بات التساؤل عن مصير التواجد الروسي والإيراني في سوريا بعد الصعود المفاجئ لأبو محمد الجولاني زعيم ما تسمى حركة “تحرير الشام” المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوربية، مطروح بقوة، خاصة بعد حديث تقارير صحفية عن إقلاع طائرات شحن روسية من قاعدة "حميميم" الجوية الروسية على سواحل المتوسط متجهو إلى ليبيا.
زعم مسؤول أمني سوري متمركز خارج القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية إن طائرة شحن روسية غادرت القاعدة متجهة إلى ليبيا اليوم السبت. وأضاف المسؤول المتمركز عند بوابة القاعدة لوكالة «رويترز» للأنباء أن من المتوقع إقلاع المزيد من الطائرات الروسية من قاعدة حميميم الجوية في الأيام المقبلة.
وكان الكرملين قال خلال، وقت سابق إن تركيزه منذ سقوط نظام بشار الأسد ينصب على ضمان أمن قواعده العسكرية في سوريا وبعثاته الدبلوماسية.
وكانت صور أقمار اصطناعية نشرتها شركة «ماكسار» بعد الإطاحة بنظام الأسد مطلع الأسبوع الحالي أظهرت أن روسيا تجمع فيما يبدو عتادًا عسكريًا في قاعدة جوية بسوريا.
وتُظهر الصور التي التقطت، أمس (الجمعة)، ما يبدو أنهما طائرتان من طراز «أنتونوف إيه إن - 124»، إحدى كبرى طائرات الشحن في العالم، ومقدمتهما مفتوحة بقاعدة «حميميم» الجوية في محافظة اللاذقية الساحلية.
وقالت «ماكسار» إن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، مركز الإصلاح والصيانة الوحيد لروسيا في البحر المتوسط، «ما زالت دون تغيير إلى حد كبير منذ تغطيتنا للصور في 10 ديسمبر (كانون الأول) مع استمرار رصد فرقاطتين قبالة سواحل طرطوس».
ومنحت روسيا، حليفة الأسد منذ فترة طويلة، الرئيس السوري المخلوع اللجوء الأسبوع الماضي بعد مساعدته على الفرار من بلاده مع اقتراب قوات المعارضة من دمشق.
وقالت موسكو إنها تأمل في الحفاظ على قاعدتيها في سوريا، وهما قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة بحرية في طرطوس، من أجل مواصلة الجهود ضد ما وصفته بالإرهاب الدولي. وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف يوم الخميس إن الاتصالات مع اللجنة السياسية لهيئة تحرير الشام في سوريا «تسير بشكل بناء».
أكبر الخاسرين
الكاتب الصحفي أشرف الصباغ، كتب عبر فيسبوك يقول إن أكبر الخاسرين من سقوط نظام بشار الأسد، هم روسيا وإيران والإمارات، وأكبر المستفيدين هم تركيا وإسرائيل.
أوضح الكاتب الصحفي المقيم في روسيا أن الولايات المتحدة وأوروبا مستفيدتان في كل الأحوال. وأي فائدة تصب في مصلحة تركيا وإسرائيل، ستصب تلقائيا في مصلحة واشنطن وبروكسل. أو بمعنى أدق، سيتمكن الغرب بمرونة شديدة، وفي ظل نكسة روسيا وإيران، من الاستفادة من أي نتائج، وتطويع الأمور في اتجاه تحقيق مصالحه بدرجات مختلفة.
يضيف: “تقليص نفوذ إيران وحصارها وإضعافها سيصب حتما في مصلحة منطقة الخليج، وبالذات الإمارات التي يمكنها أن تستفيد جيدا في استعادة أراضيها المحتلة من قبل إيران، لكن عليها أولا الالتفاف على الواقع الجديد بالتراجع لمسافة معينة في علاقاتها مع روسيا. وهذا سيحدث إن عاجلا أو آجلا. غير ذلك، ستغامر الإمارات بمصالح كبرى، مادية وسياسية وأمنية، في حال ظلت تتعامل بنفس طريقتها القديمة، خاصة وأن كبريات دول الخليج غير مرتاحة لتصرفات القيادة الإماراتية في ملفات كثيرة تضر بالأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي. إضافة إلى أن الإمارات لم تدفع بعد فاتورة تلاعبها مع روسيا، والولايات المتحدة تنتظر اللحظة المناسبة. أي أنه على الإمارات أن تنظر جيدا وبعمق إلى المشهد”.
يتابع: “لا أحد حتى الآن يعرف ما يدور في رؤوس الجولاني وأصحابه، ولا أحد يعرف ترتيباتهم، وتحالفاتهم، سواء التي سبقت وصولهم إلى السلطة أو الحالية أو المستقبلية. والجميع الآن في سباق ماراثوني في الاقتراب منهم والسعي لفتح قنوات معهم. ولا شك أن لدى الجولاني وأصحابه علاقات معينة مع أطراف معينة ستتضح فيما بعد. وبطبيعة الحال، ستعلن إيران وروسيا أنهما نجحتا في فتح قنوات، وستبدأ الآلة الدعائية الروسية والإيرانية في إرباك المشهد. ولكن الجميع يدرك الآن ضعف هذه الآلة وتهافتها وغيبوبتها وضلالاتها وتضليلها. فكان الأولى بها أن ترى ما يجري في سوريا”.
غياب حماس وحزب الله
يوضح الصباغ أن علاقات الجولاني وأصحابه مع إسرائيل غامضة وغير معروفة، وكل ما يقال عنها مجرد تخمينات وتوقعات واستنتاجات. ويمكن أن نتحدث بثقة عن غياب حماس وحزب الله، أو حتى انتهائهما. وبذلك ستبرز أدوار فعالة لكل من السلطة الوطنية الفلسطينية والدولة اللبنانية. وهذا يصب في صالح ما يسمى باستقرار المنطقة. نظرا لتقليص مساحة الوجودين الروسي والإيراني.
يشير الصباغ إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن بقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا. ومع ذلك، فإن خروجها من هناك إن عاجلا أو آجلا، هو الأمر المرجح والأقرب إلى الواقع. وليس لدى روسيا أي أوراق للمساومة في سوريا. ومسألة تسليم الأسد مقابل بقاء القواعد أمر ساذج وسطحي، لأنه لا يشكل أولوية للجولاني وأصحابه، على الأقل على المديين القريب والمتوسط. وربما لا يشغل هذا الأمر اهتمام أي طرف حاليا، لأن هناك أولويات أهم بكثير، سواء للجولاني وأصحابه، أو لإسرائيل أو للولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج.
يقول الصباغ: "ليس لدى روسيا، من أجل البقاء في سوريا والإبقاء على قواعدها العسكرية هناك، إلا أن تدخل حرب مباشرة هناك!! وهذا مستبعد تماما في ظل أوضاعها الحالية. وطبعا من المحتمل أن يتفجر الوضع في سوريا لسبب أو لآخر. ومن الممكن أن تتقاتل الأطراف التي وصلت إلى السطة "الانتقالية" بسب استفزاز من هنا أو من هناك، أو تفجير أو إسفين. ولكن هناك أطراف قوية وفاعلة ستكون حريصة على عدم وقوع هذا السيناريو الذي يمكن أن يحول سوريا إلى نموذج أفغاني يدمر المنطقة".
يوضح الصباع أن تركيا تمتلك الكثير من الأوراق، والعلاقات والقنوات والنفوذ في المشهد الراهن. وهذا الوضع يمنحها قدرة على التحرك والتنقل على مسارات كثيرة، سواء في علاقاتها مع روسيا، او فاعليتها في الملف الأوكراني، أو تفاهماتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وستتحول تركيا إلى مركز الاتصالات والتواصل وعقد الصفقات حول الملف السوري.
يسير إلى أنه من السابق لأوانه أيضا الحديث عن تطبيع بين الجولاني وأصحابه وبين إسرائيل. هذا الملف شائك للغاية، ويتضمن أطرافا كثيرة متنازعة. ولكن هذا الملف سيطرح بقوة في حال انتعاش الدولة اللبنانية وتمكين السلطة الفلسطينية من كل فلسطين، وشروع السعودية بالخطوات ىالأولى نحو التطبيع.
حلفاء الجولاني
لا أحد يعرف حتى الآن كل الأطراف المنضوية تحت راية الجولاني. ولا أحد يرى تيارات ليبرالية أو يسارية أو قومية. هذا الجانب من المشهد غامض تماما، ويجري بحثه بسرية تامة، وبسرعة شديدة لإرساء عملية توازن قوى داخلي، ومن أجل عدم وجود تيار واحد في السلطة الجديدة يمكنه أن يكون السبب الأول في انهيارها، وتحول سوريا إلى نموذج أفغاني.
الجولاني وأصحابه أعلنوا أن الفترة الانتقالية ستمتد حتى مارس 2025. وأعتقد أن هذا كلام غير دقيق. هذه الفترة ستطول أكثر من ذلك إلى أن يدبر الجولاني وأصحابه أمورهم ويقدموا ملامح نموذجهم للحكم. وكذلك إلى أن تستقر القوى المتنفذه والمحيطة بالمشهد، وعلى رأسها تركيا والولايات المتحدة وإسرائل والاتحاد الأوروبي والسعودية، على رؤية واضحة للتعامل مع الوضع ومع النموذج.
روسيا وإيران ستغيبان نسبيا عن المشهد الجديد، إلا في حال تحوله إلى نموذج أفغاني، أو وقوع مفاجآت أو دق أسافين. مصر بعيدة نسبيا عن المشهد. وهذا من وجهة نظري تموضع "آمن" نسبيا في ظل مشاكلها الاقتصادية والتفاف أردوغان نحو "أثيوبيا والصومال". وهذا ملف مهم بالنسبة للقاهرة، وعليها أن تنتبه له، لكي لا تفلت الأمور من يدها، وتكتشف في لحظة أنها كانت مغيبة.
نموذج أفغاني
يتابع الصباغ: "إن سوريا في أي شكل من أشكالها، سواء سوريا ديمقراطية، أو أفغانية، أو واحدة، أو مقسمة، ستكون على مسافة جغرافية وأمنية وعسكرية عن مصر، لأن هناك منطقة عازلة تتكون من إسرائيل ولبنان وسلطة الحكم الذاتي الفلسطينية. ومع ذلك فيجب الانتباه واليقظة، تفاديا لأي مفاجآت يمكن أن تحدث. ولكي لا تفاجأ القاهرة بأنها تنجر إلى صراعات لا لمصلحة لها فيها، أو وجود صفقات يمكن أن تضر بمصالحها. وبعبارة أخرى، يجب أن تعمل كافة المؤسسات طوال الوقت وبدون عطل. فلا يوجد أي عنصر من عناصر الراحة والاطمئنان.
يختتم الصباغ قوله بـ"الأسد ذهب ولن يعود أبدا. وملف تسليمه الآن لا يمثل أولوية لأي عاقل. وإيران تتقوقع. ولا يعرف أحد ماذا سيحدث معها بعد دخول ترامب إلى المكتب البيضاوي. حماس وحزب الله في خبر كان. والحوثيون مجرد ظواهر صوتية ودعائية. وروسيا في وضع لا تحسد عليه. وهي الموجودة منذ 10 سنوات في سوريا، وكانت موجودة قبل ذلك أيضا. ومع ذلك "فوجئت" هي الأخرى بما حدث. المشهد شائك ومتشابك ومرتبك ومثير للارتباك".
مخاوف من ضربة لمنشأت إيران النووية
أما الباحث في الشؤون الإيرانية، علي رجب يقول لـ"الرئيس نيوز": “نستطيع القول بأن إيران خرجت من المشهد حتى ولو بشكل مؤقت”، ولفت إلى أن طهران ومسكو فقدتا كل أوراق الضغط في الملف السوري، وان الوجود الروسي العسكري في سوريا بات هو الآخر مهدد وأن الأوضاع لا تحتمل أي صدامات في ظل تعقيد المشهد الأوكراني.
يتابع رجب أن إيران تخشى أي تصعيد من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، مع تصاعد احتمالات أن توجه الإدارة الأمريكية ضربات للمناطق النووية الإيرانية.
0 تعليق