عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم اختطاف العقل - في المدرج
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
د. غادة موسى
نسمع كثيرا عن هجرة العقول والكفاءات وجذب الكفاءات والعقول النيّرة نحو الخارج أو استنزافها، لكن لا نسمع بنفس القوة عن اختطاف العقول على الرغم من وجود العديد من الكتابات المتخصصة التي تناولت موضوع اختطاف العقل وبنية العقل.
ويعتبر العقل هو الجزء الأخطر في جسم الانسان، إذ يمكن اختطافه وتوجيهه لخدمة أغراض غير سليمة، بل يمكن اختطاف العقل وجعله يحارب نفسه والآخرين عبر طرق ووسائل عدة يتم استخدامها مثل التطرف والالحاد والانتحار، وجميعها مؤشرات على أن العقل تم اختطافه وأنه خرج عن المسار الصحيح.
كما يمكن أن نطلق على اختطاف العقل وصف استلاب العقل واحتلاله من قبل أفكار ومعارف تقوده نحو تحقيق أهداف تخرج عن مفهوم الخيرية وتقترب إلى أعمال الشر والأعمال التي تضر بالإنسان ذاته وبالآخرين.
وتبرز إشكالية العقل البشري في قدرته على استيعاب كم هائل من البيانات والمعلومات والمعارف وخلق روابط وعلاقات بينها تقود إلى أفكار توجه سلوك الفرد. والعقل لا يقوم بذلك من تلقاء نفسه بل عبر محفزات تتمثل إما في تجارب حياتيه أو تعلم أو تدريب أو توجيه.
ويبدو اختطاف العقل أكثر سهولة في عصر الثورة الصناعية الرابعة ومنتجاتها التي تسربت إلى حياة الإنسان بكل تفاصيلها بحيث أصبحت تقرؤه وتملي عليه – في الكثير من الأحيان- اختياراته وتشكل تفضيلاته، بل وصل الأمر إلى الحد الذي ترك فيه الفرد نفسه لهذه الأدوات لتقوم بالعديد من المهام والأعمال بدلاً منه، فوصلنا ليس فقط إلى اختطاف العقل وإنما إلى تعطيل العقل. وعندما يتعطل العقل ويتوقف عن العمل الإرادي الحر يسهُل اختطافه، بل احتلاله بهدف صناعة عقل جديد منفصل عن واقعه الإنساني والمجتمعي.
إن المعركة الحقيقية التي تواجه مصر والدول العربية في هذه الحقبة من الزمن ليست فقط معركة احتلال أرض كما كان سابقاً، إنما هي معركة احتلال فكر وعقل يقابلها مقاومة لتحرير فكر وعقل. كما أظهر أن الزخم الهائل من المعلومات المدروسة التي تخترق حياتنا تؤكد على دور المناخ والمحيط وتأثيره في صناعة عقل وفكر الإنسان وقرارته. فإذا كان الإنسان مخيراً منذ ولادته فهو مخير في انتقاء كثير مما يقرأ ويسمع ويرى، ومن يصادق، وقد ينتهي به المقام في ظل غياب التوعية والتوجيه إلى تبني أفكار متطرفة أو التلاعب بركائز عقيدته في اتجاه الالحاد، خاصة إن لم يكن متسلحا بأدوات فكرية ومعرفية تمكنه من مقاومة الهجمات الشرسة والضغوط الكونية التي يتعرض لها ليلاً نهاراَ.
وعليه، يقع على الدولة والمجتمع بشكل أكبر مسئولية توفير المناخ والبيئة اللازمين لبناء عقل واع وناقد متزن متبع الفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي اتباع كل ما يؤدي إلى نفع الإنسان وسعادته من خلال التفكير وإعمال العقل.
0 تعليق