ما هي مبررات الارتفاع في أعداد المغربيات المسؤولات عن إعالة الأسر؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظرف عشر سنوات فقط تزايدت بثلاث نقاط مئوية نسبة الأسر المغربية التي تتحمل مسؤولية إعالتها نساء بشكلٍ عـدَّه متابعون وخبراء اقتصاديون وحقوقيون من أكثر النتائج الرئيسية لفتاً للانتباه ومدعاةً للتوقف بعد الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024.

علاوة على رصدِها “انخفاضاً متواصلا في حجم الأسر ومتوسط حجمها (3,9 أفراد)”، أوضحت المندوبية السامية للتخطيط أن تطور تركيبة الأسر أسفر عن “ارتفاع نسبة الأُسر التي تترأسها (أو تُعيلُها) نساء من 16,2 في المائة سنة 2014 إلى 19,2 في المائة عام 2024”.

حسب مكان الإقامة والمجالات الترابية، انتقلت نسبة الأسر التي تترأسها نساء من 11.6 إلى 14.5 بالمائة في القرى والبوادي، مقابل تسارُعها أكثر في العقد الماضي من 18.6 إلى 21.6 بالمائة في الوسط الحضري، مما يكشف، بوضوح، “محاولة مواجهة المرأة المغربية لواقع اقتصادي واجتماعي متشابك التعقيدات وصعب”.

القيادة والتمكين

يرى محمد عادل إيشو، أستاذ العلوم الاقتصادية، أن “تحولات البنية الاجتماعية المغربية عميقة، وتَبرز من خلال أدوار جديدة تلعبها المرأة داخل الأسرة والمجتمع”، مضيفا أن “الارتفاع الملحوظ لنسبة الأسر المُعالة من طرف نساء يعكس تغيرات اجتماعية واقتصادية ذات أبعاد متعددة، تستدعي قراءة دقيقة لتأثيرات تجعل المرأة المغربية في صدارة التحولات الأسرية”.

ورصَد إيشو، في حديث لهسبريس، “أبعاد التحول بين القيادة الأسرية والتمكين الاجتماعي” في كون “ارتفاع نسبة الأسر التي تترأسها النساء يأتي نتيجة حتمية لسلسلة من التحولات الهيكلية للمجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة”، معددا “التعليم المتزايد بين النساء، وتوسع مشاركتهن في سوق العمل، فضلاً عن ارتفاع نسب الطلاق والترمُّل؛ وهي عوامل ساهمت في تزايد مسؤولية النساء في إعالة الأسر”.

كما أن “البرامج الحكومية الموجهة لتمكين المرأة من خلال التوظيف ودعم المشاريع الذاتية عززت هذه الدينامية”، يضيف الخبير الاقتصادي، الذي أشار إلى أن “هذا الارتفاع عاكس لتحوُّل في البنية الثقافية والاجتماعية، فالصورة النمطية للأدوار التقليدية للنساء داخل الأسرة بدأت في التغير تدريجيًا، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا على بداية تحرر المرأة المغربية من القيود المجتمعية التقليدية”.

تداعيات بارزة

تابع إيشو بالقول: “التغيرات الديموغرافية والاجتماعية التي أظهرتها نتائج الإحصاء لها تداعيات اقتصادية مهمة، تتراوح بين الفرص المتاحة والتحديات التي تواجه النساء كمُعيلات رئيسيات لأسَرهن”.

وأوضح أن الفرص الاقتصادية تتمثل في “زيادة الإنتاجية الوطنية عبر دخول النساء بقوة إلى سوق العمل، مما يقوّي مساهمتهن في الاقتصاد الوطني، ويدعم معدلات النمو الاقتصادي”، معرجاً على “ريادة الأعمال النسائية”، إذ تشير الأرقام إلى تزايد مبادرات النساء في مجال الأعمال الحرة والمقاولات الصغيرة، “مما يساهم في تنويع الاقتصاد وإيجاد مصادر دخل جديدة للأسر”.

كما أشار إلى أن “تحفيز القطاع غير المهيكل” يجعل “الكثير من النساء المعيلات يعملن في القطاعات غير المهيكلة، مما يفتح المجال أمام سياسات إدماجية لتحويل هذا النشاط إلى قوة اقتصادية مهيكلة”.

“التحديات المالية والاجتماعية” تشمل أساسا “ضغطا مزدوجا” لأن “النساء المُعيلات يواجهن تحديات التوفيق بين مسؤولياتهن المهنية والعائلية، وهو ما يزيد من العبء النفسي والاجتماعي عليهن”، يتابع المحلل الاقتصادي.

كما نبه إلى “عدم المساواة الاقتصادية” بحكم أنه “رغم دخول النساء سوق العمل، فهن لا يزلن يعانين من فجوات في الأجور وعدم تكافؤ الفرص، مما يقلل من تأثير أدوارهن الاقتصادية”، موصيا بـ”حماية اجتماعية موسعة” ضامنة للعديد من النساء اللواتي يترأسن أسرًا ويعملن في وظائف غير مستقرة، وتوفيرَ أنظمة حماية اجتماعية شاملة (التأمين الصحي والتقاعد).

