التقنيات، ولا تتردد هذه الشركات في تحقيق الأرباح على حساب القيم الإنسانية، مع تعزيز نظام تسويق مفرط في استهلاك الأفراد. هذه الشركات تجد قبولاً من الحكومات الكبرى، بل يمكن وصفها بأنها “حكومات غير رسمية” تسعى لإعادة تشكيل العقل البشري ليتناسب مع ثقافة الاستهلاك. ثانيًا، تمكّن هذه الشركات من خلق منصات تواصل اجتماعي تستغل الإنترنت بشكل فاضح، وتستخدم الأقمار الصناعية لتغطية كل زاوية من الفضاء، مما يتيح للناس الوصول إلى هذه المحتويات دون أي جهد. وأخيراً، وجود بيئة حاضنة مليئة بالأمراض الاجتماعية والنفسية، حيث يظهر “النجوم الوهميون” الذين لا يترددون في نشر أي محتوى مهما كانت تداعياته، ويُلاحقهم جمهور جائع يلهث وراء كل جديد دون مراعاة للقيم الإنسانية.
من يعتقد أن الحل يكمن في مقاطعة هذه الظواهر، فهو في الحقيقة كمن يحاول إطفاء حريق بكوب من الماء، لأن أسباب انتشار التفاهة والخلاعة أقوى من الرغبات الفردية في الحد منها. إن الإنسانية ستدفع ثمنًا باهظًا في المستقبل حين تجد نفسها أمام نتائج الاستثمار في هذه الموجة المدمرة من الميوعة. قد لا يكون هناك حل سريع، ولكن يبقى القانون هو الأمل الوحيد للحد من انتشار هذه الظواهر. ينبغي أن يتبع ذلك إدخال مواد تعليمية في المدارس حول مخاطر السوشيال ميديا وأضرارها، كما يجب على وسائل الإعلام التوقف عن نشر هذه المحتويات الفاحشة، بل يجب أن تقاطعها تمامًا حفاظًا على الذوق العام والأخلاق والمصلحة العامة.
0 تعليق