تُعيد حادثة استهداف جبهة البوليساريو منطقة المحبس، السبت الماضي، بمقذوفات، بالتزامن مع احتفال فعاليات مدنية وسياسية بالذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء، التي تبنّتها الجبهة رسميًا من خلال بيان صادر عما تسمى “وزارة الدفاع الصحراوية”، النقاش حول إمكانية توجّه المغرب نحو تأمين المنطقة العازلة التي تشهد تحركات استفزازية مكثفة لعناصر هذا التنظيم الانفصالي، خاصةً منذ إعلانه التنصّل من اتفاق وقف إطلاق النار والعودة إلى العمل العسكري في نوفمبر من عام 2020.
وتشير كافة التقارير الأممية التي رصدت تطور الوضع في الصحراء منذ هذا التاريخ إلى إبلاغ بعثة “المينورسو” من قِبَل القوات المسلحة الملكية بمئات حالات خرق اتفاق وقف إطلاق النار من قِبَل عناصر جبهة البوليساريو، وتركزت معظمها في منطقة المحبس. في الوقت ذاته يؤكد عدد من المهتمين على حق المغرب في تأمين حدوده وحماية أمنه واستقراره، بما في ذلك تأمين المنطقة العازلة، وهو مطلب تجدّد رفعه من قِبَل عدد من الفعاليات بالتوازي مع تصاعد الاستفزازات الانفصالية على الحدود.
ويشدد المهتمون بقضية الصحراء الذين تحدّثوا إلى جريدة هسبريس في هذا الشأن على أن مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في مادته الـ51 تمنح المغرب حق الدفاع الشرعي عن النفس لدفع أي خطر يهدد حدوده وسلامة أراضيه، عبر مجموعة من التدابير القانونية والسياسية؛ ويسجلون، في الوقت ذاته، أن لجوء الكيان الوهمي في المخيمات إلى تصعيد أعماله العسكرية ضد المملكة يُفسَّر بحالة الإحباط التي تعيشها قيادة البوليساريو في ظل تراجع أطروحة الانفصال إقليميًا ودوليًا لصالح الأطروحة المغربية، المدعومة بالشرعية والواقعية والمؤيدة من قوى مؤثرة على الساحة الدولية.
إحباط انفصالي وقرار مغربي
تفاعلًا مع هذا الموضوع قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إن “ما تم تداوله بشأن استهداف المنطقة المحيطة بالمحبس بمقذوفات نارية أطلقتها عناصر تابعة لميليشيا البوليساريو يعد خطوة تعكس حالة الإحباط السياسي والعسكري التي يعيشها هذا التنظيم، نتيجة الزخم الكبير لصالح المواقف المغربية العادلة في النزاع الإقليمي المفتعل في الصحراء المغربية، ويؤكد على الوضع النفسي المنهار لقيادات الجبهة، التي تدفع بمجموعة من الإرهابيين إلى نقطة اللاعودة من أجل خلق حدث إعلامي وتسويقه داخل مخيمات الذل والمهانة”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “استهداف القطاع العسكري المحبس من طرف ميليشيات البوليساريو الإرهابية له دلالات أخرى، إذ إن هذا القطاع يحتضن سنويًا مناورات ‘الأسد الإفريقي’، إحدى أكبر المناورات العسكرية في العالم، التي تنظمها المملكة المغربية بشراكة مع حلفائها وأصدقائها الإستراتيجيين من مختلف قارات العالم”، وزاد: “تشكل هذه المناورات العسكرية المتميزة أحد أهم مفاتيح السلام العالمي والقاري والإقليمي، ورسالة سلام واستقرار ترسلها المملكة المغربية إلى محيط إقليمي يعج بالمخاطر والأزمات”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “المغرب، بعد تأمين معبر الكركرات في 13 نونبر 2020، وضع قواعد اشتباك إقليمية جديدة تحصن الاستقرار الإقليمي؛ وعلى هذا الأساس فرض حظرًا جويًا وبريًا على المناطق شرق الجدار، التي أصبحت محرمة عسكريًا على ميليشيا البوليساريو، التي قامت بعمليات استفزازية قابلتها المملكة بأقصى درجات ضبط النفس، متسلحة بالهدوء الإستراتيجي”.
وأشار الخبير الدولي نفسه إلى أن “محاولة تصعيد الموقف العسكري للميليشيات الإرهابية في المنطقة العازلة تزامنًا مع احتفال فعاليات مدنية مغربية بذكرى المسيرة الخضراء هو قرار يؤكد على الوضع النفسي المهزوز للبوليساريو ومشغليها في الجزائر، في محاولة لاستخدام الزخم الإعلامي المصاحب للاحتفال المغربي من أجل تضخيم الحدث وتصويره على أنه يشكل إضرارًا بالأمن القومي والمصالح العليا للمغرب”.
وحول إمكانية توجه المغرب في خضم ذلك إلى تأمين المناطق منزوعة السلاح في الصحراء أكد البراق شادي أن “الدخول إلى المنطقة العازلة يبقى قرارًا إستراتيجيًا قد تتخذه المملكة المغربية، بناءً على تقدير موقف دقيق للوقائع وتحليل عميق للأحداث، فهي لا تعتمد إستراتيجية القرارات الانفعالية أو مبدأ ردود الفعل في اتخاذ قرار سيادي وإستراتيجي من هذا الحجم”، وأشار إلى “تصريح سابق للمندوب الدائم للرباط في نيويورك أكد فيه استعداد وجاهزية المغرب للدخول إلى المنطقة العازلة في حالة استخدام البوليساريو مسيرات إيرانية؛ وبالتالي فأي تصعيد عسكري من جانبها قد يهدد استقرار الوطن وسلامة أراضيه سيدفع المملكة إلى اتخاذ قرار سيادي لإبعاد الخطر والتهديدات العسكرية عن الجدار الأمني العازل والمناطق المحيطة به”.
حق قانوني وحماية حدود
من جانبه أورد هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “المغرب يمكنه تفعيل عدد من الإجراءات القانونية لدعم سيادته على المنطقة العازلة، بالاستناد إلى الحق في الدفاع عن النفس المكرس في ميثاق الأمم المتحدة؛ إذ لهذه الخطوة أساس قانوني يمنح المملكة حق حماية أمنها ضد التهديدات التي تستهدف حدودها، مع الالتزام بمبادئ القانون الدولي”، مضيفًا أن “المغرب يعتمد أيضًا في ذلك على رصد وتوثيق الانتهاكات التي تقوم بها جبهة البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار، وذلك لتقديم أدلة ملموسة أمام المحافل الدولية؛ إذ تدعم هذه الأدلة مساعيه القانونية وتزيد من مبررات تحركاته الرامية إلى تأمين المنطقة العازلة تحت سيادته”.
وتابع معتضد بأن “المغرب يمكنه في هذا الإطار التقدم بشكوى لمجلس الأمن توضح خرق الاتفاقيات وتهديد الاستقرار الإقليمي، ما يعزز موقفه لطلب تعديل الوضع القانوني للمنطقة العازلة، ويؤكد حقه في ضمها لتأمين سلامة أراضيه؛ كما يمكنه العمل دبلوماسيًا بمعية الدول الداعمة لوحدته الترابية لكسب تأييدها لخطته لتأمين المنطقة، إذ يمكن لهذا الدعم أن يساهم في تشكيل رأي عام دولي مساند لحق الرباط في حماية حدودها”.
وسجل المتحدث لهسبريس أن “الرباط يمكنها استخدام مبادئ القانون الدولي التي تكفل للدول حماية حدودها، بما في ذلك حق التحرك ضمن أراضيها لوقف التهديدات، وهذا الحق يمنح المغرب أساسًا قانونيًا لتعزيز حضوره في المنطقة العازلة وتأمينها”، ولفت إلى أن “القيادة في الرباط تستطيع تقديم مقترحات لتغيير وضع المنطقة العازلة نحو إطار جديد أكثر استقرارًا، ضمن خطة تدعمها الأمم المتحدة؛ وهذه الخطوة تضفي على مساعي المغرب الشرعية الدولية مع إبراز التزامه بالحلول السلمية”.
وخلص المحلل ذاته إلى أن “المغرب يؤكد دائمًا على ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة وتأمينها من أي نشاطات تهدد السلم، خاصة في ظل الانتهاكات المتكررة، ما يكسبه تعاطف المجتمع الدولي ويدعم حقه في اتخاذ خطوات ضرورية في المنطقة العازلة”، مشددًا على أن “المغرب، لتعزيز حضوره بشكل فعال، يمكن أن يستمر في إنشاء وتطوير مشاريع تنموية وتطوير البنية التحتية في المناطق المحيطة بالمنطقة العازلة، ما يعزز من تواجده على الأرض ويزيد من فعالية خطته لتأمين المنطقة وضمان استقرارها ضمن حدوده السيادية”.
0 تعليق