واسترسل قائلا: “يُظهر ارتفاع نسبة الأسر التي تترأسها النساء في المغرب تحولًا عميقا في دور المرأة داخل الأسرة والمجتمع، مما يفتح الباب أمام فرص اقتصادية واجتماعية جديدة. ومع ذلك، فإن هذه الدينامية تحتاج إلى سياسات مدروسة لتعزيز تمكين المرأة وضمان تحقيق التوازن بين أدوارها الأسرية والمهنية. المغرب أمام تحدٍ وفرصة لبناء نموذج اجتماعي واقتصادي يُعلي من دور المرأة كفاعل رئيسي في التنمية المستدامة”.

المجتمع والاقتصاد

عبد الله الحجوي، أستاذ جامعي مختص في الجغرافيا الاقتصادية وإعداد التراب، لفت الانتباه إلى “تحوُّل البنية الاقتصادية في المغرب من اقتصاد زراعي تقليدي إلى بنية حديثة يهيمن عليها الاقتصاد الخدَماتي في إطار العولمة الاقتصادية”، مشيرا إلى أن هذا عامل يفسر زيادة الأسر التي تعُولها نساء، ضاربا المثال بفرص الشغل العديدة التي أصبحت تتيحها للنساء قطاعاتُ الأبناك والتأمينات والسياحة.

تحوُّل آخر لم تخطئه عين الباحث ذاته، الذي أبرز أن “انتشار التعليم بين الإناث وجهود دعم تمدرسهنّ ساهم بقوة في النسبة المعلنة رسميا”، مضيفا أن ذلك “وفّر بيئة ملائمة للتمكين الاقتصادي والمهني والتعليمي لهُن”.

وأكد، في حديث لجريدة هسبريس، أن “العامل الثقافي لا يجب إغفاله، ويتجلى في توجه المجتمع نحو الانفتاح أكثر، إذ صار يتقبّل، بل يشجّع نسبيًا خروج المرأة للعمل”، مشيرا إلى “هبوب رياح تحديث بِنيات المجتمع التقليدي السائد في عقود الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن 20 لتبدأ في إعطاء مفعولها”.

ولفت إلى أن “ارتفاع نسبة الطلاق، وفي ظل تراجع الأسرة الممتدة إلى الرعاية من طرف الأصول والعائلة الكبيرة، وتزايد حالات الانفصال الزوجي أو غياب الأزواج عن بيوتهم، دفع مزيدا من النساء بالمغرب إلى العمل ورعاية أسرهن”، مشيرا إلى أن تسجيل “تفاوتات أكبر في المجالات الحضرية الكبرى جعل الوتيرة أسرع”.

“نسبة متوقعة.. لكن”

من منظار حقوقي للموضوع، أفادت سميرة موحيا، رئيسة “فيدرالية رابطة حقوق النساء”، أن “هذه النسبة الجديدة التي تناهز 20 بالمائة من الأسر المغربية التي تعيلها نساء كانت متوقعة من طرفنا كهيئات وإطارات نسائية حقوقية”.

وأضافت موحيا، في تصريح لهسبريس، “كان واضحاً أن النسبة في ارتفاع خلال العقد الماضي، غير أنه لا يُعلَم معايير احتسابها وكيفيات ذلك حين عملية الإحصاء، وهل تشمل مختلف فئات الأرامل والمطلقات والأمهات العازبات”.

واشارت إلى أنه “من خلال الواقع المَعيش ومن خلال احتكاك الرابطة بأصناف متعددة من النساء العاملات أو الأجيرات المشتغلات، لا نستغربُ هذا الرقم، وهو ليس سلبي، بل نُثمنه لأنه يعكس مزيدًا من ثمار جهود التمكين الاقتصادي والمهني للنساء، خصوصا في سوق الشغل والمهن المدرة للدخل، التي تجعلهن قادرات على مواجهة الواقع الاجتماعي المملوء بالتحديات”.

وفي تقدير رئيسة “فيدرالية رابطة حقوق النساء”، فزيادة الأسر التي تترأسها المغربيات يُفسرها “منسوب الوعي المجتمعي الذي ارتفع”، فضلا عن دواع سوسيو اقتصادية تدفع بهنّ للعمل، قبل أن تضيف أن “المطلوب الآن بعد الإحصاء هو العمل الذي يسائل البرلمانيين والسياسيين في صياغة واعتماد سياسات عمومية لتعزيز حماية حقوق النساء، وهو ما يستوجب تشريعات عمل مُنصفة تلائم الواقع الجديد للمغربيات كمُعيلات لأسرهنّ مهما كان وضعهن الاجتماعي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق