محمد شكري.. وهران شقيقة طنجة في البهاء والشقاء - في المدرج

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم محمد شكري.. وهران شقيقة طنجة في البهاء والشقاء - في المدرج

عندما ولد محمد شكري عام 1935، لا طنجة ولا المغرب الأقصى ولا أسرته، كانوا يعلمون أن كاتباً مختلفاً جاء إلى العالم، حتى هو نفسه لم يكن يدري بموهبته حتى نهاية عقده الثاني، حيث عاش متشرّداً وبعيداً عن القراءة والكتابة، اللتين تعلمهما في السجن. 

ولأن الذي يتعلم حرفة متأخراً، يكون صادقاً فيها، باشر شكري الكتابة بعيداً عن كل الحسابات، وقال: "عندما أكتب، لا أكون في حاجة إلى أن أكذب، ولا أكون مضطراً للتملق أو المسايرة. أنا أكتب لكي أكتشف الحياة كما هي، بلا رتوش ولا زيف."

سردية انقلابية

سيرته الذاتية في روايته الشهيرة "الخبز الحافي"، أظهرت خلوّها من الاعتبارات كلها، وقد صدرت ترجمتها الأولى عام 1972، ترجمها الطاهر بنجلون إلى الفرنسية، وبول بولز إلى الإنجليزية، أي قبل أن يصدر الأصل العربي للمخطوط عام 1982.

شكّلت "الخبز الحافي" نقطة انعطاف في السردية العربية، لجهة جرأة الذات الكاتبة، في تقديم نفسها كما عاشت، لا كما تحلم بأن تعيش، فنقلت الأدب العربي من مقام الحلم الرومانسي، بشقّيه التحرري الثوري والعاطفي، إلى مقام المكابدة والتعرية. 

كتب شكري أنه فاته أن يكون ملاكاً، لذلك استمدّ نصوصه التي لم تكن كثيرة، أشهرها سيرته بأجزائها الثلاثة، "الخبز الحافي". "زمن الأخطاء" و"وجوه"، من صعلكاته في المدن، في مقدمّها طنجة التي تطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي معاً، على بعد ربع ساعة من إسبانيا، فكأنه يعيد اكتشاف نفسه من خلال المدينة والعكس.

راهب طنجة

 عرّت رواية "الخبز الحافي" نفاق الفضاء العربي والأفريقي، واضطرابه بين عادات وتقاليد تتغنى بالفضيلة، وواقع يقول العكس تماماً، وتمّ تصنيف الكاتب من قبل المؤسسة الرسمية، بشقيها النخبوي والشعبي، قبل أن تنفد الطبعة الأولى، في خانة الأوصاف الجاهزة، من قبيل "المتمرد" و"الزنديق"، في مقابل إعجاب واحتفاء الهامش به، ورفعه إلى مقام الراهب النبيل. 

وهران.. باريس الصغيرة

ولئن كانت حياته في طنجة معروفة، من خلال كتاباته وكتابات بعض من عايشوه، فإن حياته في مدن أخرى، مثل مدينة وهران الجزائرية، تظل مجهولة وغير مرصودة. 

من هنا، يأتي كتاب "شكري في وهران" للكاتب الجزائري محمد بن زيان، (دار أندلسيات)، ليكشف كثيراً من الجوانب التي ميّزت إقامة صاحب "غواية الشحرور الأبيض" في وهران، التي يسميها الجزائريون "باريس الصغيرة"، وكيف وجدها وجهاً آخر لطنجة التي جعلت منه إنساناً شغوفاً وكاتباً معروفاً. 

تجمع وهران ثقافياً بين الثقافات العربية والأمازيغية والفرنسية والإسبانية، وهو المدخل، بالإضافة إلى ليلها الذي لا ينام، الذي يبدو أنه جذب محمد شكري الذي يستقي من هذه الروافد، إذ بقيت وجهة روحية له، ليس بصفتها بديلاً عن طنجة، التي جاءها من قريته وهو في السادسة من عمره، مشياً على الأقدام، بل بصفتها توأماً لها في الجمال والمخيال. 

رحلة الخبز والبصل

يقول بن زيان: "إن شكري دخل وهران في الليل، زمن المجاعة والاحتلاال الفرنسي، والليل مرآة التجلي، ولا يمكن للمدن الإفصاح عن روحها إلا ليلاً".

ويبدو أنه الغموض الذي خلق فيه الرغبة في اكتشاف قلب المدينة، لكنه كان حكراً على الفرنسيين والمستوطنين، فقال: "هنا أيضاً الحياة ليست سهلة في وهران، لكننا ما دمنا نستطيع الحصول على الخبز والبصل، فإن كرامتنا ستكون مضمونة". 

بين داليتين

 كان احتكاكه الأوّل بساحة "الطحطاحة" التي عرفت بأم المساكين، لأن مغاربة وجزائريين يتجمعون فيها، لعل مستوطناً ينتقي بعضهم للعمل في حقوله، فكان له ذلك، بما ضمن له ولأسرته الخبز، لكنه أبعده أكثر عن قلب المدينة إلى أطرافها، فظل يتحيّن الفرصة لدخولها، فكأنه كان معلقاً بين داليتين. دالية متاحة هي دالية العنب في حقل الفرنسي، ودالية محرّمة هي دالية الشغف بتذوّق ليل وهران. 

ولئن استطاع الفتى محمد شكري أن يحدّ من جوعه، من خلال العمل لدى المستوطنين الأوروبيين، فإنه ظل عاجزاً عن إيجاد طريقة يحدّ بها نقمته على أبيه القاسي، الذي رآه يخنق أخاه الصغير إلى حدّ الموت، "فانتقم بانتهاك المعايير التي انتهكت براءة طفولته". 

في المزرعة كان يلعب ويعمل، يقول بن زيان، فكان طفلاً ورجلاً معاً، واستمرت سيرة العصيان وانتهاك التابو بنزوح هامش مغربي نحو هامش جزائري. فكان ذلك مركز الحكاية التي تسللت من معابر الذين لا يرون إلا السطح، ولا يعيشون إلا في الرفاهية المخملية. 

زوربا المغربي

يصف شكري أمسيات وهران في الصيف بالطويلة والجميلة، حيث يبتكر الأطفال والنساء والشيوخ أوقاتاً هاربة من الحلم بواقع مغاير، حتى لا ينهاروا أمام الواقع القاسي المعيش، فكانت تلك عتبته الأولى لتوطين الذات على الانتقام من الحرمان، بأن صبر عليه صغيراً، وفضحه بالكتابة عنه كبيراً، كان يمتلك وعي زوربا الذي يواجه المصطنع بالفطري". 

لم تطل الإقامة الوهرانية لشكري، وكان العبور مؤطراً بالمثل الشعبي القائل: "وهران، الداخل ليها عجلان، والخارج منها هربان"، فكانت الحسرة على عدم استكمال اللحظة الوهرانية، ترافق الفتى، وهو ينزح مرّة أخرى إلى طنجة. ولم تجد أمه ما تعزيه به إلا قولها: "سنجد خبزاً أوفر في طنجة. هنا يأكل الناس حتى يشبعوا".  

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق