عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم أرض البهنسا بالمنيا.. قرية الـ 500 ألف بردية و"البقيع الثاني" تبوح بأسرارها -صور - في المدرج
11:35 ص الإثنين 16 ديسمبر 2024
المنيا- جمال محمد:
أرض الثقافات وتنوع الحضارات، ممر الصالحين وأضرحة التابعين.. هكذا يصف الأثريون قرية البهنسا التابعة لمركز بني مزار في محافظة المنيا، والتي احتضنت العديد من الأحداث والعصور على مدار التاريخ، ولازالت تبوح بأسرارها يوماً بعد الآخر.
قبل يومين أعلنت وزارة السياحة والآثار عن كشف أثري جديد بمنطقة البهنسا، عبارة عن مجموعة مقابر تعود للعصر البطلمي، تضم مومياوات مزينة بألسنة وأظافر ذهبية، وتمائم وجعارين لرموز دينية ومعبودات مصرية قديمة، إلى جانب نصوص ومناظر طقسية ونقوش ملونة تظهر لأول مرة في المنطقة، كما تم اكتشاف بئرين للدفن يحتويان على عشرات المومياوات والتوابيت الحجرية، مما يُعد إضافة مهمة لفهم الطقوس الجنائزية في تلك الحقبة التاريخية.
"مصراوي"، يرصد أبرز المحطات التاريخية في تاريخ تلك القرية والمنطقة الهامة في عروس الصعيد، والتي لازالت تحتضن معالم أثرية هامة، بدءًا من العصور الفرعونية، مروراً باليونانية والرومانية، والقبطية وصولاً للإسلامية.
يقول الأثري الدكتور أحمد حميدة رئيس الإدارة المركزية للمتاحف الإقليمية والمشرف على مشروع متحف اخناتون "المتحف الآتوني" بالمنيا، إن البهنسا تُعد من أهم المدن التاريخية في مصر، لتنوع آثارها عبر العصور التاريخية بدءًا من الفرعونية ثم العصور اليونانية الرومانية والقبطية وصولاً للإسلامية، وعلى مدار سنوات طويلة اُكتشف في البهنسا العديد من الكنوز الهامة سواء كانت برديات أو مباني ومسارح وكنائس منذ آلاف السنين، ورغم ذلك فجميع الدراسات تؤكد أنها لازالت تُخفي الكثير والكثير من الكنوز التي تتكشف إلينا من حين لآخر.
عاصمة الإقليم التاسع عشر
يضيف حميدة لـ"مصراوي" أن البهنسا كانت في العصور المصرية القديمة عاصمة للإقليم التاسع عشر من أقاليم مصر العليا، إذ كانت مصر مقسمة حينذاك إلى 42 إقليمًا منها عشرون للوجه القبلي، واثنان وعشرون في الوجه البحري، وكان يطلق عليها إسم " بر- مجد" وهو اسم يعني باللغة المصرية القديمة "مكان اللقاء"، وقد يكون تفسيره جغرافيا " لقاء وادي النيل بالواحات "، وكانت البهنسا تقع على رأس الطريق الذي يربط بين الواحات ووادي النيل وظل معروفاً بإسم "درب البهنساوي"، كما كانت البهنسا مكاناً للصراع الأسطوري ووصفها أحد الأماكن الرئيسية من أماكن عبادة المعبود "ست" رمز الشر في الحضارة المصرية القديمة.
مدينة السمكة والنصف مليون بردية
مكانة البهنسا في العصر اليوناني كذلك كانت كبيرة وتغير اسمها إلى "أوكسيرينخوس" وتعني "مدينة السمكة"، وهي سمكة "القنومة" التي كانت موضع قداسة في المدينة في ذلك الوقت، ودل على ذلك البرديات التي تم العثور عليها في أطلال المدينة وتخطى عددها نصف المليون بردية تسجل معلومات وأحداث كثيرة تصف أهمية المدينة، إذ شهدت إجراء حفائر علمية في مصر عام 1896 على يد العالمان الإنجليزيان "جرنفل" و"هنت" وتم الكشف عن كميات كبيرة جدًا من البرديات وصلت لنصف مليون بردية، و بلغ المنشور منها أكثر من 60 مجلداً، ثم جاء العالم " فلندرز بتري " وأجرى حفائر كان من أهم نتائجها رسم المسرح الروماني الذي كانت أطلاله ظاهرة حينها، ومنذ تسعينيات القرن الماضي تعمل بعثة أسبانية مصرية بالمنطقة، وحققت العديد من الاكتشافات آخرها السبت الماضي.
ثالث مدن العالم احتضانا للألعاب الأولمبية
ويستكمل حميدة: بلغت البهنسا قمة مجدها في العصر الروماني، وكانت ثان أهم مدينة في مصر بعد الإسكندرية العاصمة في ذلك العصر، إذ كانت تضم العديد من المنشآت مثل المسرح الروماني والذي يعد واحدًا من أكبر المسارح الرومانية في مصر وشمال إفريقيا، وكانت تقام عليه المسرحيات في الأعياد والمناسبات المختلفة وقام العالم الإنجليزي الشهير " فلندرز بتري " برسم تخطيطي للمسرح، كما كانت واحدة من أوائل الأماكن في العالم التي احتضنت الألعاب الأوليمبية التي كانت مقتصرة على روما فقط، إذ لم تقام تلك الألعاب خارج الإمبراطورية الرومانية إلا في الإسكندرية والبهنسا والأشمونين، ما يدل على أهمية تلك المنطقة وأولويتها في تلقى الثقافات المختلفة.
ظهور المسيحية
وأوضح حميدة في حديثه عن البهنسا قائلاً: عندما ظهرت المسيحية كانت البهنسا واحدة من أهم المدن التي دخلتها المسيحية بعد الإسكندرية العاصمة، ومرت بها العائلة المقدسة خلال رحلتها في مصر، ويظهر هذا في وجود شجرة السيدة مريم بالمنطقة الآن، مما أوجد للمدينة مكانة خاصة في الوجدان المسيحي إضافة إلى موقعها المميز جعل المدينة تربة خصبة للرهبنة حيث سكنها الآلاف من الرهبان والراهبات.
الفتح الإسلامي
وأشار رئيس قطاع المتاحف الإقليمية أن البهنسا كانت في القدم مدينة شديدة التحصين، ولها أبراج حراسة وأربع بوابات يتناوب على حراستها جنود من الحامية الرومانية، مما جعل فتحها من قبل المسلمين صعباً، ونتج عنه استشهاد عدد كبير من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، بلغ نحو 40 بدريا ممن حضروا معه غزوة بدر، وأكثر من 5000 من التابعين، ودفنوا فيها مما أوجد لها مكانة وقدسية كبيرة وجعلها تلقب بالبقيع الثاني، وتشهد توافد العديد من السائحين.
المتحف الآتوني
اختتم حميدة حديثه أن المتحف الآتوني بمدينة المنيا والذي جرى تشييده وفي مراحله الأخيرة الآن، سيشهد تخصيص جزء كامل لآثار البهنسا، يروي تاريخ وحكايات هذه المنطقة المهمة في عروس الصعيد، خاصة أن آثار البهنسا تتميز بالتنوع وشمول الحضارات المصرية، ولها الكثير من العاشقين والمهتمين بها.
0 تعليق