عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم التنوع يسيطر على أفلام المسابقة الدولية بمهرجان مراكش - في المدرج
تشهد أفلام المسابقة الرسمية بالدورة 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، والمُقامة حتى يوم 7 ديسمبر الجاري، تنوعاً كبيراً على مستوى الموضوعات المُقدمة، بينما العامل المشترك بينها، هي تلك الجدية التي نجدها غالباً عند المخرجين الشباب في أعمالهم الأولى، كون الأفلام المشاركة هي الأولى أو الثانية لمخرجيها ومخرجاتها.
السينما والأدب
اقتربت السينما للأدب كثيراً، إما بتحويل أعمال أدبية للسينما، أو بجعل العملية الإبداعية موضوعاً لها، بحيث يصير الكُتَّاب، سواء كانوا شخصيات تخيلية أو واقعية، هم الشخوص الرئيسية للأفلام، يتتبع صُنّاعها معاناتهم من أجل الكتابة، التي قد يفلحون فيها أو يرجعوا خائبين لم يجنوا من محاولاتهم سوى العذاب والمعاناة.
فيلم Jane Austen wrecked my life للمخرجة الفرنسية لورا بياني، الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية، من هذه النوعية الأخيرة، إذ نتابع عبر لحظاته التي تبلغ الساعتين من الزمن، مسار كاتبة شابة مازالت لم تُخْرِج للوجود أي عمل أدبي لها، تشرع في كتابة أعمال ولا تكملها، وتعيش لحظات من الشك في قدرتها على إنهاء عمل أدبي يستحق التقدير والنشر، إلى أن يُقْدِمَ صديقها الذي يعمل معها في تسيير مكتبة على إرسال فصل من رواية شرعت في كتابتها للمشاركة بها في إقامة أدبية بإنجلترا أنشأتها عائلة الكاتبة جاين أوستن باسمها.
إضافة لهموم "أجاثا" الإبداعية فهي غير قادرة على الدخول في علاقة عاطفية حقيقية مع رجل، لكونها ممتلئة بعوالم الروايات الرومانسية الكلاسيكية، حتى أنها تُصَرِّحُ لصديقها أنها جاءت في الزمن الغلط حيث لا يمكن لها الدخول في علاقة جسدية دون حب حقيقي.
نجد بفيلم Jane Austen wrecked my life أسئلة حول الكتابة والإبداع عموماً، خصوصاً حين التحاق "أجاثا" بالإقامة الأدبية ودخولها في نقاشات مع كاتبة التحقت بدورها بالإقامة، حيث تعتبر هي أن الكاتب ليس مجبراً على تبني القضايا الكبرى، وأن الأدب إن اكتفى بجوانبه الإنسانية البسيطة فذلك أمر كاف.
فيما الكاتبة الأخرى ترى الأمر عكس ذلك وتأتي بنماذج لكُتّاب وكاتبات كبار كانت كتاباتهم ملتزمة بقضايا ومناضلة من أجلها، لكن من طريقة تقديم هذين الرأيين يبدو أن المخرجة تتبنى وتميل لوجهة نظر شخصيتها الرئيسية أجاثا، وأنها جعلتها وسيلة لتمرير وجهة نظرها الخاصة في الإبداع.
الفيلم رغم كونه يتناول قضايا الإبداع الجدية، إلا أن به لحظات كوميدية تنحو به للبساطة وعدم التعقيد الدرامي، عكس أفلام مماثلة تناولت نفس الثيمة وجاءت متجهمة وسوداوية بشخوص مكتئبة وبائسة ومعقدة نفسياً.
في فترة الإقامة وما قبلها تدخل "أجاثا" في حيرة من أمرها بين رجلين يحبانها، الأول إنجليزي سليل عائلة الكاتبة جاين أوستن، والثاني صديقها القديم، إذ تضعنا المخرجة أمام علاقة ثلاثية ستعرف كيف تجد لها مخرجاً يتناسب مع شخصيتها الرئيسية في آخر الفيلم.
تأثير كيوريستامي
أما فيلم On of Thos days where hemme dies للمخرج التركي مراد فيجاتوغلو، يبدأ كلوحة فنية لمنظر عن بُعْد تتحرك فيه شخصيات، وفي الخلفية إحمرار لا ندري فحواه، لكن حينما تقترب الكاميرا أكثر، في لقطات متوسطة، وقريبة تبدو لنا الحقيقة العارية لعمال وعاملات في حقل واسع للطماطم حيث يتم تجفيفها وتمليحها تحت شمس حارقة.
نقترب أكثر لتُركِّزَ الكاميرا على "أيوب" عامل شاب يبدو غاضباً وهو يحمل صناديق الطماطم من شاحنة، ليرميها في الحقل حيث تشمس وتُمَلَّح.
بعد بضع حوارات خاطفة بين "أيوب" والمسؤول عن مراقبة العمال نعلم أنه لم يستلم راتبه الأسبوعي هو وباقي العمال، وأن غضبه راجع لهذا الأمر كونه مستديناً لجهة تهدده بالسجن إن لم يدفع لها دينها، يتطور الأمر لمُشادَّة عنيفة بين "أيوب" والمسؤول لينطلق الشاب في رحلة عودة لمقر سكنه عبر دراجة نارية قديمة ومهترئة.
يجعل المخرج التركي الشاب من هذه الرحلة ذريعة لاستكشاف شخصية "أيوب" عبر لقاء نماذج بشرية تؤثر في شخصيته، وتعود بها لطبيعتها الإنسانية الطيبة، بعد أن كان عازماً على قتل المسؤول عن العمال، الذي بدوره كان ضحية مثله ولم يستلم أيضاً راتبه.
نشاهد في هذا الفيلم ضحايا نظام اقتصادي يُمَكِّن المُستَغِلِّين من استغلال الفقراء والمحتاجين، وجعلهم أعداء لبعضهم البعض، عوض أن يَتَّحدوا ضد مستغِلِّيهم.
فيلم يحمل أسلوب المخرج الإيراني عباس كيوريستامي مع بعض هِنات البدايات، التي لولاها لكان الفيلم سيأتي بصورة أفضل، خصوصاً فيما يتعلق ببعض المشاهد التي كانت ممطوطة أكثر من اللازم، ولم يكن فيها التطويل خادماً للدراما بقدر ما كان باعثاً للملل عند الجمهور.
تمازج إنساني
رغم أن ديفد كروننبرج، أصر صباحاً في اللقاء معه ضمن فقرة "حوارات" بالدورة الحالية، على أنه من الصعب تصنيف الأفلام بدقة ضمن أنواع محددة، وأن التصنيفات جاءت كإلحاح تجاري لدى المنتجين لترويج الأفلام وجعل الجمهور يُقبل على كل نوع يجد نفسه منقاداً إليه، إلا أنني سأضطر لتصنيف فيلم سعيد حميش بن العربي "البحر البعيد" والذي عّرض في المساء من اليوم نفسه، ممثلاً للمغرب في المسابقة الرسمية، كفيلم ميلودرامي اجتماعي مليء بالأحاسيس، لا يمكن للمشاهد أن يظل محايداً باتجاه شخوصه وهو يتابع مساراتهم المتقلبة في دروب الحياة الصعبة، خصوصاً شخصية "نور" الرئيسة في الفيلم، والتي أداها الممثل المغربي أيوب كريطع، بتفوق.
يتابع المخرج المغربي- الفرنسي في فيلمه، شخصية "نور" الذي يهاجر بطريقة سرية لفرنسا ليعيش فيها كمهاجر سري منذ بداية التسعينيات، حيث يبدأ الزمن الفيلمي وإلى حدود أواخر نفس العقد.
في البداية تطارده وأصدقاؤه دوريات الشرطة ثم ينقلب مسار حياته في المهجر حين يلتقي بمفتش شرطة فرنسي ذو أصول إيطالية، لينتشله من تشرد الشارع ويأويه لأيام ببيته، ثم يجد له بعد ذلك مأوى يقيه من تشرد الشارع.
استعمل المخرج موسيقى "الراي"، التي كانت سائدة في التسعينيات بين شباب شمال إفريقيا ومهاجري فرنسا بالخصوص، بشكل وظيفي خصوصاً أغاني الشاب حسني الذي يُبث خبر مقتله بالتلفزيون في وسط عقد التسعينيات بالفيلم، وحيث يتغنى الأصدقاء بأغانيه قبل أن ينفرط عقدها ويذهب كلّ منهم في المسار الذي كُتب له.
بالفيلم خطاب إنساني مضمر يُمَرِّرُه المخرج بدون مباشرة، كون كل الجنسيات يمكن أن تتعايش ويصبح المنتمون إليها أصدقاء إن توفرت شروط ما لذلك. ويتجلى هذا بفيلم "البحر البعيد" من خلال علاقات الحب والصداقة المتينة التي تجمع المغاربة والجزائريين والفرنسيين والإيطاليين، رغم أننا نشاهد بالمقابل بالفيلم ملامح للعنصرية المتنامية ضد الأجانب، خصوصاً فيما يخص رفض علاقة الحب بين الشاب المغربي والمرأة الفرنسية التي تكبره في السن من طرف بعض الفرنسيين، حيث يبدون انزعاجهم منها في الأماكن العامة. لكن للموازنة بين هذا الرفض كانت أم "نور" أيضاً رافضة لهذه العلاقة حينما عاد الشاب برفقة زوجته للمغرب ليزور أسرته.
ينقسم الفيلم إلى 3 أقسام معنونة باسم الشخوص الرئيسية إضافة للخاتمة، ورغم أن مدة للفيلم تقارب الساعتين من الزمن، إلا أن إيقاعه السريع والمتوازن درامياً لن يجعل المشاهد يشعر بمرور الزمن الفيلمي.
الممثل المغربي الشاب أيوب كريطع الذي كان ثقل الفيلم على ظهره استطاع أن يؤدي شخصية "نور" التي تنتقل بين حالات ومشاعر مختلفة طيلة ما يقارب مدة 10 سنوات، ليجسدها بشكل متفوق وأداء تشخيصي جيد، هو الذي كنا قد شاهدناه في مسلسلات تلفزيونية مغربية بأداء محترم كيف ما كان مستوى العمل الذي شارك فيه، خصوصاً دوره في الجزء الأول من مسلسل "المكتوب" الذي تم بثه في رمضان منصرم منذ سنوات قليلة.
وقد ساعده في ذلك كونه كان محاطاً بممثلين مغاربة وجزائريين بالخصوص استطاعوا منافسته الند للند في مستوى أدائه الجيد، ومن بين هؤلاء المتميزتين نسرين الراضي وفاطمة عاطف في دورين صغيرين.
0 تعليق