السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال سمير الدهر، السفير المندوب الدائم للمملكة المغربية لدى “اليونيسكو”، إن ترامي الجزائر على تراث المغاربة، خاصة في الشق غير المادي، يعزى إلى عوامل عديدة، أبرزها “تحكمه دوافع سياسية صرفة”. كما أشار إلى عوامل إضافية متعلّقة بـ”أزمة الهوية”، التي “تؤدي بهذه السلطات إلى الترامي على عناصر ثقافية لدول أخرى غالبا ما تحظى بإقبال وإعجاب كبيرين من طرف شرائح عريضة من المجتمع كالأزياء التقليدية المغربية، بما في ذلك القفطان المغربي، الزليج، الأطباق المغربية التقليدية، مراسم الأعراس…إلخ”.

الدهر في هذا الحوار، الذي خصّ به جريدة هسبريس الإلكترونية، تطرق إلى ما وصفه بـ”الافتقار إلى العمق التاريخي الذي تتّسمُ به عمليّة البناء الوطني إلى جانب عجز في التقاليد”، مشيرا إلى أن ذلك “يدفعُ قادة الجارة إلى اللجوء إلى الرموز وتأليف الأكاذيب لملء هذا الفراغ، وإن استدعى الأمر التحرر من الحقائق الواقعية والمطالبة بملكية بعض العناصر الثقافية والترامي على تراث بلد جار”.

وأبرز الديبلوماسي المغربي أن “الهوية الحقيقية لا تكمن في الاستيلاء على تراث الغير، بل في القيم المُهيكلة للمخيلة الشعبية”، مضيفا أن “سلطات الجزائر، التي تعمل دوما على تأجيج وتصعيد التوتر الدبلوماسي، تسعى جاهدة إلى فتح جبهة أخرى، هذه المرة على المستوى الثقافي. وهذا يدلّ على أنها استنفدت كل ما تملك من آليات للإساءة للمغرب”.

نص الحوار:

نجح المغرب مرة أخرى في إفشال محاولة جديدة للجزائر ترمي للسطو على التراث غير المادي المغربي، وإدخال صورة لقفطان النطع الفاسي في ملف يهم زيا جزائريا. ما معنى أن تعتمد اللجنة الحكومية لصون التراث غير المادي التحفظ لأول مرة في تاريخ “اليونيسكو”؟

دعني أؤكد لك أن مشاركة المملكة المغربية في أشغال الدورة 19 للجنة الحكومية لصون التراث غير المادي المنعقدة بأسونسيون، عاصمة جمهورية الباراغواي، شكلت فرصة سانحة لتسليط الضوء على سياسة السطو على عناصر التراث المغربي اللامادي الممنهجة من طرف الجارة الشرقية من خلال إدراج صورة ومقطع فيديو لقفطان النطع الفاسي في ملف الترشيح الذي تقدمت به بعنوان “الزي الاحتفالي النسوي الجزائري الكبير.. معارف ومهارات الخياطة وصناعة حلي تزيين القندورة والملحفة”.

واسمح لي أن أذكّر بما ورد في مُداخلتي خلال أشغال الدورة، حيث تم التنويه بمجهودات أمانة اتفاقية 2003 وهيئة التقييم على حد سواء، بعد أن أبديتا تحفظهما، كما قلتَ، لأول مرة في تاريخ “اليونسيكو” بخصوص الوثائق التي يتضمنها ملف الترشيح المذكور عبر اعتماد الفقرة الرابعة من نص القرار 7b.COM.20، الذي للتذكير يتعلق فقط بالقندورة والملحفة.

لا شكّ أن اعتماد هذه الفقرة بالإجماع من طرف دول أعضاء اللجنة يعد تتويجا للمجهودات التي قام بها المغرب، واستجابة للشكاية الرسمية التي تقدم بها منذ أشهر، وتعكس استهجان المغاربة قاطبة، وعلى وجه الخصوص مجتمعات الصناع التقليديين والحرفيين المتوارثين من جيل إلى جيل وعبر قرون المهارات المتعلقة بالقفطان المغربي، بما في ذلك قفطان النطع الفاسي.

كما تشكل هذه الفقرة اعترافا دوليا بالمكانة الرفيعة التي تحظى بها المملكة وتراثها غير المادي الغني والمتجذر في التاريخ، والذي أضحى، للأسف، مستهدفا من طرف سلطات الجارة الشرقية، التي تسعى إلى زرع الفتنة بين الشعبين المغربي والجزائري الشقيقين عبر توظيفها السياسي للشأن الثقافي، مستغلة في ذلك الانفتاح في معايير التقييم، وضاربة بعرض الحائط روح اتفاقية 2003 لصون التراث اللامادي، التي تعمل على تقريب الشعوب فيما بينها، مع الحفاظ على هويتها وثقافتها.

– هل يمكن أن تقربنا من التفاصيل التي تقع في الكواليس بخصوص العمل المستمر الذي تقومون به للتصدي لمحاولات “الترامي غير المشروع على الموروث الثقافي والحضاري لدول أخرى”، كما جاء مرّة في خطاب الملك محمد السادس؟

بالطبع. تعمل المندوبية الدائمة للمملكة المغربية لدى “اليونيسكو” على حشد الدعم اللازم للتصدي لمناورات السطو الجزائرية التي لن تنتهي عند هذا الحد، بل ستستهدف عناصر أخرى من التراث الثقافي غير المادي المغربي كالزليج مثلا، مستغلة في ذلك الفراغ القانوني والانفتاح في معايير التسجيل لاتفاقية 2003.

ويتطلب هذا الأمر تعبئة مستمرة تتجلى في الإسهام في الإشعاع الدولي للتراث غير المادي المغربي عبر المشاركة في مختلف الفعاليات التي تنظمها منظمة “اليونيسكو”، والعمل المستمر على تحسيس الدول الأعضاء بضرورة التصدي لمناورات “الترامي غير المشروع على الموروث الثقافي والحضاري”، عملا بخطاب جلالة الملك محمد السادس.

وأود بالمناسبة التعبير عن شكري وامتناني لمختلف الفاعلين، بدءا بوزارة الثقافة، الجهة الوصية، ووزارة الصناعة التقليدية، وغرف الصناعة التقليدية، ومؤسسة دار الصانع، والمكتب الوطني المغربي للسياحة، وصولا إلى جمعيات وأفراد المجتمع المدني، خاصة منهم المنحدرين من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذين يساهمون في إبراز مكونات ثقافة بلادنا الأصيلة وهويتها العريقة في مختلف المناسبات والمحافل.

– لكن، من وجهة نظرك، لماذا صارت السرقة متفشّية بهذا الشكل حين يتعلق الأمر بالتراث الوطني للشعوب، فوزارة الثقافة تقول إن المحاولات التي تهمّ سرقة الموروث المغربي صارت متكررة؟

بالفعل، خلال السنوات الأخيرة تم تسجيل عدة محاولات للسرقة والترامي على تراث الشعوب، خاصة في الشق غير المادي. ويعزى ذلك إلى عوامل عديدة، أبرزها تحكمه دوافع سياسية صرفة كما هو الحال بالنسبة لسلطات الجارة الشرقية، التي تستغل الفراغ القانوني وانفتاح المعايير التقييم لاتفاقية 2003، التي تتيح إجراءات تسجيل مبسطة نسبيا بغية تشجيع المجتمعات والدول على إدماج عناصرها.

هناك أيضا عوامل متعلقة بأزمة الهوية تؤدي بهذه السلطات إلى الترامي على عناصر ثقافية لدول أخرى غالبا ما تحظى بإقبال وإعجاب كبيرين من طرف شرائح عريضة من المجتمع كالأزياء التقليدية المغربية، بما في ذلك القفطان المغربي، الزليج، الأطباق المغربية التقليدية، مراسم الأعراس…إلخ.

وغني عن القول بأن الهوية الحقيقية لا تكمن في الاستيلاء على تراث الغير، بل في القيم المُهيكلة للمخيلة الشعبية. ومن هنا يتضح أن سلطات الجارة الشرقية، التي تعمل دوما على تأجيج وتصعيد التوتر الدبلوماسي، تسعى جاهدة إلى فتح جبهة أخرى، هذه المرة على المستوى الثقافي. وهذا يدلّ على أنها استنفدت كل ما تملك من آليات للإساءة للمغرب كإغلاق الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية… وكل ما تبقى هو هوس بالثقافة والهوية لتغذية رواية وطنية مستنزفة، وإثارة الحماس القومي للجماهير.

إن الافتقار إلى العمق التاريخي، الذي تتسم به عملية البناء الوطني، إلى جانب عجز في التقاليد، يدفع قادة الجارة الشرقية إلى اللجوء إلى الرموز وتأليف الأكاذيب لملء هذا الفراغ، وإن استدعى الأمر التحرر من الحقائق الواقعية والمطالبة بملكية بعض العناصر الثقافية، والترامي على تراث بلد جار.

– سجلت المملكة عناصر من التراث الوطني لدى منظمتي “الإيسيسكو” و”اليونيسكو”، وفق ما ذكر الوزير بنسعيد مؤخراً. لكن النقاش هو أن هذا التسجيل لا يمنح تراثنا الوطني حمايةً قانونية كافية.

أريد التذكير بأنّ التسجيل لدى منظمتي “الإيسيسكو” و”اليونيسكو” لا يهم سوى المهارات والمعارف المتعلقة بعنصر ثقافي ما وليس العنصر في حد ذاته كما هو الشأن بالنسبة للملكية الفكرية التي تحكمها ضوابط قانونية واضحة.

علاوة على ذلك، فاتفاقية 2003 لا تخول حماية قانونية حقيقية وكافية كما هو الحال بالنسبة للملكية الفكرية العالمية. وبالتالي يمكن لأي دولة تسجيل عنصر ثقافي ما بعد الاستجابة لعدد من المعايير. وهذا التسجيل لا يمنع دولة أخرى من القيام بإدراج العنصر نفسه بتسمية مغايرة بعد الاستجابة للمعايير ذاتها.

بالرغم من ذلك يعتبر إدراج العناصر الثقافية في لوائح “الإيسيسكو” و”اليونيسكو” خطوة مهمة تمكن أساسا من صون التراث غير المادي للمجتمعات والتعريف به، لكن بدون حماية قانونية. وهذا ما يفسر الاستغلال السياسي في بعض الأحيان لاتفاقية 2003 وجعلها أداة للترامي والسطو على التراث الثقافي للشعوب.

– في هذا المستوى تتطلّع الرباط لتوقيع مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية بجنيف، التي توفر ميكانيزمات قانونية لتحصين التراث الوطني المادي وغير المادي المعرض باستمرار للسرقة. هل من أهمية كبيرة لهذه الخطوة؟

علينا أن ندرك أن التوقيع على مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية يكتسي أهمية بالغة لأن هذه المنظمة توفر الحماية القانونية الضرورية لتحصين عناصر تراثنا الوطني المعرض باستمرار للسرقة، حيث إنها تخول حق المتابعة القضائية استنادا إلى عدد من التدابير التي تحمي الإبداعات والابتكارات الفكرية من التملك غير المشروع.

الحماية إذن تختلف عن الصون، الذي يدخل في إطار اختصاصات “اليونيسكو”، والذي يكون الهدف منه أساسا هو التأكد من عدم اختفاء المعارف التقليدية وأشكال التعبير الثقافي التقليدي للمجتمعات والحفاظ عليها وتعزيزها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنه بفضل حماية الملكية الفكرية تمكن المغرب من التصدي لمناورات السطو على الزليج المغربي من قبل سلطات الجارة الشرقية فيما بات يعرف بقضية قميص المنتخب الوطني لكرة القدم. وبالرغم من ذلك ما زال العديد من الشباب الجزائريين يرتدون هذا القميص تحت تأثير الدعاية المغلوطة، التي تروج لها مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بدعم وتوجيه من سلطات هذا البلد الجار الذي يقع على حدودنا.

– الوزير بنسعيد دعا إلى التفكير “في آلية داخل مختلف الأجهزة البرلمانية الدولية للترافع على التراث اللامادي المغربي وحمايته من السطو”. كيف يمكن للفاعل البرلماني أن يلعب هذا الدور انطلاقاً من الوسائل الديبلوماسية المتوفرة لديه؟

كما لا يخفى على الجميع تلعب الدبلوماسية البرلمانية دورا بارزا في تعزيز أواصر التعاون القائمة بين الدول أو رسم آفاق واعدة للعلاقات الثنائية بناءً على تطابق للرؤى ووجهات النظر لممثلي الأمة يكون حافزا لتحقيق التقارب الأمثل بين الشعوب.

وفي هذا الإطار تشكل الثقافة عنصرا محوريا في تحقيق هذا التقارب لكونها تمكن من فهم وإدراك لتاريخ وعادات الشعوب. وبالتالي يظهر جليا الدور الأساسي، الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية البرلمانية في الترويج والدفاع عن التراث الثقافي لبلادنا، حيث يمكن الاستفادة لهذا الغرض من آلية مجموعات الصداقة البرلمانية، وكذلك من علاقات التعاون القائمة بين غرف الصناعة التقليدية ونظيراتها الأجنبية. كما تشكل المشاركة المكثفة لهذه الغرف في مختلف التظاهرات والمحافل الدولية فرصة للمساهمة في الإشعاع الثقافي للمغرب، والتعريف بالمهارات العريقة التي تزخر بها مجتمعات الصناع التقليدين المغاربة.

– السلطات الوصية على الثقافة تقول إنها اشتغلت على إرساء ومأسسة Label Maroc كآلية وطنية لحماية التراث غير المادي. كيف تساعد هذه الآلية الدور الذي تقومون به مثلاً؟

تعتبر علامة المغرب Label Maroc أداة فعالة لترسيخ الهوية المغربية والتعريف بمنتجات تراثنا غير المادي، علاوة على كونها توفر الإطار القانوني لحمايته من الاستعمال غير المشروع.

وجب التذكير هنا بأن هذه الآلية تشكل أساسيات الملكية الفكرية، التي هي من اختصاصات المنظمة العالمية للملكية الفكرية وليس منظمة “اليونيسكو”، التي تعنى فقط بصون المعارف والمهارات المتعلقة بالتراث غير المادي والحفاظ عليها.

ولأن اتفاقية 2003 لا توفر الحماية القانونية لمنتجات التراث غير المادي، فإن تخصيص علامة تجارية سيكون كفيلا بحماية المجتمع المغربي من الترامي والسطو على منتجاته.

– صادق مجلس الحكومة على مشروع القانون رقم 33.22، الذي يتعلق بحماية التراث، في انتظار أن تبدأ مسطرته التشريعية. ما هي قيمته على المستوى الديبلوماسي بالنسبة للمغرب، خصوصاً أننا نتحدث عن إحداث سجل وطني لجرد التراث؟

هذه خطوة جد مهمة تؤازر مهمّة الحفاظ على تراثنا الوطني وتسندها، كما تمنح إشارة قوية على الصعيد الديبلوماسي للانخراط الفعلي لبلادنا في مجال حماية التراث، الذي هو من محددات هويتنا الأصيلة المتجذرة في التاريخ، حيث يسمح مشروع القانون رقم 22.33 بملاءمة الإطار القانوني الوطني المتعلق بحماية وتثمين ونقل التراث الثقافي الوطني مع الالتزامات الدولية المصادق عليها من قبل المملكة المغربية.

ويتضمن هذا الإطار القانوني مستجدات تسعى بالأساس إلى تضمينه التعاريف الجديدة المتعلقة بمختلف أصناف التراث الثقافي، بما في ذلك التراث المغمور بالمياه، والطبيعي والجيولوجي، والتي تواكب المفاهيم الجديدة المعترف بها دوليا فيما يتعلق بالتراث الثقافي، وتتلاءم مع التعاريف الحديثة المعمول بها لدى منظمة “اليونيسكو”، مع إحداث سجل وطني لجرد التراث، واعتماد مفهوم إعداد مخطط تدبير التراث.

– المغربي يعرف أن القفطان تراث وطني والزليج كذلك تراث وطني.. إلخ. لكن الخلفية التاريخية والعلمية أحياناً تكون منتفية. أليس ضروريّا، في تصوّرك، تأهيل وعي جميع المغاربة اليوم بدلائل معقولة تساعدهم على الدفاع، من جهتهم، عن تراثنا الوطني بوعي حقيقي وبحجج قوية؟

من المثير للاهتمام والانتباه أن المغاربة يعيشون منذ قرون خلت، ولحدّ الآن، في كنف تراثهم الذي يشكل السمة الأبرز لهويتهم وأصالتهم، التي أضحت مستهدفة من طرف جهات خارجية لدواع سياسية صرفة.

ومن الطبيعي أن تكون ردة فعل أي مغربي هي التصدي لمناورات النيل من تراثه، الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخه وهويته. هذا الثنائي المترابط يشكل مصدراً خصباً للفخر والاعتزاز والتفرد بين الأمم.

غير أن ردود المواطن في أي نقاش حول الهوية الوطنية والتراب يتعين أن يظلّ محصّنا ونائيا عن الوقوع في فخ الاستفزازات التي تروج لها الدعاية الكاذبة. هذه “البروباغندا” حيّة ومنتعشة وجائلة تستفيد من آلة ترويج ضخمة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

وهنا أريد التنويه بالدور الإيجابي التي تلعبه بعض المنصات في تأطير وتنوير الرأي العام بفضل اعتمادها على أبحاث مبنية على حقائق علمية ووثائق تاريخية ورسمية بدل الإسهاب فقط في توجيه الاتهامات وتأجيج الخلافات سعيا لتحقيق مكاسب شخصية أو لحسابات ضيقة لا تخدم الصالح العام.

يستدعي أيضا الدفاع عن تراثنا استحضار المجهودات التي تقوم بها المؤسسات المعنية، مع ضرورة الإقدام على قراءة متمعنة للمراجع والبحوث، والاستعانة بالخبراء ذوي الاختصاص، والبحث في المواقع الرسمية، والفهم الجيد للمفاهيم والنصوص قبل الخوض في أي نقاش أو جدال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق