إبداعات|| "يا مطره رُخِّى".. أسماء عبدالراضي - قنا

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
google news

يا مطره رُخِّي رُخيِّ

رُخّي على سطوح بيتنا

لكن إيَّــــــــاكِ تبوخي

بردك على ريش كتاكيتنا

رُخّي رُخّي يا مطره

واسقي شجرنا وبقرتنا

وابعدي لسعتك الخطرة

عن ورداية في جنينتنا

تأتيني أصواتهم عبر النافذة حلوة عذبة، فتحرق قلبي الصغير الذي يتوق إلى مشاركتهم اللعب تحت رخَّات المطر في الوسعاية أمام بيتنا. أجلس في غرفة مطلّة على الشارع، أرقب حبات المطر وهي تغسل أوراق شجرة الصفصاف أمام البيت.

تداعب رائحة المطر أنفي الذي أشعر بازدياد حجمه يومًا بعد يوم، فيزداد وجهي قبحًا بفضله.

- لقد خفّ المطر قليلا يا ماجد، لماذا لا تخرج للعب مع الأولاد أمام البيت؟

بدأ الأولاد في لعب الكرة، هتافاتهم الحماسية تُلْهِب قدمي التي تتمنى مشاركتهم اللعب، تراودني نفسي على الخروج يا أمي، بينما جزء مني يصرخ فيّ محذراً:

"دعك منهم، هم لا يريدونك بينهم"!

كلّما هممت بالخروج إليهم، تُتْحِفني ذاكرتي بمواقف تجعلني أتراجع، أتذكر ـ مثلا ـ يوم كنتُ في فناء المدرسة، أُراقص الكرة بين قدميّ، رآني أحدهم، وكان قد دُعي إلى مدرستنا في احتفالها باليوم الرياضي، تقدّم نحوي متحمسًا، يلّوح بيده مشجّعًا مهارة صبيّ في الثالثة عشرة، لكن ما إن اقترب مني وملأ عينيه من قبح وجهي حتي انمحى تشجيعه وفتر حماسه، اكتفى بوضع يده على رأسي كأنما يمسح على رأس يتيم، وانصرف دونما تعليق..

يجول بخاطري ـ أيضاـ يوم كنت وأمي في القطار عائِدَيْن من بيت جدي، انطلق صوت بائع الحلوى، نظرتُ إلى أمي فأعطتني جنيها، تقدمت نحو البائع الذي أطال النظر إليّ وهو يناولني الحلوى. اعتدت على بحْلَقَة الناس في وجهي تعجبًا في البداية ثم لا يلبث الواحد منهم أن يحوّل نظره عني مشمئزًّا. بينما أعود للجلوس بجانب أمي في القطار، اصطدم بي شاب، رآني فكأنما وقعت عيناه على عفريت، قال متأففًا: أعوذ بالله!

قال له رجل مُسِن ناصحًا إياه، وهو يتجنب النظر إليّ: لا تقل كذلك يا بني، بل قل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري.

نفضتُ عن ذاكرتي تلك المشاهد التي تتغذّى على روحي، ليتها تتغذى على أنفي ربما حجمه يتناقص قليلاً!.

اشتد المطر، أصوات اصطدام حباته بالأرض تُغري قلبي، خرجت من الغرفة بخطوات متثاقلة، أمي في صحن الدار تحيك قميصًا لطفلها الرضيع النائم على سرير خشبي بجوارها، كان رضيعها أوفر حظّا مني، يوم ولادته فرحت جدتي، وتهلّل وجهها، قالت وهي تُقبّله: هذا عوض الله لكما.

التصقتُ بباب الدار، نظرت من ثقبه أراقب حركة الأولاد، بيدٍ مرتجفة أمسكت المزلاج الذي أكلته الشمس، أدرته ببطء، صنعت فتحة صغيرة أتطلّع بها للخارج، اتسعت شيئا فشيئا، رآني أحدهم، فقال: أوووه جاء وجه البومة، الآن سيجف المطر!

انسحبوا عائدين إلى بيوتهم خوفًا من أن ينالهم شؤم وجه البومة، خلت الوسعاية من الصبية، لم يتبق سواي، رحت ألعب وحدي تحت شجرة الصفصاف، أستمتع بالمطر وأغني بصوت مبحوح ..

يا مطرة رُخّي رُخّي

رُخّي على سطح قلوبنا

رُخّي رُخّي يا مطره

نضفي بطهرك توبنا

يـا مطرة رُخّي رُخّي

امحي عيوبنا ودمعتنا

da7e03c6f1.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق