"منتصف الليل في القاهرة".. تاريخ آخر للحركة النسوية في مصر - في المدرج

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم "منتصف الليل في القاهرة".. تاريخ آخر للحركة النسوية في مصر - في المدرج

ما يوجد خلف الأبواب وفي قصص المهمّشين في تاريخ مصر، ربما هو أكثر أهمية وثراء مما يوجد في الروايات الرسمية والكتب، التي تتناول سير الحكّام والشخصيات التاريخية. 

وعادة ما يشار إلى ثورة 1919، على أنها بداية تاريخ الحركة النسوية في مصر، التي قادها سعد زغلول، وشاركت فيها المرأة المصرية، وتوالت بعدها مطالبات النساء بحقوقهن في التعليم والمشاركة في الحياة النيابية والعمل.

كما وبرزت تاريخياً أسماء مهمّة، أصبحت نموذجاً لنضال المرأة، مثل هدى شعراوي، مؤسسة الاتحاد النسائي المصري عام 1923، ونبوية موسى وغيرهنّ.

أخيراً صدرت عن "دار خان" المصرية، الترجمة العربية لكتاب "منتصف الليل في القاهرة.. نجمات مصر في العشرينيات الصاخبة"، للكاتب البريطاني رفاييل كورماك، الحاصل على درجة الدكتوراه في المسرح المصري، من جامعة إدنبرة، ويعمل باحثاً زائراً في جامعة كولومبيا.

 يتناول الكتاب تاريخاً آخر للقاهرة لم تذكره الكتب، ويمكن التعرّف عليه من خلال قصص نساء مصريات، عشن في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وحفرن أسمائهن في عالم الليل، بعيداً عن الصالونات الثقافية والأدبية في العاصمة القاهرة، حتى أصبحن نجمات.

 كانت تلك النساء متمرّدات بنظر المجتمع في تلك الفترة، لأنهن عملن في الفن وحياة الليل، إلا أن هذا التمرّد- في حقيقة الأمر- كان رافداً أساسياً في حركة التنوير وازدهار الفن في مصر بشكل كبير.

تناول كتاب "منتصف الليل في القاهرة"، الذي ترجمه للعربية علاء الدين محمود، قصّة مسارح القاهرة ومقاهيها ونواديها، وحكى عن العديد من النجمات مثل روز اليوسف، فاطمة رشدي، وبديعة مصابني، وتحية كاريوكا، وأم كلثوم، ومنيرة المهدية، وغيرهنّ من الفنانات اللواتي لعبن دوراً في إثراء الحركة الفنية، بينما كانت مصر تمرّ بمرحلة من التحوّلات السياسية والاجتماعية المهمّة.

حي الأزبكية

 لم يتوقف كورماك على رواية السِير الذاتية لهؤلاء الفنانات، التي اعتمد فيها على مذكرات الفنانين والمجلات الفنية المنتشرة وقتها، والموجودة حتى الآن في دار الكتب والوثائق المصرية فحسب، لكنه وضع ما يطلق عليه "الفرشة"، أو رصد الظرف التاريخي، الذي قاد إلى الازدهار الفني والثقافي في القاهرة، فترة العشرينيات والثلاثينيات.

في البداية يعرض الكاتب للحالة الثقافية لمدينتي القاهرة والإسكندرية، في نهاية القرن التاسع عشر، وحتى العشرينيات من القرن العشرين، وقتها كانت هاتان المدينتان من أعظم مدن العالم، تجمعان داخلهما ثقافات مختلفة، فضلاً عن ثقافتهما الخاصة والمميّزة، وهو الأمر الذي لا يمكن فصله عن الحياة السياسية في مصر.

 فمنذ أن بدأ محمد على باشا حكم مصر، وبناء إمبراطوريته، حوّل حي الأزبكية- الذي كان مقصوراً على النخبة- إلى مكان للحدائق، لكن تاريخ حي الأزبكية الحقيقي بدأ في عهد الخديوي إسماعيل، الذي استقدم مهندس فرنسي لتخطيط حدائق الأزبكية الجديدة، وبناء مجموعة من أماكن الترفيه الفخمة على غرار أوروبا. من هنا ظهرت المسارح ومضمار الخيل والأوبرا، كما ولدت حياة الليل والترفيه في تاريخ مصر الحديث.

البدايات المسرحية

لم يتناول الكاتب الحياة الفنية في مصر بالحديث عن النساء فحسب؛ فطبيعة الظرف الاجتماعي، كانت تفرض أن تقوم الحركة الفنية في منطقة بشكل أساسي على الرجال، مثل يعقوب صنوع، المعروف بـ "أبو المسرح العربي"، الذي كوّن فرقة مسرحية قدّمت النصوص التي كتبها بنفسه.

بعد الاحتلال البريطاني لمصر، بدأت موجة هجرة الشوام إلى مصر، وقدّموا على مسارح الأزبكية، كلاسيكيات المسرح الأوروبي في نسخة عربية، إلى جانب العروض المأخوذة من التاريخ الإسلامي، وألف ليلة وليلة.

وبحسب الكتاب، كانت المسرحيات كلها ذكورية في تلك الفترة، سواء لجهة أدوار النساء التي يقدّمها رجال يرتدون ملابس السيدات، أو لجهة جمهور الحضور، باستثناء بعض المناسبات التي كان يتم فيها تخصيص أماكن كاملة، لسيدات الطبقة العليا، وكانت السيدة كريستين في فرقة سليمان القرداحي السورية، وزوجته، أوّل سيدة تظهر على المسرح في ثمانينيات القرن التاسع عشر.

يذكر الكاتب أن جيلاً آخر ظهر بعدها من الفنانات الشابات على المسرح، لكن لا توجد معلومات عنهن باستثناء مريم سماط، التي كانت من أوائل نجمات المسرح وأهمهمنّ، ونُشر اسمها في جريدة الأهرام المصرية، وهي تروى تجربتها وتتحدث عن صعوبة المسرح، خاصة وأن المسرحيات الموسيقية تتطلب أن يكون الممثل مغنياً في الوقت نفسه.

الطبقة العليا والأجانب

مع بداية القرن العشرين، ظهر تأثير الحراك الاجتماعي في كثير من التفاصيل على حي الأزبكية؛ وإلى جانب المسارح، بدأت تظهر البارات والمقاهي الصغيرة، وصالات الرقص، التي تظل مفتوحة حتى وقت متأخر من الليل، أكثر من المسارح، وتقدّم فقرات ظهرت فيها المغنيات والراقصات اللاتي كن يختلطن بالجمهور بعد تقديم عروضهن.

 يذكر الكاتب، أن بعض العاملات في تلك الصالات، التصقت بهنّ السمعة السيئة، وبعضهن استطعن استغلال العلاقات مع روّاد الصالة، ما جعل عيون المخبرين ترصد ما يحدث ليلاً.

 فالملاهي الليلية في الأزبكية، كانت تجمع شخصيات من الطبقة العليا والأجانب، وشخصيات من أديان مختلفة، وضرب مثالاً الراقصة والمغنية شفيقة القبطية، التي اشتهرت بإغواء الطبقة العليا، وعُثر على اسمها في سجلّات الشرطة السرية، وأنها لم تكن مجرد راقصة كاريزمية فحسب، لكنها أقامت علاقة غرامية مع إليس مانسفيلد، المساعد البريطاني لقائد شرطة القاهرة، وجعلت قوّة من شرطته تحرس التياترو الخاص بها. 

الحراك الاجتماعي في حي الأزبكية، انعكس أيضاً على وجود تدرّج هرمي للسكان وللحياة الليلية؛ فبعد انتشار بيوت الدعارة التي نظّمها البريطانيون بشكل قانوني صارم، أصبح للأزبكية تدرّج اجتماعي هرمي خاص، على رأسه المسارح ثم التياترو، ثم بيوت الدعارة، وكل طبقة تحاول التبرؤ من الطبقة التي تليها.

وسط هذه الظروف، بدأت السيدات تدخلن بثقة أكبر في عالم الفن، وتناول الكاتب سيرة واحدة من السيدات التي تعتبر من أشهر رائدات المسرح الغنائي في مصر، هي منيرة المهدية، وهي أول سيدة تقود فرقة مسرحية، وأمكن توثيق حياتها، من خلال بعض المقابلات الصحفية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، وخلالها حكت كيف بدأت بالغناء في المدن الريفية، قبل أن تنتقل إلى القاهرة وتعرف طريقها إلى مسارح الأزبكية.

 ويذكر الكاتب أن أحد أسباب استمرار اسم منيرة المهدية، أنها سجّلت أغنيات فردية على أسطوانات الفونوغراف مع الشركات الثلاث الكبرى، العاملة في مصر حينها، وهي جراموفون وأوديون وبيضافون، وأصبحت نجمة غنائية.

التشبه بالرجال

كورماك في حديثه عن جيل الروّاد من الفنانات المصريات، أشار إلى أنه لم يكن من المعتاد أن تتشبّه المرأة بالرجال، حتى لو كان ذلك على سبيل التمثيل، في حين كان من السائد أن يتشبّه الرجال في الفن بالنساء، وهي العادة التي بدأت عام 1838، حينما أمر محمد علي باشا والي مصر، بمنع دخول الراقصات، فبدأ الرجال يرتدون ملابس النساء ويمتهنون الرقص الشرقي، لكن منيرة المهدية قلبت الآية، واشتهرت بإصرارها على تأدية الأدوار الرجالية، وارتداء ملابس الرجال.

تبعا لكتاب "منتصف الليل في القاهرة"، لا يمكن فصل ظهور جيل الروّاد من الفنانات عن الرجال؛ وفي الحرب العالمية الأولى، ومع موجة وجود الأجانب الضخمة في مصر، انتشرت مسرحيات الفرانكو آراب، وقدّم نجيب الريحاني مسرحيات "كشكش بيه".

كما ابتدع علي الكسار شخصية "البريري"، وهو نصف نوبي ونصف سوداني، وكانت هذه المسرحيات تؤدّى باللغتين العربية والفرنسية، كما قدّمت منيرة المهدية ما أطلق عليه وقتها أوّل أوبرا عربية، أثارت استنكار المحافظين الرافضين لزيادة مساهمة النساء في الفن. 

لم يكن رجال ونساء شارع الأزبكية بمعزل عن الحياة السياسية؛ فمع اندلاع ثورة 1919، نظّم فنانو الأزبكية سلسلة من الاحتجاجات الخاصة بهم، من خلال عروض كرنڤالية تجوب الشوارع، وانتشرت الأغاني الوطنية في المسيرات وفي المسرح الغنائي، وظهر النشيد الوطني "قوم يا مصري" للمرّة الأولى في مسرحية "قولوا له" لنجيب الريحاني عام 1919.

منحت ثورة 1919 المرأة المصرية مزيداً من الحرية في المشاركة والظهور في الحياة العامة، والتواجد في الجامعات، في الوقت نفسه أعطت دفعة كبيرة لظهور ألوان فنية أكثر جرأة، ومزيد من الشجاعة في ظهور جيل جديد من الفنانات، حملن ريادة النساء في المجال الفني في مصر في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق