عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم ما مصير الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بعد سقوط نظام الأسد؟ - في المدرج
منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد هذا الشهر، برز الحديث عن مصير ما يُعرف بـ"الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا"، وذلك في خضم التوترات العسكرية بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تسيطر على هذه المنطقة، وفصائل موالية لتركيا.
باتت المنطقة التي تديرها الأقلية الكردية محطاً للأنظار، انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لباقي المناطق السورية، حيث تُعتبر "خزان النفط والغاز" لاقتصاد البلاد، بالإضافة إلى مستقبل "قسد" كقوة عسكرية، والتي تنظر إليها تركيا على أنها امتداد لـ"حزب العمال الكردستاني" الذي تصنّفه "منظمة إرهابية"، كما يلف الغموض مستقبل آلاف الطلاب والموظفين الخاضعين لقوانين خاصة بهذه الإدارة.
تتولى "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" إدارة المنطقة منذ أكثر من عقد من الزمن، وهو ما دفع مسؤوليها لوضْع قوانين وشكل حكم خاص بهم، بعدما كانت هذه المناطق تحت سيطرة تنظيم "داعش" قبل طرده على يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة.
واستمرت "الإدارة الذاتية" في توسيع نطاق الأجزاء الخاضعة لها من مدن شمال الحسكة ومدينتَي عين العرب (كوباني) وعفرين، باتجاه شرق وجنوب الحسكة ومركز مدينة الرقة وغالبية مناطقها الإدارية، بالإضافة إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات في دير الزور بمدنها وبلداتها في الفترة بين عامي 2014 و2019، مما يجعل الحديث عن مستقبلها العسكري والإداري أمراً مهماً لدى الإدارة السورية الجديدة، وفي ظل أهميتها الاقتصادية كذلك.
الأهمية الجغرافية لإقليم شمال وشرق سوريا
تشكل مناطق إدارة "قسد" نحو نصف طول الحدود مع تركيا والعراق، إذ يمتد الشريط الحدودي مع العراق من بلدة عين ديوار شمال محافظة الحسكة وحتى الباغوز بالقرب من البوكمال بريف دير الزور الشرقي، وبمسافة تصل إلى أكثر من 460 كيلومتراً.
وتمتد المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرة "قسد" وتركيا من عين ديوار على مثلث الحدود السورية مع العراق وتركيا، وصولاً إلى أطراف منبج بريف حلب، وبمسافة تزيد على 420 كيلومتراً، باستثناء نحو 130 كيلومتراً سيطرت عليها فصائل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا في المنطقة الممتدة من مدينة رأس العين، وحتى الريف الغربي لمدينة تل أبيض شمال الرقة، وذلك بعد العملية التي أطلقت عليها تركيا "نبع السلام" في أكتوبر 2019.
ولهذه الأسباب تكتسب المنطقة أهمية سياسية وجغرافية، لكونها مرتبطة بملفات حساسة مع دول جوار سوريا، سواء ملاحقة خلايا "داعش" بالنسبة للعراق، أو ما تعتبره تركيا خطراً يتمثل في وجود "قسد" على حدودها الجنوبية، وهو ما يجعل من مناقشة مستقبل هذه المنطقة مهماً للدول الثلاث، خاصة وأنها تضم أكثر من 15 قاعدة عسكرية أميركية.
كما يوجد بها مخيمَي "الهول" و"روج" اللذين يضمّان أكثر من 10 آلاف شخص من عائلات "داعش"، إلى جانب عشرات السجون ومراكز الاحتجاز، وأبرزها سجنَي "الصناعة" و"جويران" في الحسكة، و"الرقة المركزي" في الرقة، و"جركين" في المالكية، و"كم البلغار" في الشدادي، وبها نحو 13 ألف معتقل متهم بالانتماء لـ"داعش"، بينهم ما لا يقل عن 8 آلاف أجنبي من أكثر من 50 جنسية.
كانت زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالن، ونظيره العراقي حميد الشطري إلى دمشق، حيث اجتمع كلاً منهما مع مسؤولي الإدارة السورية الجديدة، بعد أسابيع قليلة من تولّيها زمام المرحلة الانتقالية، بمثابة مؤشر على مدى أهمية ملف "قسد" وارتباطه بقضايا متعلقة بالأمن القومي للبلدان الثلاثة، ورغبتها في معالجته دون أي تداعيات تشكل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي.
كما يفسّر هذا مساعي الولايات المتحدة وفرنسا للوصول إلى صيغة توافقية تفرض بموجبها دمشق سلطتها على المنطقة مع مراعاة الخصوصية الكردية، ودون إفساح المجال لخلايا "داعش" حتى لا تعيد تنظيم صفوفها من جديد.
اقتصاد سوريا ومناطق "قسد"
تُمثّل المناطق التي تديرها "قسد" شريان حيوياً لاقتصاد البلد الذي تشتد حاجته للبدء بإجراءات إعادة الإعمار وتدوير عجلة الإنتاج، ومعالجة ملفات المحروقات والكهرباء، خاصة في ظل وجود البنية التحتية الأساسية لهذه القطاعات في المناطق التي تتبع الإدارة الذاتية حالياً.
بلغ إنتاج سوريا النفطي نحو 400 ألف برميل يومياً في الفترة بين عامي 2008 و2010، لكن بعد نشوب الحرب هوى الإنتاج ليصل إلى نحو 15 ألف برميل يومياً في 2015، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. وفي 2023، بلغ إنتاج سوريا من النفط والسوائل 40 ألف برميل يومياً، وفقاً لتقديرات أوردتها صحيفة "الشرق الأوسط".
أما فيما يخص الغاز، فكانت سوريا تنتج 30 مليون متر مكعب يومياً قبل 2011، لكن الإنتاج انخفض 10 ملايين متر مكعب يومياً، بما يقل عن احتياجات سوريا لتشغيل محطات الكهرباء البالغة 18 مليون متر مكعب يومياً.
أنهكت الحرب قطاع النفط والغاز ضمن انهيار الاقتصاد بوجه عام، وحوّلت سوريا إلى مستورد للطاقة، إذ باتت دمشق تعتمد على الاستيراد لتأمين 95% من احتياجاتها النفطية، فبحسب تقديرات رسمية تستورد البلاد نحو 5 ملايين برميل شهرياً، أو ما يزيد على 160 ألف برميل يومياً، بعدما كانت تصدّر 150 ألفاً من الخام يومياً قبل عام 2011، بحسب منصة "الطاقة" المتخصصة في القطاع.
وتسيطر قوات "قسد" حالياً على مناطق كبيرة في شرق وشمال شرق البلاد، حيث يتواجد معظم الاحتياطي النفطي، البالغ إجماليه 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
كما تضم المنطقة التي تحكمها "قسد" أكبر الحقول في البلاد، بما في ذلك حقل السويدية، الذي كان ينتج ما بين 110 آلاف إلى 116 ألف برميل من النفط يومياً، وحقل الرميلان، الذي كان ينتج 90 ألف برميل يومياً، في الحسكة، فضلاً عن حقول دير الزور، وعلى رأسها حقل العمر النفطي الذي كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، بحسب منصة "الطاقة" المتخصصة.
قال مسؤول في شركة لصيانة خطوط النفط والغاز بشمال وشرق سوريا، عرّف نفسه باسم "عماد"، إن "معامل غاز كونيكو والشدادي والسويدية في كل من الحسكة ودير الزور كانت تنتج غالبية حاجة البلاد من الغاز المنزلي والكهرباء بواقع 1200 كيلوواط/ساعة لحقل كونيكو فقط، بالإضافة لأكثر من 500 كيلوواط/ساعة للشدادي والسويدية التي كانت مربوطة بمصافٍ وخطوط توليد طاقة في بانياس وحمص".
وأشار عماد إلى أن رفْع العقوبات الأميركية والغربية عن سوريا "مهم لإعادة تأهيل آبار وحقول ومعامل النفط والغاز شرق البلاد والتي لم تعد تنتج سوى 20% من إنتاجها قبل عام 2011، وهو ما سيساعد في التعافي الاقتصادي وإعادة إنتاج البلاد لمصادر الطاقة والكهرباء".
ويرى أن "الوصول إلى اتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقسد؛ سينعكس بشكل إيجابي على اقتصاد البلاد، ويعيد ربطه ببعضه بعد سنوات من التعطيل".
كما توفر مناطق سيطرة "قسد" في الحسكة وحدها نحو نصف إنتاج سوريا الزراعي، والذي وصل إلى أكثر من مليون و760 ألف طن في عام 2011، بنسبة تجاوزت 50% من إنتاج البلاد، بالإضافة لإنتاج أكثر من 40% من إجمالي محاصيل القطن والشعير والبقوليات، بينما تنتج المحافظة نحو 70% من القمح السوري.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على أهم 3 سدود مائية في البلاد، وهي "الطبقة" و"البعث" بريف الرقة، بالإضافة إلى "سد تشرين" في ريف حلب الشمالي الشرقي، مع استحواذها على غالبية مساحات جريان نهرَي دجلة والفرات وراوفدهما، وهو ما يجعل الثروة المائية فعلياً بيد "قسد".
خلافات عسكرية وإدارية
تواجه كل هذه المزايا تهديداً بعدما وصل الأكراد إلى مفترق طرق يتعلق بمستقبلهم في أعقاب سقوط نظام الأسد، وفي وقت طرح فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على "قسد" خياراً بين "إلقاء السلاح أو "الدفن في الأراضي السورية مع أسلحتهم"، ما يجعل من التنبؤ بمصير المنطقة أمراً صعباً.
وأمام هذا الضغط التركي الواضح، تجد قوات سوريا الديمقراطية نفسها أمام خيارات صعبة، خاصة أن أنقرة تعتبر غالبية قادة "قسد" أعضاء في حزب "العمال الكردستاني" وعليهم مغادرة الأراضي السورية.
من جهتها، تحاول "قسد" أن تضغط على تركيا أيضاً عبر الحليفة المشتركة الولايات المتحدة، للعمل على إيجاد صيغة تنزع فتيل المواجهة، وتضع القضايا العسكرية والسياسية والإدارية على طاولة الحوار.
ملفات عالقة
لا يتعلق مستقبل قوات سوريا الديمقراطية في حلْ نفسها أو الاندماج في الجيش السوري الجديد فحسب، فالمنطقة تخضع لقوانين خاصة تُطبَّق من أكثر من 10 سنوات، بالإضافة إلى وجود نظام تعليمي خاص بالمدارس والجامعات المحلية، وأيضاً قانون للانتخابات ودستور خاص، وهو ما يجعل هذا الملف أكثر تعقيداً في حال أصرّ الطرفين، "قسد" وتركيا، على مواقفهما من القضايا المختلفة.
في تصريحات سابقة، قالت الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، سميرة حاج حسين، إن "أكثر من 850 ألف طالب يدرس مناهج خاصة بالإدارة الذاتية ومغايرة للمناهج الحكومية، كما أنها باللغات العربية والكردية والسريانية".
وأوضحت أن "هناك 4100 مدرسة تعتمد هذه المناهج ويدرّس فيها نحو 41 ألف معلم"، مضيفة أن هناك أيضاً "عدة جامعات محلية في كل من القامشلي وعين العرب (كوباني) والرقة وعفرين، لا تعتمد المناهج الحكومية".
كما يبرز مصير أكثر من ربع مليون موظف وعسكري يعملون في مؤسسات الإدارة الذاتية و"قسد" وقوى الأمن الداخلي "الأسايش" ومدى قدرتهم على الاحتفاظ بوظائفهم في حال تم التوصل إلى اتفاق بين الإدارة السورية الجديدة والإدارة الكردية لشمال وشرق سوريا.
مستقبل غامض
مع تعدد الملفات الخلافية بين الإدارة السورية الجديدة و"الإدارة الذاتية" بشأن مصير نحو ثلث مساحة البلاد، وعمودها الفقري الاقتصادي والزراعي، يرى الأستاذ السابق في جامعة الفرات، فريد سعدون، أن "الأمور بالنسبة لمستقبل شمال شرق سوريا غير واضحة، في ظل عدم الوصول حتى الآن إلى عتبة التفاوض بين قسد ودمشق".
وأضاف سعدون أن "الكثير من القضايا لم تُعالّج وغير مطروحة على طاولة الحوار"، مشيراً إلى أن "حل هذا الملف يكمن في خيارين هما بشكل سلمي، أو التوجّه إلى الخيار العسكري".
ولفت الأكاديمي الكردي إلى أن "المؤشرات الأولية تميل إلى الخيار العسكري، في ظل استمرار هجمات فصائل الجيش الوطني السوري (المدعومة من تركيا) على محور جسر قره قوزاق وسد تشرين بريف حلب، والتهديدات التركية بشن هجمات على مدينة كوباني".
ويرى أن "الحل المناسب يكمن في أن تدخل قوات حكومة دمشق الجديدة من هيئة تحرير الشام وباقي الفصائل كقوات فصْل على الشريط الحدودي الفاصل بين مناطق سيطرة قسد وتركيا"، موضحاً أن هذه الخطوة "ستحقق فكرة إنشاء منطقة آمنة تسعى إليها تركيا منذ بداية الحرب في البلاد، وتبدد مخاوفها وتنزع ذرائعها بتهديد قسد وحزب العمال الكردستاني على أمنها القومي".
ونوّه سعدون إلى أن "السياسيين الأكراد يركزون حالياً مع الأميركيين للتوصل لآلية تحول دون نشوب حرب في البلاد"، مبيناً أن "الخطوة الأهم الآن هي التوصل لاتفاق عسكري، ومن ثم ستأتي باقي القضايا الخلافية تباعاً، والتي يمكن التوصل فيها إلى حلول مُرضية لجميع الأطراف".
وعن وجود أي مؤشرات بشأن انطلاق حوار بين الأكراد وتركيا، رجَّح سعدون أن تكون هناك "ضغوط دولية لإحراز تقدم في هذا السياق، ومناقشة نوع الحكم وشكل الدولة، وهي أمور ستكون مفصلية بشأن مصير المنطقة، خاصة فيما يتعلق باعتماد النظام المركزي أو اللامركزية للدولة".
وأردف بالقول إن "فرص التوصل لحل شامل متوفرة في حال توفرت الإرادة من الطرفين وحصل خيار الحوار على الدعم الدولي والإقليمي اللازم من الأطراف كافة".
0 تعليق