شامة سوداء أسفل العنق.. رواية تعيد بناء الذاكرة الفلسطينية - في المدرج

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم شامة سوداء أسفل العنق.. رواية تعيد بناء الذاكرة الفلسطينية - في المدرج

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 27 ديسمبر 2024 - 7:53 م | آخر تحديث: الجمعة 27 ديسمبر 2024 - 7:53 م

نصوص جهاد الرنتيسى تشكل مزيجًا مثاليًا بين الإبداع والتوثيق

ينطلق الكاتب والأديب جهاد الرنتيسى فى رواية «شامة سوداء أسفل العنق»، نحو رحلة سردية تغوص فى تفاصيل التجربة الفلسطينية، مستكشفًا تأثير الشتات على الهوية الوطنية والنضال الجمعى، عبر مزيج من الأفكار السياسية والتاريخية، يقدم الكاتب معالجة جريئة لقضايا مغيبة عن الأضواء، متنقلًا بين عقود وأماكن تعكس تعقيدات الواقع الفلسطينى.

خلال روايته الصادرة عن دار «المرايا» يتمسك الرنتيسى بأسلوب شيق، ينجح فى تفكيك الصورة المثالية للكثير من المعطيات السياسية والتاريخية، كاشفًا عن التفاعلات الإنسانية العميقة خلف الكفاح الوطنى.

فى هذه الرواية، يفتح الكاتب نافذة على مرحلة مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية، معتمدًا على شخصية محورية تجسد تجارب مجتمع كامل. تبدأ الأحداث من عشرينيات القرن الماضى؛ حيث يتناول المؤلف بجرأة نقاطًا بقيت مغيبة عن الأضواء، متجنبًا السرد التقليدى الذى اكتفى برواية الأحداث الكبرى. يخطو الروائى فى مناطق وعرة لم يطرقها من سبقوه، مكملًا بذلك ما يمكن وصفه بثغرات الذاكرة الجماعية الفلسطينية، ومسهمًا فى تفكيك الملامح المعقدة لذلك الزمن.

الرواية، التى تشكل جزءًا من مشروع أدبى يركز على حياة فلسطينيى الشتات، تنجح فى نقل تفاصيل دقيقة عن الحياة اليومية والبيئة الاجتماعية التى عاشها الفلسطينيون بعيدًا عن وطنهم. بين السطور، يرصد الكاتب التفاعلات الاجتماعية والتوترات التى عايشها أفراد التنظيمات الفلسطينية، متحررًا من القيود التقليدية التى أسطرت النضال الفلسطينى وأضفت عليه صورة نمطية، فبدلاً من ذلك، يكشف النص عن الديناميات الداخلية، حيث تتضح دوافع التنازع والانقسامات، بما يعكس تعقيدات التجربة الفلسطينية ومحدداتها.

زمنيًا، تمتد الرواية بين عقدى الثمانينيات والتسعينيات، وهما عقدان شكلا منعطفًا حاسمًا فى النضال الوطنى الفلسطينى؛ حيث شهدت القضية الفلسطينية تغيرات جذرية فى البنية السياسية والاجتماعية، بالتزامن مع تحول مواقف القوى العالمية تجاهها. مكانيًا، تأخذ الرواية القارئ فى رحلة بين مواقع الشتات الفلسطينى المختلفة، التى شكلت كل منها لوحة صغيرة أضافت إلى المشهد الكبير لتطور القضية. عبر التنقل بين هذه الأماكن، تتضح الروابط التى جمعت الشتات الفلسطينى، والأدوار التى لعبتها هذه المجتمعات فى تشكيل معالم الهوية الوطنية ومصير النضال.
بأسلوبه الدقيق والغنى بالتفاصيل، يقدم الكاتب شهادة أدبية ليست فقط عن معاناة الفلسطينيين، بل أيضًا عن أحلامهم، تناقضاتهم، وانتصاراتهم الصغيرة التى صنعوها فى المنافى. تتشابك خيوط القصة لترسم صورة متعددة الأبعاد، تكشف عن تناقضات التنظيمات، تداخل الأدوار، والتحديات التى واجهها الفلسطينيون فى محطات مختلفة من اللجوء. ومع ذلك، يبقى النص وفيًا لروح النضال الفلسطينى، دون أن ينزلق إلى تمجيد أو إنكار للحقيقة، مما يجعله شهادة أصيلة على جزء مهم من التاريخ الفلسطينى الحديث.

فى هذه الرواية، يُقسم الكاتب التجربة الفلسطينية فى الكويت إلى مرحلتين رئيسيتين: ما قبل عام 1990 وما بعده. تتنقل الأحداث بين عواصم متعددة مثل الكويت، بيروت، دمشق، ومن ثم العودة إلى عمان، يبرز الحوار بين الشخصيات مشاعر متباينة تجمع بين الوفاء والافتقاد، وبين التفاعل المتناغم وأحيانًا المختلف. وفى هذا التفاعل، يتجاذب السرد بين الواقعية التوثيقية والخيال الإبداعى، مما يفرض على القارئ ضرورة فهم المساحات التى يتركها الكاتب للتأويل والحدس.

شخصية جواد الديك تدخل بدورها فى قلب التعقيدات السياسية، مما يتطلب إدراكًا ضمنيًا لتلك المرحلة المليئة بالانقسامات والخيبات. ينقلنا الكاتب عبر هذه الأزقة السياسية والثقافية بثقة فى قدرة القارئ على استيعاب المشهد والخروج منه بفهم أعمق.

الرواية تنسج علاقات اجتماعية وعاطفية متعددة الأبعاد. بعض هذه العلاقات يُقرأ من خلال منظار تقليدى قائم على ثنائيات كالخير والشر أو الصح والخطأ، بينما يتجاوز بعضها الآخر تلك النظرة ليصل إلى مستوى أعمق، حيث يمتزج الواجب الأخلاقى بالفكر النضالى.

الرواية لا تتردد فى ذكر أسماء شخصيات فلسطينية بارزة، قادة وكُتاب وأكاديميين ممن كان لهم حضور قوى، كما تسلط الضوء على مرور شخصيات ثقافية وفنية عالمية بالكويت، حيث ساهمت لقاءاتهم ومشاركاتهم فى إثراء الدعم العالمى لفلسطين.

يلعب أسلوب السرد دورًا كبيرًا فى تشكيل النص، حيث يعتمد على استخدام الضمائر بشكل دقيق ومبتكر. هذا الأسلوب يمنح الرواية رشاقة فى التناول، لكنه فى الوقت نفسه يفرض على القارئ تحديًا ذهنيًا لفك طبقات النص المتعددة وإدراك تداخل الشخصيات والمواقف ضمن نسيج الحكاية.

وقد جاء على غلاف الرواية، مجموعة من المقتطفات وثيقة الصلة بمحطات هذا العمل: يشتبك الروائى من خلال بطله جواد الديك مع مرحلة حساسة من التجربة الفلسطينية الممتدة منذ عشرينيات القرن الماضى، ليسد ثقوبًا تجنّب الذين سبقوه الاقتراب منها، ويضىء على ملابسات وجوانب معتمة من تاريخ المنطقة.

ترصد الرواية التى تأتى ضمن مشروع حول تجربة فلسطينيى الكويت، بعض جوانب الحياة اليومية ومظاهرها، والعلاقات الداخلية فى التنظيمات الفلسطينية، بعيدًا عن الأسطرة والبطولات الزائفة، لتساهم فى الكشف عن محركات الصراع والانقسامات الداخلية.

تتوزع أحداثها بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، التى كانت منعطفًا فى تاريخ النضال الوطنى الفلسطينى، ويتسع مكانها ليشمل عددًا من أماكن اللجوء التى أدت دورًا فى تحديد مسارات القضية.

تتعطل بوصلة الديك الذى يتنقل بين الكويت ودمشق وبيروت، حاملًا أحلامه، وأسئلته، وتناقضاته، واكتشافاته، وإحباطاته، ولا يبخل الكاتب فى نبش دواخل تفاصيل تجربة بطله مع عوالم العشق والتيه، كما تنفض الرواية الغبار عن شخصيات أدت دورًا حيويًّا فى التجربة الفلسطينية، ليستعيد تاريخ الفلسطينيين المعاصر بعض أقدامه المبتورة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق