السويس - حسام الدين أحمد:

داخل حلقة السمك في السويس يطرح الزبائن سؤالان، الأول عن السعر والثاني عن اسم السمكة، يعرف التجار إن الأول من أبناء المدينة والثاني زبون مغترب عنها، تلقف عينيه ألوان سمك الحريد، يثير حيرته شكل القروش والشبين والمحراث، ويدهشه شكل سمك الخنازير واسمها باختلاف أنواعها.

بعد مرور شهر ونصف على بدء موسم الصيد، تبتعد المراكب عن منطقة السروح قرب الأدبية بشكل تدريجي، تبحر جنوبا تجاه السخنة تجمع مراكب الجر في شباكها أنواع مختلفة ومتنوعة من الأسماك، بعضها يتنافس التجار على شرائها بسبب شكلها المميز ودورها في جذب أنظار الزبائن.

تنوع بحري

يمثل خليج السويس مرعى طبيعي للأسماك بعضها يعيش ويتكاثر في الخليج، والأخرى تأتي مهاجرة تبحث عن الدفء وتضع صغارها وتعود في نهاية الربيع، كلها تخرج مع رزق البحر ويعرضه التجار لتصير طعاما شهيا غني بالمعادن والبروتين والفيتامينات والأملاح المطلوبة للجسم.

"اللي بيخرج في الشبك رزق وفيه أسماك الى ميعرفهاش يخاف منها".. يتحدث عمرو عمارة شيخ الصيادين في السويس عن صيد البحر، ويضيف أن شباك مراكب تسحب كل ما تجمعه من القاع وما يقابلها في المسافة بين القاع والسطح لذلك تخرج معها أنواع متنوعة من الأسماك.

يخبرنا شيخ الصيادين أن بعض الأنواع تخرج صيد عارض مثل سمك القرش، او كما يسميه الصيادين بالـ"قطط" أو الُخنت، بجانب أنواع أخرى مثل سمك الديك أو الأسد، وسمكة الراي والتي يطلق عليها البعض اسم الشيطان بسبب زعانفها الجانبية التي تشبه الأجنحة.

الُشخرم

الشخرم هي أكثر الأسماك الشعبية شهرة في السويس، وهي رخيصة السعر "الناس بتقول عليها أكلة الفقير بسبب سعرها الرخيص" إذ تباع بمتوسط سعر 30 جنيها للكيلو، بينما تباع الأحجام الكبيرة منها "الشخرم العكر" بسعر يصل 80 جنيها للكيلو، والبعض لا يروق له السمكة بسبب اسمها ويرفضها لكنها سمكة مفيدة وتحتوي على نسبة عالية من البروتين.

إلا أن السمكة لا تلقى قبول أو شهرة خارج السويس بسبب حجمها الصغير نسبيا، حتى الكبير منها لا يتجاوز حجم كف اليد، فهي صغيرة في أعين سكان القاهرة الكبرى مقارنة بالأصناف الأخرى من السمك الشعبي، كما أنهم يفضلون الأسماك سهلة التناول قليلة الشو كثيرة اللحم.

قملة القرش

داخل حلقة السمك يتنافس التجار في جذب الزبائن، تساعدهم ألوان الأسماك وأشكالها في ذلك، عنصر جذب يدفع للسؤال الذي يستغله التجار لصالحهم ليقنعوا الزبون ببضاعتهم وجودتها.

في يوم الجمعة، حيث السمك هو الوجبة الرسمية بالسويس، يعرض تاجر أسماك قاتمة اللون تشبه القراميط، لكن رأسها مفلطح وعليه تعرجات خفيفة، يمسك بسمكة وهو يجيب على زبون يسأله عنها: "دي قملة القرش"، تعيش تلك السمكة شبه ملاصق بالأسماك الكبيرة تتغذى على فتات وبقايا فرائسها، كما تلتصق أحيانا بجلدها تنضفها من العوالق والهوام التي يمكن أن تسد خياشيم السمك الكبير مثل القروش.

فتلة

تخرج تلك الأسماك صيد عارض، وأعدادها ليست كبيرة، بالكاد تغطي نصف طاولة تضم تشكيلة من الأسماك يطلق عليها طاولة "عفشة"، من بين أكثر من 60 طاولة تعود بها المركب بعد رحلة صيد سريعة، يجاورها أحيانا سمكة الفتلة، وهي سمكة طويلة جسمها يشبه الأسطوانة، وهي الأخرى تعيش حول الأسماك الكبيرة وأسماك القاع تغذى قطع الطعام الصغير التي تفلت من فك الأسماك الشرسة.

القطط

يخرج سمك القرش أو "القطط" كما يطلق عليها الصيادين بسبب لمعان عينيها، ضمن الصيد العارض، الصيادين لا يستهدفوا القروش فهي لا تسبح في أسراب مثل الباغة و الكسكمري، وإنما تأتي وتهاجم شباك الصيادين لتنال نصيبا وفيرا من الطعام فتصبح صيدا.

هذا ما أكده شيخ الصيادين في السويس، وتابع أن السمكة رغم حظر صيدها وفقا لقانون البيئة، إلا أنها تصل إلى حلقة السمك ولها زبون ومطلوبة بسبب لحمها الشهي الغني بالمعادن، فضلا عن انها لا تحتوى على أية أشواك وإنما غضاريف خفيفة، لذلك يراها البعض آمنة على الأطفال، وتحضر السمكة بسلخها ثم تعد مقلية أو طواجن.

الخنزيرة

رغم أسمها المأخوذ من حيوان لا يفضل لحومه المصريين، إلا أن من يعرف السمكة يفضلها عن غيرها ويقبل على شرائها، لذلك تباع بسعر يزيد عن 120 جنيها للأنواع كبيرة الحجم، من سمكة الخنزيرة البلاط.

ويقول "محمود نجم" تاجر أسماك في السويس،: إن مراكب الجر والشانشولا تخرج 3 أنواع من سمكة الخنزيرة، الأول هو الخنزيرة بلاط وهي سمكة مفلطحة وطويلة، بينما سمكها من الجانبين قليل فهي في سُمك البلاط أو أقل.

صندوق

وتابع "محمود": أما النوعين الأخرين، هما الخنزيرة الخضراء وهي سمكة لونها أصفر داكن وعليها نقط خضراء، ولا تزيد على حجم كف اليد، بينما النوع الثالث وهو الأغرب هو الخنزيرة الصندوق وهي سمكة هيكلها العظمي مربع الشكل.

ويوضح "نجم"، أن سبب التسمية بالخنزير لانها تسلخ بإزالة طبقة الجلد الخارجية بطريقة سهلة رغم جلدها السميك، ويظهر اللحم تحت الجلد أبيض، وذلك في النوعين الأول والثاني حيث تحضر شوربة أو مقلية، بينما النوع الثالث فتشوى كما هي سليمة ويخرج اللحم منها فصوص مثل لحم صدور الطيور.

ويتراوح سعر الخنزيرة البلاط بين 80 إلى 120 للبلاط، ويتراوح وزن السمكة من 200 جرام إلى 3 كيلو للسمكة الواحدة، بينما تباع الخضراء الصغيرة بسعر من 30 إلى 50 جنيها وقل الطلب عليها، والصندوق فتباع بسعر أقل من 50 جنيها، وهي تخرج بكميات قليلة من البحر.

الأسد

تعيش سمكة الأسد وسط الشعاب المرجانية، وتنتشر في الغردقة وشرم الشيخ، قليلا ما تخرج في غزل الصيد وسميت بالأسد أو الديك كما يعرفها أهل السويس بسبب الشوك الذي يغطي رأسها ويشبه الفراء المحيط برأس الأسد، بينما يرى البعض ذلك الشوك مثل الريش الملون للديوك والذي يزين رقبتها وجسمها.

تباع سمكة الديك بسعر يتراوح من 50 إلى 80 جنيها، من تناولها يقول أن طعمها ينافس أنواع فاخرة مثل الكوشر والشعور، بينما يتجنب البعض شرائها بسبب الأشواك التي تخرج من سلسلة الظهر والزعانف وهي اشواك تسبب ألم شديد إذا ما وصلت إلى اليدين.

ويقول غريب شوقي تاجر أسماك في السويس، إن السمكة لها أشوكا تسبب تنميل في كف اليد إذا وخزت من ينظفها، لكنها غير مسممة، لذلك نصح من يشتريها، أن يجهزها بمعرفة عمال تنظيف السمك المنتشرين بالحلقة.

حداية

"كل يوم في الموسم بنشوف حاجة جديدة طالعه من البحر، وياما المراكب بتجيب سمك منعرفش اسمه"، يحكي عارف بدير وكيل مراكب صيد، عن الأنواع الغريبة التي تجمعها شباك مراكب الجر خلال رحلات الصيد، ويقول: إن من أغرب الأسماك وأكبرها حجما سمك "الراى" أو كما يعرفه الصيادين باسم الحداية والبعض يسميها الشيطان بسبب الزعانف الجانبية الكبيرة لدرجة انها تشبه الأجنحة.

يخبرنا "بدير" أن تلك السمكة تظهر في البحر بشكل يظهر أنها تبدو أكبر حجما، لذلك تخيف الصيادين ويطلقون عليها شيطان، لكنها سمكة غضروفية عادية ولم تسجل أي حالات هجوم على الصيادين إلا أن لديها سلاح قوي.

ويقول الدكتور أمجد شعبان الباحث في معهد علوم البحار في السويس، إن سمكة الراي لها أسنان صغيرة وليس هناك خطورة منها، خاصة أن فمها صغير وأسنانها في مقدمة الرأس وعلى الفك السفلي فقط وهي تأكل المحاريات والأسماك الصغيرة.

وتابع أن بعض أنواع الرأي لديها شوكة في مقدمة الزيل، تستخدمها للدفاع عن نفسها حال تعرضها للهجوم من مفترس أكبر حجما، وتطلقها كالسهم وهي شوكة مشرشرة من الجانبين واتجاه الشرشرة إلى الأسفل، ليسهل دخولها جسم السمكة المعادية.

بوجه إنسان

تنضم لعائلة سمكة الرأي سمكة الشبين، أو كما يصفها محمود خلف تاجر السمك بالحلقة بأنها عروس البحر وهي سمكة رأسها مثلث الشكل، وتملك فم وخياشيم وفتحتين بمقدمة الرأس تشكل معا ما يشبه وجه الإنسان، أما عينيها ففي ظهرها.

وتمتاز السمكة بهيكل من الغضاريف ولحمها غني بالجلاتين والذي يتحول إلى كولاجين بعد تسويتها لذلك، فإن أكثر الطرق المعروفة لطهي السمكة هو إعداد أطباق شوربة أو طاجن.

بغبغان

ومن الأسماك الشهيرة أيضا سمكة الحريد أو البغبغاء، تتميز السمكة بقشورها السميكة، وألوانها التي تجمع بين الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق، تشبه الببغاء في تكوين ألوانها وفمها أيضا.

وتختلف تلك السمكة عن دونها من الأسماك بأسنانها التي تشبه القواطع، وهي قادرة على طحن الشعاب المرجانية تحويلها إلى رمال، بينما تغذي على الطحالب والعوالق حول الشعاب، وهي تمثل فائدة كبيرة للبيئة البحرية.

وبسبب لحمها الأبيض وقشرها السميك تحفظ تلك السمكة بالتجفيف، لتحول إلى سمك مجفف يمكن أن تبقى أكثر من عامين دون الحاجة إلى تبريد، والسر في ذلك التخلص من كل المياه في لحم السمكة، حيث تتحول السمكة التي تزن 5 كيلو جرام، إلى 1.2 كيلو فقط.

وعند تناولها ينزع اللحم وتنقع ليلة كاملة في المياه، وتحضر بعد إضافة التوابل عليها والليمون وطبخها في طاجن، ويمكن أن يؤكل لحمها مجفف.