تامر أفندي يكتب: نجم البشرية يأفل.. تاريخ بلحية وعالم جديد بلا أثر ولا آثار

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
google news

لما خلق الله آدم كانت محاجاة الملائكة فى قوله تعالى: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، وكانت كلمات الملائكة مبنية على ما شاهدوه من خلق قبل بنى الإنسان، ومن ثم سينتهج البشر نهج من قبلهم، وهنا كان التكليف الإلهى فى جعل الإنسان خليفة يحمل أمانة الإعمار، وتحقق ذلك عبر قرون عاشتها البشرية ووصل الإنسان إلى أسرار الكون واستطاع فك شفراته فأنشأ حضارات وتقدم فى شتى صنوف العلم بعدما كان بدائيًا يحيا حياة الغابات. 

لكن ما لبث ذلك الإنسان إلا وانقلب على عقبيه وبات يدمر ما بناه من حضارات ويمحى ما تركه من أثر وأثار ليضل من بعده قلا يجد أثرًا يقتفيه ولا آثارًا يهتدى بها لعلم من سبقه فيبنى عليه علومه مستقبله.

فهل بدأ نجم البشرية فى الأفول وأصبح الإنسان عدو نفسه؟

غريبة بعض الشئ تلك المعضلة إذ كيف للعقل الذى بنى أن يهدم إلا إذا تم العبث بثوابته وبات العقل بلا عقل، ففى مناقشة على صفحات التواصل الاجتماعى بين بعضًا من بنى البشر عن ضرورة الحفاظ على آثار سوريا وعدم تعرضها لما آلت إليه الأمور من قبل فى العراق، كانت التعليقات تؤكد أننا على مقربة من الطوفان وأن أفول البشرية قادم لا محالة، فقد كتب أحدهم يقول: "إن ما تدعونه آثارًا ما هى إلا أصنامًا لم تستفد منها البشرية فى شئ وإلا لكان الخليل ترك تلك الأصنام فى معبد النمرود وقال إنما هى آثار".. لم تقف "شطحات رواد فضاء "الفيس" عند هذا الحد لكن زاد أحدهم كما نقول "الطين بلة" وقال: "نحن ننتهج نهج النبى فى فتح مكة، فنهدم اللات والعزى".. هنا قد وصلنا.. لم نكتف بهدم الآثار بل حرفنا حتى الدين على هوانا.

من الممكن استيعاب فكرة أن العالم الجديد يُقدم على فكرة طمس معالم الحضارات القديمة أو السرقة منها لنسب علمها إليه أو لإدعاء أن دوله ذات جينات تاريخية، كما يفعل الأمريكان فى الكثير من الدول وكما يفعل غيرهما من البلاد المُسجلة حديثًا فى قسائم الميلاد التاريخية، لكن أن يحرق الابن شهادة نسبه لكى لا يتصل بالماضى فهذا الأمر يحتاج إلى تحليل.. وحدها "مصر" التى تعى وتقدر قيمة آثارها وتنوعها وإن كنا لم نستفد علميًا بهذا الزخم على القدر الذى استفدنا به مكانة سياحية وترويجية وهذا لا يجعلنا نغفل أن هناك بعض العبث بتلك الآثار لكنها تصرفات فردية لا تصل إلى وصفها "تدمير".

والتدمير لا تصنعه فقط الحروب بل إنه يبدأ من تجريف العقول.. ومن ثم فالنتيجة واحدة سواء لحرب أو إرهاب أو تشدد دينى أو جهل.. نهاية واحدة وهى تلاشى أمم ومن يسقط من صفحات التاريخ لا يعود ولا يُمكن تذكره.

وإذ نناشد أنفسنا والشعوب بحماية آثارهم ومعرفة قيمتها التاريخية ولست أجد هنا أبلغ مما قاله كارستن نيبور، إذ يقول: "من يعيد الأشياء المطمورة إلى الوجود ينعم وكأنه خَلَق"، هذا عن إعادة إكتشافها فما بالك بمن صنع تلك الحضارات؟!.

قبل ٧ سنوات صدر كتاب مُهم للدكتور خالد عزب، بعنوان «الآثار... شفرة الماضي... اللغز والحل»، وفيه يقدم تأريخًا لعلم الآثار وارتباطه بصناعة التاريخ البشري، مبينًا فى مقدمته أن هذا العلم يهدف إلى الحفاظ على المكتشفات التى تعود إلى الماضى السحيق، وكذلك الماضى القريب بالكشف عنها وحفظها، لكن حدوده لا تقف عند ذلك، بل تتجاوزه إلى محاولة فهم المعرفة الإنسانية وتطورها، فالمواد التى يعثر عليها علماء الآثار لا تخبرنا بمفردها بكل شيء، وعالم الآثار يضع افتراضات وتساؤلات ليصل إلى رؤية لما تم الكشف عنه؟

من هنا تأتى الإثارة الناتجة من هذا العلم... كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ بين هذين التساؤلين مساحة واسعة، سواء من حيث الزمن، أو المعرفة، أو التطور الذى عرفته الإنسانية، ويكمن دور علم الآثار فى سد الفجوة بين التساؤلين السابقين، ليس هذا فحسب بل إن علماء الآثار من خلال قراءتهم للنقوش وعثورهم على قطع أثرية وحفريات بوسعهم أن يدلوا بدلوهم حيال العديد من الروايات الدينية التاريخية التى يرددها الناس باعتبارها حقائق لا تقبل النقد ولا النقض، ولا يصبح من المستساغ أن تظل هذه الروايات متداولة رغم أن الأثريين برهنوا على عدم صحتها، أو على الأقل هزوا ثباتها، أو على الأقل جعلوها موضع مساءلة أمام أفهام المعاصرين.

فى النهاية يا عزيزى ما تهدمه ليس حجرًا ولكنه جزء منك ومن البشرية.. أثرك الذى بدونه لن يكون لك مستقبلك.. خطوات أجدادك التى إن محوتها لن يكون لك نسبًا ولا وزنًا.. فأوراق الشجر لا تنبت بدون جذع.. إنها بقايا مدن اندثرت كانت فيها حضارات وشعوب وأشخاص، كل معلم من المعالم الأثرية يفتح نافذة على حقبة تاريخية انقضت ويفتح نافذة لحقبة تاريخية تبدأ.. فلا غدٍ بدون أمس يا أيها "اليوم".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق