خلص المشاركون والمشاركات في ورشات مؤتمر “الحرية الاقتصادية في المغرب: الواقع، الرهانات، والتحديات”، المختتم نهاية الأسبوع الماضي في الرباط، بتنظيم مشترك بين المركز العربي للأبحاث ومؤسسة “فريدريش ناومان”، بعد “إجراء تقييم موضوعي للحرية الاقتصادية في المغرب”، إلى اقتراح أفكار وتوصيات على صناع القرار السياسي لتعزيز هذه الحريات وتحسينها؛ “بهدف تسريع النهضة الاقتصادية للمغرب من أجل تنمية أكثر شمولًا”، وفق بلاغ للمنظمين.
ووفق البلاغ الختامي الذي توصلت به هسبريس أسفرت المناقشات المكثفة والبناءة، التي انتظمت في 5 ورشات عمل موضوعاتية، عن عدة توصيات، “من بينها الأكثر استعجالا”، التي “ستُضَمَّن في التقرير النهائي الذي سيتم رفعه لمسؤولي الحكومة المغربية حتى يتمكنوا من استلهامها في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتعزيز الحريات الاقتصادية من أجل مغرب أكثر ازدهارًا”.
وتهم التوصيات مجال “حجم الدولة”؛ إذ “مع الاعتراف بأهمية دور الدولة دعا المشاركون في هذه الجلسة إلى ترشيد تدخلاتها من أجل نجاعة أفضل، لاسيما عن طريق تقليص نفقات التسيير وضبط فاتورة الأجور، وهو ما يتطلب إصلاحا معمقا للوظيفة العمومية (محاربة التبذير) وتوزيع مهام الدولة في إطار جهوية متقدمة تقوم على المنافسة المالية والمؤسساتية بين السلطات المحلية المختلفة”.
كما أوصى المشاركون بـ”تخفيض العبء الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية وجعل النظام أكثر شفافية وعدالة”، لأنه “من المرجح أن يؤدي خفض المعدل الهامشي ضريبة الدخل إلى إحياء الطبقة الوسطى، كما أن خفض معدلات ضريبة القيمة المضافة ومعدل ضريبة الشركات وتكييفها مع وضعية الشركات الصغيرة والمتوسطة سيسمح لها بالحصول على موارد إضافية من أجل النمو والاندماج في القطاع المهيكل”.
من التوصيات البارزة أيضا “ترشيد الاستثمارات العامة، خاصة تشجيعُ المزيد من الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإدارة البنية التحتية، وخصوصا من خلال تحسين حكامتها (القواعد التي تنظم عمليات التصميم والتنفيذ والمتابعة)”، مع “احترام مبدأ الحياد التنافسي من خلال إلغاء الامتيازات والتفضيلات غير المشروعة لمعاملة الشركات العامة والشركات الخاصة على قدم المساواة”.
السياسة النقدية
ورشة “العملة السليمة والسياسة النقدية” رَفعت مطالب بـ”إجراء إصلاحات” تتعلق بـ”تعزيز استقلالية بنك المغرب لتجنب أي تلاعب بالدورة النقدية من قبل السياسيين لأسباب انتخابية”، منادية بـ”السماح، في مرحلة أولى، للمغاربة بحرية فتح حسابات بنكية بالعملات الأجنبية، خاصة أولئك الذين يحتاجون إليها لتسهيل معاملاتهم مع بقية دول العالم”؛ كما أكدت دعمها “الاستمرار في منطق المرونة التدريجية لسعر الصرف من خلال تعديل توسيع هامش تقلبات سعر الصرف وفقا لتطور أساسيات الاقتصاد المغربي”، حسب صياغة التوصيات.
وفي ما يخص “النظام القانوني وحقوق المِلكية” أجمع المشاركون على أنه “المجال الأكثر أهمية وأكبر نقطة ضَعف للاقتصاد الوطني”، وبالتالي فهو “يحتاج إلى اتخاذ إجراءات عاجلة أبرزها تعزيز استقلالية القضاة، لاسيما من خلال تحسين أجورهم وتعزيز مكانتهم وسلطتهم في مواجهة الفرقاء الآخرين”.
كما نادت التوصيات بـ”تسريع تنفيذ العقود، ما يتطلب توضيح القوانين وتبسيط الإجراءات واختصار الآجال باستخدام الرقمنة والوساطة والتحكيم في إطار العدالة المتخصصة واللامركزية”، مطالبة بـ”إصلاح القانون العقاري، لاسيما إزالة العقبات التي تحول دون نقل ملكية الأراضي المشتركة والعقبات التي تحول دون تملّك المرأة للأراضي؛ كما يجب تبسيط الإجراءات وتخفيض تكلفتها من أجل تسجيل وتأمين سندات الملكية وتسهيل تطوير سوق الرهونات العقارية”. وأوصت الورشة لأجل “تقوية النزاهة القضائية” بـ”تجفيف منابع الفساد القضائي (غموض القوانين، والسلطة التقديرية في تأويل اللوائح، والأمية القانونية لدى المواطنين بشأن حقوقهم وواجباتهم).
الرسوم الجمركية
الفعالية أكدت ضمن خلاصاتها “أهمية تعزيز المنافسة الشريفة في تقوية حرية التجارة الدولية”؛ ولتحقيق هذا الهدف لا بد من “تعديل وتخفيف الرسوم الجمركية حسب الوضع الاقتصادي والقطاع بناء على دراسات الأثر المسبقة؛ والأهم من ذلك تقليل تقلبات التعريفات الجمركية من خلال تقنين صارم لعملية تعديلها من أجل تجنب تسييسها”.
ولفتت الورشة إلى ضرورة “ترشيد الحواجز غير الجمركية غير المبررة التي تشكل مصادر هدر للوقت والموارد، وأيضًا تربة خصبة للفساد وكسب الريع لبعض الأشخاص الانتهازيين؛ مع تحسين حوكمة اتفاقيات التجارة الحرة، وتعزيز حماية الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتحسين جاذبية الاقتصاد المغربي”.
وفي ما يتصل بـ”تنظيم أسواق الائتمان والشغل والأعمال” (الورشة الخامسة) أوصى المشاركون بـ”أهمية وجود إطار تنظيمي عالي الجودة من أجل تحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية للاقتصاد المغربي”؛ ويمر أساسا عبر “الحد من التركز في القطاع المصرفي، من خلال إزالة الحواجز أمام دخول منافسين جدد، الأمر الذي يتطلب تحسين جودة الإطار القانوني الذي يحمي المقرضين والمقترضين، وتحسين البنية التحتية للمعلومات المالية (مكاتب الائتمان)”؛ كما ثمّنوا “الاستمرار في تخفيف وتبسيط الإجراءات الإدارية من خلال تطوير الرقمنة (الإدارة الإلكترونية)، وأيضا محاربة الفساد من خلال تعزيز حياد الإدارة تجاه المواطنين”.
0 تعليق