محمد سعيد يكتب: بين سندان ومطرقة.. المؤتمر السادس يبحث عن مرسى آمن للصحافة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الجمعة 13 ديسمبر 2024 | 09:57 مساءً

كتب : محمد سعيد

 ساعات قليلة تفصلنا عن انطلاق المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين تحت شعار «فلسطين .. طريق إلى التغيير» وسط أجواء مشحونة بالتحديات والآمال في آنٍ واحد، خاصة أن هذا الحدث يمثل لحظة محورية في مسيرة صاحبة الجلالة، ليس فقط لكونه يناقش قضايا الصحفيين ومهنتهم، ولكن أيضًا لتسليط الضوء على قضية محورية تجمع بين الأبعاد المهنية، السياسية، والإنسانية ألا وهي القضية الفلسطينية.

اختيار شعار «فلسطين .. طريق إلى التغيير» يعكس التزام النقابة بتبني القضايا العادلة وتسليط الضوء عليها من خلال أقلام الصحفيين، لا سيما أن فلسطين ليست مجرد قضية وطنية أو إقليمية، بل هي قضية إنسانية عالمية تتطلب من الصحفيين دورًا أساسيًا في تشكيل الوعي وتعزيز الدعم، فضلًا أن هذا الشعار يحمل في طياته دلالتين، الأولى هي المسؤولية المهنية إذ أن الصحافة هي إحدى أدوات التغيير التي تُستخدم لرفع الوعي وفضح الانتهاكات وتسليط الضوء على أصوات المهمشين، والثانية البعد الأخلاقي حيث يبرز دور الصحفيين في إبقاء القضية الفلسطينية حية في الوجدان العربي والعالمي رغم المحاولات المستمرة لطمسها.

ورغم هذه وتلك، فإن انعقاد المؤتمر السادس يأتي في وقت تواجه فيه الصحافة تحديات جسيمة على المستويين المحلي والدولي لا يمكن أن نغفلها، ومن بين أبرز هذه التحديات تراجع الحريات الصحفية حيث تواجه الصحافة قيودًا متزايدة على حرية التعبير، وأيضًا تحدي التطور التكنولوجي المتسارع حيث أصبح على الصحفيين مواكبة تطورات التكنولوجيا الرقمية، والتي غيرت بشكل جذري من طرق استهلاك الأخبار ونقلها، إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المؤسسات الصحفية مما انعكس على جودة العمل الصحفي واستقلاليته، بالإضافة إلى الصراع المستمر للحفاظ على المصداقية في عصر توغلت الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ويمثل المؤتمر السادس فرصة ذهبية مواتية لوضع استراتيجية شاملة تُسهم في تطوير المهنة وتخطي التحديات الراهنة وكتابة مستقبل جديد للصحافة المصرية والعربية، وهناك عدة آمال أرى أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا الحدث، يأتي على رأسها ضرورة تعزيز الحماية للصحفيين من خلال وضع آليات قانونية تضمن حماية الصحفيين أثناء ممارسة مهامهم، فضلًا عن استمرارية تطوير التدريب المهني من خلال إطلاق برامج تدريبية متخصصة إلزامية على الصُحف تساعد الصحفيين على مواكبة التغيرات التكنولوجية والرقمية، إلى جانب تقوية التضامن النقابي وتعزيز التعاون بين الصحفيين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لمواجهة التحديات المشتركة.

ولكن تبقى التحديات الاقتصادية التي تواجهها المؤسسات الصحفية بمثابة بؤرة الخطر التي تحاول فقط المؤسسات التخلص منه يوميًا ولا تنظر إليه مستقبليًا، فتتفاقم الأزمة وتزداد السحب سوادًا بفعل التفكير الآني إلى جانب التطورات التكنولوجية المتسارعة وتغير عادات الجمهور في استهلاك الأخبار، فضلًا عن الأزمات العالمية التي أثرت على الاقتصاد بشكل عام، ورغم كل ذلك أرى أن هذه التحديات تُعد فرصة لتبني استراتيجيات جديدة تضمن استدامة الصحافة وجودتها، بعيدًا عن الحلول المؤقتة التي لا تعالج جذور المشكلة، وأؤمن تمام اليقين أن الأمل يولد من رحم المعاناة، وأرى أن سبل الإصلاح الاقتصادي للخروج من هذه الأزمة تكمن في تبني رؤية شاملة تقوم على محاور رئيسية تركز على الابتكار والاستدامة.

بداية من التحول الرقمي الشامل، وتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا، وتبني المؤسسات تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وفهم احتياجات الجمهور، مرورًا بالشراكات مع الشركات والمؤسسات والتعاون مع الجهات التجارية والثقافية لتنظيم فعاليات أو إنتاج محتوى مشترك، والاستثمار في مشروعات ذات علاقة مثل التدريب الإعلامي، إنتاج الأفلام الوثائقية، أو تقديم خدمات تحريرية للقطاع الخاص، وتحسين الإدارة المالية من خلال إعادة هيكلة الميزانية وتقليل النفقات غير الضرورية وتوجيه الموارد نحو الابتكار، وتعزيز الشفافية المالية وتقديم تقارير دورية توضح كيفية إدارة الإيرادات والنفقات لبناء الثقة مع الجمهور والمستثمرين، وتحسين جودة المحتوى والتركيز على التحقيقات المميزة وتقديم تقارير استقصائية عميقة تلبي تطلعات القراء وتعيد ثقتهم بالمؤسسة، والتركيز على مجالات محددة تهم جمهورًا نوعيًا، وصولًا إلى حوكمة شاملة للمؤسسات الصحفية بالتعاون مع أحد البنوك.

ختامًا، المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين يعكس أهمية دور الصحافة في القضايا الكبرى وفي القلب فلسطين، التي تمثل نموذجًا للصراع بين العدل والقهر، لكن التغيير الذي يحمله هذا الشعار لا يتوقف عند القضية الفلسطينية فقط، بل يمتد ليشمل تغييرات جوهرية في المهنة ذاتها، وإذا كان «طريق التغيير» يبدأ بشعار، فإنه يتحقق بالعمل المشترك لتعزيز حرية الصحافة، وتطوير أدواتها، ودعم رسالتها النبيلة، المؤتمر ليس فقط لحظة للتفكير في الحاضر، ولكنه أيضًا منصة لتشكيل مستقبل صحافة عربية تقود طريق التغيير نحو العدالة والمهنية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق