الاربعاء 25 ديسمبر 2024 | 12:18 مساءً
كتب: السفير مصطفي الشربيني - الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ والمراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة وعضو WG3 بمنظمة الصحة العالمية ورئيس الكرسي العلمي للاستدامة والبصمة الكربونية بالألكسو بجامعة الدول العربية وسفير ميثاق المناخ الأوروبي.
تقف الصادرات المصرية أمام مفترق طرق حاسم سيحدد مستقبلها في الأسواق الأوروبية، مع دخول قانون الاستدامة الجديد CSRD حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي، الذي يهدف إلى تعزيز الشفافية والالتزام بمعايير الاستدامة، لا يمثل مجرد تحدٍ للشركات المصرية بل فرصة لإعادة صياغة منظومة الإنتاج والتصدير بما يتماشى مع التحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر. فكيف ستتأقلم الشركات المصرية مع هذه المعايير الصارمة؟ وهل تمتلك القدرة على تحويل هذا التحدي إلى مكسب يعزز من مكانتها التنافسية عالميًا؟ الإجابة تكمن في تفاصيل هذا التحول الكبير، حيث يلتقي الامتثال بالتغيير مع فرص النمو والابتكار.
مع دخول قانون الاستدامة الجديد CSRD حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي، أصبح من الضروري أن تتخذ وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية المصرية خطوات حاسمة لضمان قدرة الشركات المصرية على المنافسة في الأسواق الأوروبية ، يُعد تقديم تشريع يلزم الشركات بإعداد تقارير الاستدامة وتبني نظام لتبادل الانبعاثات خطوة استراتيجية في هذا الاتجاه.
ان حجم الصادرات المصرية إلى السوق الأوروبي ، بلغ في عام 2023، حجم التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي حوالي 32.6 مليار يورو، حيث بلغت الصادرات المصرية نحو 11.5 مليار يورو، منها حوالي 8.6 مليار يورو صادرات غير بترولية، ويجب سد الفجوة من خلال التشريع المقترح، حيث يجب الامتثال للمعايير الأوروبية وإلزام الشركات المصرية بإعداد تقارير الاستدامة سيساعدها على الامتثال لمتطلبات قانون CSRD، مما يضمن استمرار نفاذ منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية دون عوائق، وبالتالي العمل علي تحسين القدرة التنافسية وتبني ممارسات مستدامة سيعزز من سمعة المنتجات المصرية ويزيد من جاذبيتها للمستهلكين الأوروبيين الذين يولون أهمية متزايدة للاستدامة.
اما بخصوص جذب الاستثمارات الأجنبية بوجود إطار تشريعي يدعم الاستدامة سيشجع المستثمرين الأجانب، خاصة من أوروبا، على ضخ استثماراتهم في السوق المصرية، مما يعزز من النمو الاقتصادي، وبالتالي تقليل الانبعاثات وتحسين البيئة: تطبيق نظام لتبادل الانبعاثات سيساهم في تقليل البصمة الكربونية للشركات، مما يتماشى مع التوجهات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر، فالتوافق مع التشريعات العالمية سوف يساعد التشريع المقترح الشركات المصرية على التوافق مع المعايير والتشريعات العالمية، مما يفتح أمامها أسواقًا جديدة ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتجارة الدولية.
وان تطبيق قانون الاستدامة الجديد CSRD يعد خطوة هامة من قبل الاتحاد الأوروبي لتعزيز الشفافية والالتزام بمعايير الاستدامة في الشركات والمؤسسات المختلفة ، القانون يهدف إلى تحسين تقارير الاستدامة للشركات من خلال تحديد معايير صارمة تشمل الجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة ، هذا القانون يمثل تحولًا كبيرًا في البيئة التشريعية والتنظيمية، حيث يُلزم الشركات بتقديم تقارير شاملة عن تأثيراتها البيئية والاجتماعية وحوكمتها الداخلية، مما يؤدي إلى تحسين إدارة المخاطر وتعزيز ثقة المستثمرين والعملاء ، دخول هذا القانون حيز التنفيذ يمثل تحديًا وفرصة في ذات الوقت للشركات المصرية التي تصدر منتجاتها إلى السوق الأوروبية، حيث يصبح الامتثال لهذه المعايير ضروريًا لتجنب القيود المحتملة على التصدير.
ونجد ان تأثير قانون الاستدامة CSRD على التصدير المصري يتضح في أنه يفرض متطلبات جديدة على الشركات، خاصة تلك التي لها علاقات تجارية مع الاتحاد الأوروبي ، تشمل هذه المتطلبات تقديم بيانات دقيقة عن انبعاثات الكربون، واستخدام الموارد، ومدى الامتثال لمعايير العمل وحقوق الإنسان ، هذه الخطوة من شأنها رفع سقف التحديات للشركات المصرية التي تسعى لتلبية هذه المعايير ، في المقابل، يمكن اعتبار هذه الخطوة حافزًا للشركات لتحسين ممارساتها التشغيلية، مما قد يؤدي إلى زيادة كفاءة استخدام الموارد وتقليل الانبعاثات الكربونية ، ومع ذلك، فإن عدم الامتثال لهذه المعايير قد يؤدي إلى فرض رسوم أو قيود على المنتجات المصرية، مما قد يؤثر سلبًا على تنافسيتها في السوق الأوروبية.
الشركات المصرية، وخاصة تلك العاملة في القطاعات الصناعية والزراعية، تواجه تحديات كبيرة في التكيف مع متطلبات قانون الاستدامة الجديد ، هذه القطاعات تعتمد بشكل كبير على السوق الأوروبية، حيث تشكل أوروبا وجهة رئيسية للصادرات المصرية من المنتجات الغذائية والمنسوجات والكيماويات ، لذلك، فإن الامتثال لمعايير CSRD يصبح أمرًا ضروريًا لتجنب العواقب السلبية على حركة التجارة والصادرات ، الشركات قد تضطر إلى إجراء تغييرات جذرية في سلاسل الإمداد وأنظمة الإنتاج للامتثال للمعايير الجديدة، وهو ما قد يتطلب استثمارات كبيرة على المدى القصير، لكنه يمكن أن يؤدي إلى فوائد طويلة الأجل مثل تحسين صورة المنتجات المصرية وزيادة جاذبيتها في الأسواق الدولية.
التحدي الأكبر للشركات المصرية يكمن في توثيق الالتزام بمعايير الاستدامة بطريقة شفافة ومهنية ، الاتحاد الأوروبي يشدد على أهمية تقديم تقارير مفصلة ودقيقة تعكس الأداء الحقيقي للشركات فيما يتعلق بالجوانب البيئية والاجتماعية ، هذا يشمل قياس وتحليل الأثر البيئي للمنتجات عبر دورة حياتها، وتقييم الأثر الاجتماعي من حيث شروط العمل وظروف الموظفين ، الشركات المصرية قد تجد صعوبة في بناء أنظمة قوية لجمع وتحليل البيانات المطلوبة، خاصة إذا لم تكن لديها البنية التحتية الكافية أو الخبرات التقنية المناسبة ، لذلك، فإن الشركات بحاجة إلى دعم تقني وتمويلي لتعزيز قدرتها على التكيف مع هذه المتطلبات.
تطبيق قانون CSRD يعزز أهمية التحول نحو الاقتصاد الأخضر في مصر ، مع زيادة الضغوط للامتثال لمعايير الاستدامة الأوروبية، يمكن للشركات المصرية استخدام هذا كفرصة للتحول نحو ممارسات إنتاج أكثر استدامة ، هذا يشمل اعتماد تقنيات الإنتاج النظيف، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والمياه، وتقليل النفايات والانبعاثات الضارة ، هذه الخطوات لن تساهم فقط في الامتثال للمعايير الأوروبية، بل ستساعد أيضًا في تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية عالميًا ، مع ذلك، يتطلب هذا التحول استثمارات ضخمة، وهو ما يشكل تحديًا للشركات الصغيرة والمتوسطة التي قد تعاني من نقص الموارد اللازمة.
دور الحكومة المصرية في دعم الشركات للامتثال لقانون الاستدامة CSRD يصبح محوريًا ، يمكن للحكومة تقديم حوافز مالية وتسهيلات ائتمانية لتشجيع الشركات على تحسين أدائها البيئي والاجتماعي ، كما يمكنها توفير برامج تدريبية وتعليمية لتعزيز الوعي بأهمية معايير الاستدامة وتوفير الأدوات اللازمة لتطبيقها ، من جهة أخرى، يمكن للحكومة تعزيز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي للحصول على الدعم الفني والمالي الذي يمكن أن يساعد في تخفيف الأعباء على الشركات المصرية ، هذا التعاون يمكن أن يسهم في خلق بيئة أعمال مستدامة تعزز من تنافسية الاقتصاد المصري في الأسواق العالمية.
قطاع التصدير المصري قد يشهد تغييرات كبيرة نتيجة لتطبيق قانون CSRD ، الشركات المصدرة تحتاج إلى التركيز على تحسين جودة منتجاتها وتوافقها مع المعايير الأوروبية لضمان استمرار الوصول إلى السوق الأوروبية ، في المقابل، قد يكون لهذه المتطلبات تأثير إيجابي على الاقتصاد المصري من خلال دفع الشركات لتحسين أدائها وتحقيق قيمة مضافة أعلى ، التحدي يكمن في تحقيق هذا التحول دون التأثير سلبًا على القدرة التنافسية، وهو ما يتطلب نهجًا متوازنًا بين الامتثال للمعايير والحفاظ على الجدوى الاقتصادية.
معايير قانون الاستدامة CSRD تشمل الجوانب الاجتماعية، مثل حقوق الإنسان وشروط العمل، مما يضع ضغوطًا إضافية على الشركات المصرية لتلبية هذه المعايير ، الشركات بحاجة إلى تحسين ظروف العمل والالتزام بمعايير العمل الدولية لضمان توافقها مع المتطلبات الأوروبية ، هذا قد يتطلب تغييرات كبيرة في السياسات الداخلية للشركات، بما في ذلك تحسين سلامة العمال، وضمان المساواة في الفرص، ومكافحة التمييز ، على الرغم من أن هذه المتطلبات قد تبدو مكلفة ومعقدة، إلا أنها قد تؤدي إلى تحسين بيئة العمل وزيادة الإنتاجية على المدى الطويل.
قانون CSRD يشدد أيضًا على أهمية الحوكمة الجيدة في الشركات ، الشركات المصرية مطالبة بتحسين ممارسات الحوكمة، بما يشمل الشفافية في الإدارة والإفصاح عن الأداء المالي وغير المالي ، هذه الخطوة قد تشكل تحديًا للشركات الصغيرة والمتوسطة التي قد لا تمتلك الأنظمة والموارد اللازمة لتلبية هذه المعايير. لذلك، فإن تحسين الحوكمة يصبح ضرورة وليس خيارًا، حيث يمكن أن يعزز ثقة المستثمرين والعملاء في الشركات المصرية، مما يؤدي إلى زيادة فرص التمويل والتوسع في الأسواق العالمية.
من جانب آخر، قانون الاستدامة CSRD يعزز من أهمية الشراكات والتعاون بين الشركات المصرية والأوروبية ، الشركات يمكنها الاستفادة من الشراكات مع نظيراتها الأوروبية لتبادل الخبرات والتكنولوجيا ، هذا التعاون يمكن أن يساعد الشركات المصرية على تحسين أدائها البيئي والاجتماعي وتحقيق الامتثال للمعايير الجديدة بشكل أسرع وأكثر كفاءة ، على سبيل المثال، يمكن للشركات المصرية الاستفادة من التكنولوجيا الأوروبية المتقدمة في تحسين كفاءة استخدام الموارد وتقليل الأثر البيئي للمنتجات.
القطاعات الزراعية في مصر قد تكون الأكثر تأثرًا بتطبيق قانون CSRD نظرًا لطبيعة المنتجات الزراعية التي تتطلب مستويات عالية من الشفافية والامتثال لمعايير الجودة والاستدامة ، المزارعون والشركات الزراعية بحاجة إلى تحسين ممارساتهم الزراعية من خلال استخدام تقنيات الزراعة المستدامة، مثل تقليل استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية وتحسين إدارة المياه ، هذه الخطوات قد تؤدي إلى تحسين جودة المنتجات وزيادة قيمتها السوقية، مما يعزز من فرصها في المنافسة في السوق الأوروبية.
التجارة المصرية مع الاتحاد الأوروبي قد تواجه تحديات جديدة نتيجة لتطبيق قانون CSRD، خاصة إذا لم تتمكن الشركات من الامتثال للمعايير الجديدة ، هذا قد يؤدي إلى فرض قيود أو رسوم إضافية على الصادرات المصرية، مما قد يؤثر سلبًا على الميزان التجاري ، لذلك، من الضروري أن تتبنى الشركات المصرية استراتيجية شاملة لتحسين أدائها وضمان توافقها مع المعايير الأوروبية ، هذا يشمل الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، وتعزيز الابتكار، وتحسين جودة المنتجات.
التدريب وبناء القدرات يصبحان عاملين أساسيين في تمكين الشركات المصرية من الامتثال لقانون الاستدامة CSRD ، المؤسسات التعليمية والجهات الحكومية بحاجة إلى توفير برامج تدريبية متخصصة تهدف إلى تحسين مهارات العاملين وتعزيز الوعي بأهمية معايير الاستدامة ، هذه البرامج يمكن أن تساعد في بناء قاعدة من الموارد البشرية المؤهلة التي يمكنها قيادة التحول نحو الاستدامة داخل الشركات والمؤسسات.
على الرغم من التحديات، فإن قانون CSRD يمكن أن يمثل فرصة للشركات المصرية لتعزيز تنافسيتها في الأسواق الدولية ، الامتثال لمعايير الاستدامة يمكن أن يساعد الشركات على تحسين سمعتها وتعزيز ثقة العملاء والمستثمرين ، هذا يمكن أن يؤدي إلى فتح أسواق جديدة وزيادة الحصة السوقية للمنتجات المصرية ، لتحقيق ذلك، تحتاج الشركات إلى تطوير استراتيجيات طويلة الأجل تركز على الابتكار والاستدامة والجودة.
دخول قانون CSRD حيز التنفيذ يعكس تحولًا عالميًا نحو تعزيز الاستدامة في الأعمال التجارية ، الشركات المصرية بحاجة إلى النظر إلى هذا التحول كفرصة لإعادة تقييم ممارساتها وتحسينها ، هذا يشمل تبني رؤية شاملة للاستدامة تأخذ في الاعتبار الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية ، هذه الرؤية يمكن أن تساعد الشركات على تحقيق نمو مستدام وتعزيز تنافسيتها على المدى الطويل.
الابتكار والتكنولوجيا يلعبان دورًا حاسمًا في تمكين الشركات المصرية من الامتثال لقانون الاستدامة CSRD ، استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء يمكن أن يساعد في تحسين كفاءة العمليات وجمع البيانات المطلوبة لتقديم تقارير شفافة ودقيقة ، هذا يمكن أن يسهم في تحسين الأداء العام للشركات وتحقيق قيمة مضافة أعلى.
ان نجاح الشركات المصرية في التكيف مع متطلبات قانون الاستدامة CSRD يعتمد على قدرتها على الابتكار والتكيف مع التغيرات التنظيمية ، الشركات بحاجة إلى تبني نهج استباقي يتضمن تحسين الكفاءة التشغيلية وتعزيز الشفافية وبناء شراكات استراتيجية ، مع الدعم المناسب من الحكومة والمؤسسات الدولية، يمكن للشركات المصرية تحقيق التحول المطلوب وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية، ويجب ان يُعد تقديم تشريع يلزم الشركات المصرية بإعداد تقارير الاستدامة مدقق من خبراء الاستدامة والكربون في سجل خاص بوزارة الاستثمار والتجارة الخارجية وتبني نظام لتبادل الانبعاثات خطوة ضرورية لضمان استمرار وزيادة الصادرات المصرية إلى الأسواق الأوروبية، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري على الساحة الدولية.
0 تعليق