دخلت جمعيات ومنظمات أمازيغية على خط النقاش الاجتماعي والسياسي الناتج عن الإعلان عن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، منتقدة “طريقة تدبير هذه العملية منذ البداية”، ولافتة إلى أنه إذا صحت هذه النتائج فإنها “تحيل على وضعية مقلقة لهذه اللغة ناتجة عن سياسات التعريب وعدم الجدية في تطبيق مضامين الدستور”.
وفي هذا الصدد وقّعت جمعياتٌ ومنظمات مدنية، ضمنها منظمة “تماينوت” و”جمعية الجامعة الصيفية ـ أكادير”، بياناً شديد اللهجة، محمّلة فيه مسؤولية تردي وضعية اللغة الأمازيغية للحكومات السابقة والحالية، وطارحة على الطاولة مجموعة من المطالب الاستعجالية.
وطالبت الهيئات ذاتها بـ”إعمال التمييز الإيجابي لصالحها كجمعيات مشتغلة في مجال حساس وموضوع راهني ووطني يحتاج إلى المزيد من التشجيع الحكومي، بما يدفعها للقيام بدورها المدني على أكمل وجه”، مع دعوتها مختلف الجمعيات المسؤولة إلى الإسراع في تنفيذ المقتضيات الدستورية.
ولم تقف الهيئات ذاتها عند هذا الحد، بل طالبت بـ”منح الجمعيات الأمازيغية الجادة صفة المنفعة العامة قصد المساهمة في تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وتمكين المجتمع المدني من الإمكانيات والموارد الضرورية للمساهمة الفعلية في حماية هذه اللغة، وتتبع السياسات العمومية، واقتراح ومواكبة الحلول والبرامج الكفيلة بذلك”.
التمييز الإيجابي
رشيد الحاحي، رئيس “جمعية الجامعة الصيفية ـ أكادير”، قال بخصوص الموضوع: “كل هذه الأمور وهذه المعطيات المتواترة تفرض بالضرورة تمكين جمعيات المجتمع المدني المشتغلة على موضوع اللغة والثقافة الأمازيغيتين من نسب محترمة من الدعم العمومي، الذي تقوم الدولة بتخصيصه للجمعيات على العموم، إذ أن قلة قليلة جدا منها هي التي تستفيد منه مقارنة بجمعيات أخرى في مجالات مختلفة تستفيد من المليارات”.
وحسب حديث الحاحي لهسبريس، فإن “هناك عددا من المشاريع التي تم تقديمها لوزارة الثقافة، مثلا، من قبل الجامعة الصيفية بأكادير دون الموافقة عليها، مما يجعلنا نشتغل بإمكانياتنا الذاتية فقط، والأمر نفسه بالنسبة لجمعيات أخرى، على الرغم من أن الواقع يؤكد ضرورة إعمال التمييز الإيجابي لصالح هذه الجمعيات، التي تظل الأكثر دينامية، وتشتغل في مجال يحتاج أساسا إلى الدعم والتشجيع الحكوميين، بما يمكن أن يُحدث الأثر الإيجابي حيال اللغة والثقافة الأمازيغيتين”.
ولم يختلف المتحدث مع الفكرة القائلة إن مشكل الأمازيغية سياسي وحلّه سياسي، إذ بيّن أنه “على الرغم من كل المكتسبات في إطار دستور 2011 والقانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي الأمازيغية، فإن إشكالية التنزيل على أرض الواقع تبقى قائمة”، مشيرا إلى أن “الاشتغال على ملف الأمازيغية يجب كذلك أن يكون أفقيا من قبل الدولة من خلال توفير إرادة سياسية، وعموديا من قبل جمعيات المجتمع المدني”.
كما طرح إشكالية أخرى تتعلق بمحدودية الجمعيات المشتغلة في هذا المجال والحاصلة على صفة المنفعة العامة، إذ أوضح أن “هذه الصفة تتوفر عليها جمعية واحدة إلى حدود الساعة، وهو ما يؤكد ضرورة تمييز نظيراتها إيجابيا، ذلك أن هناك جمعيات تشتغل في مجالات تتوفر على هذه الصفة دون أن يكون لها حضور على الميدان، في حين لا تتوفر عليها جمعيات أمازيغية لها مسار كبير”.
المنفعة العامة
أما محمد حنداين، عضو لجنة اليونيسكو للعشرية الدولية للغات الشعوب الأصلية ورئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بالجنوب المغرب، فقال: “تبين أن عددا من الأطراف السياسية والجمعوية لم تأخذ بمحمل الجد الشعارَ الملكي، الذي يقول إن الأمازيغية مسؤولية وطنية، على الرغم من كونها تشتغل في مجال الثقافة”.
وأضاف حنداين، في تصريح لهسبريس، “لا يستقيم أن تكون الجمعيات الأمازيغية وحدها التي تهتم فقط بهذا الموضوع، مما يسائل وعي الجمعيات الأخرى بهذه المسألة الوطنية، التي لا تقتصر على طرف لوحده؛ ففي حال صحّت نتائج الإحصاء الأخيرة فهذا يعني أن هناك مستقبلا خطيرا ينتظر اللغة والثقافة الأمازيغيتين”.
وتابع قائلا: “نريد أن نثير مسألة أخرى تتعلق بالمنفعة العامة، إذ لدينا ما يزيد عن 300 جمعية أمازيغية، إلا أنه للأسف نجد واحدة منها فقط تتوفر على صفة المنفعة العامة، ويتعلق الأمر بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، مما يؤكد ضرورة إعمال تمييز إيجابي تجاه هذه الجمعيات بخصوص هذه المسألة، على اعتبار أن هناك إشكالية في توفير الشروط المطلوبة”.
مواصلا بناء فكرته بخصوص الموضوع أبرز حنداين أن “هناك جمعيات تهتم، مثلا، باللغة العربية وتتوفر على هذا الوصف، على الرغم من أنها لا تهتم بالأمازيغية”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر يحيل على ضرورة إقامة توازن في هذا الإطار من خلال إعمال التمييز الإيجابي لصالح اللغة والثقافة الأمازيغيتين، فضلا عن صياغة برنامج استعجالي من طرف الدولة، وهذا كله في حال صحة ما أوردته المندوبية السامية للتخطيط بخصوص الخريطة اللغوية واللسانية بالمغرب”.
0 تعليق