عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم مخيمات الشمال السوري.. أمل العودة يصطدم بتحديات صعبة - في المدرج
بعد سنوات من التهجير والنزوح في مخيمات الشمال السوري، بدأ العديد من السكان، عقب سقوط حكم بشار الأسد في الثامن ديسمبر، محاولة العودة إلى مدنهم وقراهم التي كانت مسرحاً للمعارك والدمار، ليجدوا أنفسهم أمام واقع مرير يحتاج تغييره إلى ما هو أكثر من البكاء على الأطلال.
وعلى الرغم من الأمل الذي يراود الكثيرين في استعادة حياتهم الطبيعية داخل قراهم، إلا أن الواقع الذي يواجهونه مليء بالصعوبات، فالمنازل مدمرة، والبنى التحتية تعاني الانهيار، بالإضافة إلى انتشار الألغام، وغيرها من العوامل التي تجعل من العودة إلى الديار واستعادة الحياة بها حلماً بعيد المنال.
خان شيخون.. العودة إلى الدمار
في خان شيخون، إحدى أبرز المدن التي عانت دماراً واسعاً خلال سنوات الحرب بعد تفجر النزاع في سوريا عام 2011، وقف معاذ النجم أمام منزله الذي دمره القصف قائلاً: "عندما عدت، لم أتمكن من تمييز ما إذا كان هذا المكان هو بيتي أم مجرد حطام من الماضي.. جدران منهارة، سقف محطم، كل شي ء مدفون تحت الأنقاض".
ويضيف معاذ: "كنت أتوقع أن أعود وأجد أثاثنا في مكانه، لكن الواقع كان أكثر قسوة مما توقعت.. لم تبق أي آثار من حياتنا هنا".
تتكرر هذه القصة في مختلف المناطق السورية، حيث يعود النازحون إلى مدنهم وقراهم ليكتشفوا أن منازلهم أصبحت أثراً.. في سراقب ومعرة النعمان وأرياف إدلب، تجاوز حجم الدمار 80% من المباني، الأمر الذي يجعل العودة في غاية الصعوبة، لتجد العائلات التي قررت العودة نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما العيش في خيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة، أو العودة إلى منازل مدمرة بالكامل.
وقال بيان أصدره فريق "منسقو استجابة سوريا"، إن نسبة العائدين إلى مناطقهم بعد سقوط الأسد لا تتجاوز 2.16% من إجمالي النازحين، ما يعكس مدى صعوبة العودة، وذكر البيان أن 43 ألفاً و564 نازحاً فقط تمكنوا من العودة إلى مناطقهم الأصلية في مختلف محافظات سوريا.
ولتحديد أسباب تعثر العودة، أجرى الفريق استبياناً شمل 29 ألفاً و693 نازحاً من سكان المخيمات، وكشف الاستبيان أن 94% ممن شملهم أفادوا بتعرض منازلهم لدمار كامل، ما يجعل العودة لهذه المناطق أمراً مستحيلاً.
وأشار 91% ممن اُستطلعت آراؤهم إلى غياب خدمات أساسية كالمدارس والمراكز الصحية، بينما تحدث 98% عن وجود خطر متزايد من الألغام والمخلفات غير المنفجرة، ولكن رغم كل هذه الظروف، أبدى 65% من النازحين الذين شملهم الاستبيان رغبتهم في العودة بعد انتهاء العام الدراسي الحالي.
مخيمات الشمال السوري
في مخيمات الشمال السوري، حيث يعيش نحو 1.9 مليون نازح وسط ظروف قاسية، يعاني العائدون تحديات حياتية كبيرة، وتقول زهراء (57 عاماً) وهي نازحة من مدينة الميادين تعيش في كوخ متهالك بمدينة الرقة: "إذا عدنا إلى منازلنا، لن نجد فيها شيئاً غير الركام، لذلك، فضلت أن أبقى في خيمتي التي أستطيع أن أتحكم فيها وأخفف من وقع الحرمان.. ربما لا أملك أسرٍّة ولا كهرباء، لكن على الأقل هناك أمل صغير في العيش داخل مكان مؤقت".
وعلى جانب آخر، تواجه العائلات العائدة مشكلات معقدة تتعلق بغياب الخدمات الأساسية، وفي مخيمات مثل "أرض الوطا" قرب بلدة كفر عروق، يعاني الأهالي البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، ونقصاً حاداً في المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء.
وفي هذا السياق، يقول سامر الرمضون، أحد النازحين بالمخيم، والذي عاد إلى قريته "دانة" في معرة النعمان: "الدمار لا يزال يعوقنا عن العودة بشكل كامل، حيث تحتاج المنازل إلى إعادة بناء شاملة، وهو ما لا نستطيع تحمله في ظل الظروف الحالية".
لكن مع استمرار الحياة في الخيام، تصبح المعاناة أكثر وضوحاً مع مرور الوقت. كما أن غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، والارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، يزيدان من معاناة العائلات التي تأمل في العودة إلى حياتها الطبيعية، ورغم كل الصعوبات، يصر البعض على العودة، مؤمنين بأنها "الحل الوحيد" حتى وإن كانت المنازل غير صالحة للسكن.
أزمة إعادة البناء
عبد المعين زكور، 43 عاماً، من مدينة سراقب، يقول: "نعم، المنزل مدمّر بالكامل، لكن لا خيار أمامنا سوى العودة.. لدينا أمل ضئيل في أن نتمكن من إعادة بناء حياتنا، ولكن في الحقيقة، الأمر يتطلب الكثير من المساعدات من قبل المنظمات الإنسانية التي تأخرت كثيراً في تلبية احتياجاتنا".
ويرى الرجل أن العودة إلى المناطق المدمرة ليست سهلة، بل عملية معقدة تتطلب أكثر من مجرد رغبة في العودة، ويضيف: "الوضع يحتاج إلى عشرات الآلاف من الدولارات لإعادة بناء ما دمرته الحرب، ولا يمكن لأي عائلة أن تتحمل هذه التكاليف، بل نحتاج إلى دعم حقيقي من المجتمع الدولي".
ويؤكد "زكور" أن السوريين بحاجة إلى "أكثر من مجرد خطب عن إعادة الإعمار.. نحن بحاجة إلى أفعال حقيقية.. عندما ترى عائلتك تحت وطأة الفقر وتضطر إلى العيش في خرائب منزل مهدم، تدرك أن الأمر يحتاج إلى جهد جماعي. نحن بحاجة إلى مساعدة فعلية لا إلى وعود فارغة".
غير أن العودة لا تقتصر على مسألة إعادة بناء المنازل فقط، بل تتعلق بالدمار النفسي الذي لا يمكن تجاهله.
زاهر الشيخ،وهو نازح من بلدة الهبيط، عاد مؤخراً إلى مسقط رأسه، يقول: "دُمرت حياتنا بالكامل، ليس فقط بيوتنا، فقدنا الأمل، فقدنا العائلة، فقدنا الأبناء في الحرب.. نعم، يمكنني العيش في خيمة، لكن هل يمكنني العيش كما كنت قبل الحرب؟".
ويضيف الرجل بنبرة تغلبها المرارة: "العودة إلى المناطق المدمرة ليست مجرد مسألة جغرافية، بل هي العودة إلى ذكريات مؤلمة لا تمحى.. الحياة هنا لا تشبه الحياة التي تركناها خلفنا".
التقييم الدولي للأضرار
في هذا السياق، أصدرت مجموعة البنك الدولي مؤخراً نتائج تقييمها للأضرار التي خلفتها الحرب في سوريا، مشيرة إلى أنها تسببت في تدمير أكثر من 210 آلاف وحدة سكنية في 14 مدينة سورية شملها التقييم حتى نهاية 2022.
كما تشير التقديرات إلى أن نحو 30 ألف وحدة سكنية دمرت بشكل كامل، بينما تضررت 180 ألف وحدة بشكل جزئي، وخسرت مدينة حلب وحدها نحو 135 ألف وحدة سكنية، تعادل 21% من مجموع المنازل فيها، و70% من إجمالي الوحدات المتضررة في المدن التي شملها هذا التقييم.
وقد تسببت الأضرار المهولة في البنية التحتية وتدهور الخدمات العامة في موجة نزوح على نطاق واسع، لينخفض عدد السكان بنسبة 18% إلى 17.5 مليون نسمة وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام 2019.
وفي داخل سوريا نزح أكثر من 6.7 مليون شخص حتى عام 2021، وبحلول سبتمبر من ذلك العام، كانت الحرب قد أسفرت عن سقوط نحو 350 ألف شخص، بينما كان نحو 13.4 مليون شخص بحاجة لمساعدات إنسانية، منهم 5.9 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدة.
0 تعليق