الشرايبي: مستقبل السينما المغربية ضبابي.. والجيل الجديد يُسَوق للرداءة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أثار سؤال حوار السينما والكتابة، الذي هيمن على اللقاء الثقافي الذي نظمته مؤسسة مهرجان السينما والتاريخ بمراكش، بكلية اللغة العربية بالمدينة الحمراء، احتفاء بمؤلفي الكاتب والمخرج السينمائي سعد الشرايبي “fragmentd de scènes” (شظايا المشهد) و”شذرات من ذاكرة السينما المغربية”، هواجس لدى المتدخلين القارئين للعملين المذكورين، حسن لغدش وسمير عزمي، حول حدود التقاطع والانسجام بين التأليف الروائي والإنتاج السينمائي، من حيث الفكرة والشخصيات والحصيلة، وكذا أبعاد وتناقضات الكتابة الروائية وصناعة السيناريو، والتباعدات الجاذبة للنصوص الموظفة لفكرة المونتاج وإخراجه بقالب درامي ومصنوع، ومدى تسخير الرواية في خدمة النصوص، مع عدم الإخلال بأسس الفنين الروائي والسينمائي.

وسعت الندوة، التي أدارها الناقد محمد اشويكة، إلى الإجابة عن استفهامات كبرى تتعلق بالتقاطعات بين الأعمال الروائية والسينمائية، وكيف يتم دمج الرواية لخدمة العمل السينمائي، وأوجه التناقض بين الروايات والأعمال السينمائية، وهل تُضعِف هذه الفجوة أحد الفنين من خلال الاعتماد على الهيكل العام دون الاستناد للأسس الاحترافية لتحويل الروايات إلى أفلام، وما المعايير الواجبة لتحويل الروايات الى أعمال سينمائية دون الإخلال بهويتيهما.

وبهذا الخصوص حاول الناقد والباحث سمير عزمي الاقتراب من مباعث وخلفيات التصاديين السابقين، في محورية الكتابة والسينما، مبرزا في مداخلة له حول “شذرات من ذاكرة.. سينمائية”، الصادر سنة 2019، تناول المؤلف مسارات السينما المغربية وتحولاتها وأدوار الفاعلين في تبلور الفعل والثقافة السينمائيين بالمغرب على مدى نصف قرن. ويحدد المؤلف بعناية هدفه منذ البداية، فهو لا يسعى للتأريخ للسينما المغربية، بل للمساهمة في التوثيق مدفوعا برغبة في ترك أثر مكتوب عن تجارب متعددة للفاعلين والهيئات وكافة المتدخلين في القطاع عبر استدعاء شذرات من الذاكرة وما رشح منها من أحداث طبعت مسار السينما المغربية.

وأضاف عزمي أن المؤلف يتناول بداياته بالجامعة الوطنية للأندية السينمائية، حيث الاكتشاف والتكوين النظري، وفرصة أول حضور لموقع تصوير فيلم مغربي سنة 1974 (“أحداث بلا دلالة” لمصطفى الدرقاوي)، وهي لحظة للتكوين الميداني.

كما يتناول المؤلف البنيات والهياكل التي تؤطر الممارسة السينمائية بالمغرب وأزمة مكوناتها، مستحضرا دورات المهرجان الوطني للفيلم، التي شكلت مراحل حاسمة في مسار تطور السينما المغربية، إضافة إلى إشكالات ترتبط بواقع الأفلام المغربية بدءا بالتفكير في مشروعية الحديث عن مدرسة ولغة سينمائية ذات خصوصية مغربية، إضافة إلى نواقص نتجت عن كتابة المخرجين المغاربة لأفلامهم.

وقال الناقد عزمي إن الشرايبي طرح إشكالية علاقة الفيلم المغربي بالمتلقي، التي عرفت تحولا، مع أن فيلما حائزا على معايير فنية جمالية غالبا ما يقاطعه الجمهور، بينما يقبل على أفلام بسيطة في اختيار مواضيعها وأنماط سردها. كما توقف المؤلف عند علاقة النقد السينمائي بالأفلام المغربية، التي انتقلت من التركيز على مضامين الأفلام إلى الاهتمام بالعدة السينمائية، مؤكدا في السياق نفسه أنه نقد يتطور مع تطور الأفلام المغربية.

وخلص المتحدث إلى أن “الكتاب يعكس رغبة في حماية ذاكرتنا الثقافية من الضياع، ويشكل وثيقة تاريخية مهمة”، رغم أن المؤلف ينأى بنفسه عن نية التأريخ للسينما “لكل من يسعى للخوض في النقاش العمومي حول راهن ومستقبل السينما المغربية، مستندا إلى ما يجعل خطابه موضوعيا، هادفا ومفيدا في تطوير النقاش”.

أما المداخلة الثانية، التي ألقاها الباحث والناقد الفني حسن لغدش، فوثقت الصلة بالنفاذ عميقا في رواية الشظايا، نابشة في أغوارها وكهوفها، ومستشفة نوافذها نحو الانفلات من تلابيب الصورة المشهدية، وانقشاع غيومها تحت تأملات الكاتب المخرج، الذي لا يمكن تعاليه عن الثنائية المتواشجة والمتصلة بشكل متماه ومليء بالاستعادات.

الناقد لغدش أفصح للحضور عن صعود الشرايبي الجريء إلى عالم التاريخ والحفر الأنطولوجي، عبر الإقبال على السرد والذهاب بعيدا إلى تخوم اللحظات الدقيقة من حيوات الإنسان ووجوديته، منتقلا عبر السرد والحكي، كلغة سينمائية توظفها تجربة الكاتب في النصية الروائية، عوض المشهدية المصورة. إنها رؤية مواربة للتغيير الكائني، من الصورة إلى الكلمة، أو لنقل “التحامية الصورة بالكلمة ورؤية العالم” بلغة لغدش.

ويطرح لغدش أيضا، بموازاة هذا التقعيد الاحتمالي لنظرية الشرايبي، الاقتراب من الواقع بموازاة مع الإبداع أو الرؤية السينمائية، مستحضرا قضايا المجتمع والمواطن البسيط، كما الذاكرة والتخييل النصي، باعتباره وجها من إبدالات العيش والمشترك الإنساني.

وكلها أشكال تعني من ضمن ما تعنيه، يؤكد الناقد، التقائية الذات في العملية الإبداعية بشكلها العام، من حيث كونها تستخدم النمط السينمائي دون الانفلات من جحيم السرد. وهو ما يجعل الذات الكاتبة والمتخيلة محورا للاقتدار والصيرورة والتحول الإيجابي نحو تشكيل العلامة أو “المعنى” الأصيل لعمق الكاتب الشرايبي، وقوته الإبداعية في التغيير والمراهنة على الجديد.

وتضمنت كلمة الشرايبي، التي اختتمت اللقاء، إحساسا جارفا بالخوف من مستقبل السينما المغربية. كانت جرأته كبيرة في البوح بنفاد مخزون العمل الذي يؤطر هذه السينما، وتواريها خلف متاريس التكرار وعدم الإخلاص لقيم الفن وانعدام الأفق.

وقال الشرايبي إن مستقبل السينما المغربية مظلم وضبابي، وعدم انبثاق هوية هذه السينما يشكل حلقة فقد عظيم لآليات سيرورتها وتواجدها في قلب التحولات الصناعية والفنية الكبرى التي شهدتها الساحة الدولة راهنا.

وأكد على ضرورة استعادة الطفرة والجهوزية من أجل تطوير سينما قادرة على الإبداع وشحن الهمم والرقي الوظيفي الإبداعي وتقديم القضايا الاجتماعية والسياسية القمينة بالوجود والامتداد، منتقدا الجيل الجديد، الذي يجعل من العمل السينمائي سوقا للتبخيس والرداءة وتغليف المبادئ.

كما دعا إلى تحقيق الحد الأدنى من الجودة، وتصحيح مسار القضية السينمائية برمتها، نصا وصورة ورؤية وتوزيعا، من أجل التساوق الأخلاقي والترجمة الآمنة لمتطلبات المجتمع ورهاناته الوطنية والإبداعية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق