عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم العمارة الخضراء.. مساكن مستدامة في مواجهة تحديات المناخ - في المدرج
تحقيق - شريف حربى:
نشر في: الأحد 29 ديسمبر 2024 - 9:47 م | آخر تحديث: الأحد 29 ديسمبر 2024 - 9:49 م
- توفر تكاليف صيانة أقل وتستمر لفترة أطول مقارنة بالمبانى التقليدية وتحسن كفاءة استهلاك الموارد
- وزيرة البيئة: تقلل استهلاك الكهرباء وتخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، وتسهم فى تحسين جودة الهواء
-وزير الإسكان لـ «الشروق»: المبانى الخضراء تحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة لا تقل عن 33%
- تحويل القاهرة التراثية إلى مدينة متكاملة خضراء ذكية.. والمشاط: 53 مليار جنيه حجم الاستثمارات فى مجال العمران المستدام خلال 5 سنوات
- المتحف المصرى الكبير يحصل على شهادة «إيدج المتطورة» للمبانى الخضراء كأول متحف فى أفريقيا والشرق الأوسط
- توجه عالمى نحو تبنى سياسة البناء الأخضر.. و«الهابيتات»: تتميز الوحدات السكنية الصديقة للبيئة بالاستدامة وتوفير جودة الحياة
مع تفاقم تداعيات التغير المناخى بدأت دول عدة حول العالم فى التحول نحو البناء الأخضر المستدام أو المعروف بـ«العمارة الخضراء»، لتقليل الأثر البيئى السلبى للمبانى وتحسين كفاءة استهلاك الموارد مثل الطاقة والمياه والمواد.
تتميز العمارة الخضراء باستخدام مواد طبيعية غير سامة مثل الأخشاب والخيزران والقش والمواد الحجرية والصخرية، ولا يزيد عدد أدوارها على 3 أدوار لتناسب المناطق الريفية والصحراوية، بينما تعتمد فى المدن على مزيج من المواد التقليدية والموارد الصديقة للبيئة، إذ يدخل الطوب الحرارى والحديد والأسمنت فى بناء حوائطها.
ورغم زيادة تكلفتها بنسبة 8 إلى 10% مقارنة بالمبانى التقليدية، فإن فوائدها البيئية والاقتصادية والاجتماعية تجعلها خيارًا مستقبليًا واعدًا، إذ تسهم هذه المبانى فى تحسين جودة الحياة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتخفّض استهلاك المياه والطاقة والمواد الطبيعية.
المدن المستدامة
فى مصر، تبنت الحكومة خلال السنوات الماضية مفاهيم المدن المستدامة والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتوضح وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، الدكتورة رانيا المشاط، أنه جرى حصر استثمارات بقيمة 53 مليار جنيه خلال 5 سنوات مالية، ( 2018/ 2019، 2022/2023) فى مشروعات العمران الأخضر المستدام، ومن أبرز تلك الاستثمارات المتحف المصرى الكبير.
وتعمل وزارة التخطيط على التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وذلك من خلال حشد القدرات الوطنية وتوفير التمويلات الدولية الميسرة لدعم جهود العمل المناخى، وذلك بحسب المشاط، التى تشير فى حديثها مع «الشروق» إلى دليل معايير الاستدامة البيئية، الذى أطلقته الوزارة بهدف زيادة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء من جملة الاستثمارات العامة إلى 60% فى العام 26/2027، مؤكدة أن الدليل شدد على دعم التوجه للمبانى الخضراء عند تصميم المشروعات بحيث تكون قادرة على تحمل التحديات البيئية، وتوفير تكاليف الصيانة والتشغيل ورفع جودة البيئة العمرانية.
ويعد نظام الهرم الأخضر لتقييم المبانى، أحد بنود المبادرة الوطنية الأولى للمبانى الخضراء فى مصر، فبحسب وزيرة التخطيط فإن ذلك النظام يتضمن 7 مجالات على الأقل عند تقييم المبانى الخضراء، تشمل: «الموقع المستدام، وجودة التصميم، ومواد البناء الخضراء المستخدمة فى البناء والموارد، وكفاءة استخدام المياه، وكفاءة استخدام الطاقة، والصحة والسلامة، والإدارة والابتكار».
ونوهت وزيرة التخطيط إلى أن حصول المتحف المصرى الكبير على شهادة «إيدج المتطورة للمبانى الخضراء EDGE Advanced»، يعد بمثابة إشادة دولية بأعمال تصميم وإنشاءات المتحف من حيث كفاءة استخدام الموارد ومراعاة المناخ، مما يوفر أكثر من 60% من الطاقة ويقلل من استخدام المياه بنسبة 34% مقارنة بمبنى مطابق له فى الاستخدام والمساحة.
وبلغت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالمية 41.6 مليار طن فى عام 2024، بعدما كانت 40.6 مليار طن فى 2023، وأغلب هذه الانبعاثات ناتج عن حرق الفحم والنفط والغاز، وذلك بحسب تقرير ميزانية الكربون العالمية، الذى نشر خلال قمة المناخ كوب29 فى أذربيجان.
وتنتج مصر نحو ما يقرب من 221 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون سنويًا، وتصدر قطاع الكهرباء بنسبة (45%)، وجاء قطاع النقل فى المرتبة الثانية بنسبة (25%)، وفى المرتبة الثالثة حل التصنيع والبناء بنسبة (20%)، وذلك بحسب دراسة «دور التمويل الأخضر فى مواجهة مخاطر التغيرات المناخية».
مزايا عدة
«تعد المبانى الخضراء حلاً مبتكرًا لتحسين جودة الحياة، ودعم الاقتصاد، والحد من التأثيرات البيئية السلبية»، وذلك بحسب وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، التى أكدت لـ«الشروق»، أن الوزارة ستنظم برامج توعية وورش عمل حول أهميتها، بجانب تطوير نظام «الهرم الأخضر المصرى» للشهادات البيئية. وأوضحت وزيرة البيئة أن تلك المبانى تعتمد على الطاقة المتجددة لتقليل استهلاك الكهرباء، وتخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، إضافة إلى إدارة الموارد المائية بكفاءة عبر أجهزة تقنية لإعادة التدوير، كما تسهم فى تحسين جودة الهواء داخل وخارج المبانى باستخدام مواد غير سامة، وتعزيز التكيف مع التغيرات المناخية من خلال مقاومتها لظروف الطقس القاسية.
استراتيجية وطنية
فى مايو 2022 وضعت مصر «الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050»، وهى من الخطط الطويلة الأجل التى تسعى إلى تجنب الآثار السلبية لتغير المناخ، وخلال المنتدى الحضرى العالمى، الذى عقد بمصر فى الفترة من 4 إلى 8 نوفمبر الماضى، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى تبنى مصر استراتيجية البناء الأخضر.
ويقول وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، شريف الشربينى، إن الحكومة عملت على دمج معايير البناء الأخضر فى التشريعات والأكواد المصرية، إضافة إلى وضع الأدلة الإرشادية التى تهدف إلى تعزيز مفاهيم كفاءة الطاقة وترشيد استهلاك المياه واستخدام المواد المستدامة.
وتابع الشربينى، فى تصريحات لـ«الشروق»: «الوزارة تعمل حاليًا بالتعاون مع الجهات المعنية، بما فى ذلك القطاع الخاص والمراكز البحثية؛ لدعم تطبيق معايير البناء الأخضر»، مشيرًا إلى أن المبانى الخضراء تحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة لا تقل عن 33%.
وأضاف أن صندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقارى ينفذ مشروعات للإسكان الاجتماعى الأخضر، التى تهدف إلى توفير وحدات سكنية صديقة للبيئة، وموفرة للطاقة، مع ترشيد استهلاك المياه، وإدارة الموارد بشكل رشيد.
وأشار الوزير إلى اعتماد 25 ألف وحدة سكنية خضراء بنظام تقييم «الهرم الأخضر» المعتمد من المجلس المصرى للعمارة الخضراء، وتشمل الوحدات السكنية التى اعتمدت 10,422 وحدة فى مدينة حدائق العاصمة، و3,972 وحدة فى مدينة العاشر من رمضان، و7,176 وحدة فى مدينة أسوان الجديدة، و3,924 وحدة فى مدينة العبور الجديدة.
أول حضانة خضراء
وأعلن المستشار الهندسى لوزيرة التضامن الاجتماعى، لؤى أنس محمد، إنشاء أول حضانة خضراء للطفولة المبكرة فى قرية أغورمى بمدينة سيوة، محافظة مطروح، باستخدام النظام الإنشائى الصديق للبيئة.
وأكد محمد لـ«الشروق» أن الوزارة تسعى لمواكبة الاتجاهات العالمية فى تبنى الأنظمة البيئية المستدامة كجزء من خطط مقاومة التغيرات المناخية، موضحًا أن الحضانة فى سيوة تعد بداية لمشروعات مشابهة ستُنفذ فى مختلف المحافظات وفقًا لمعايير البناء الأخضر التى وضعها مركز بحوث الإسكان والبناء. وتابع: «الحضانة صممت لملاءمة طبيعة المنطقة، وذلك بالاعتماد على الخشب والتربة الطبيعية المعالجة بدلاً من مواد البناء التقليدية، واستخدمنا هيكلا خشبيا من أشجار الجزورينا المقاومة للمناخ الجاف والحار، مع تشكيل الحوائط باستخدام التربة الطبيعية بدلاً من الطوب الحرارى، واستخدمنا دهانات عاكسة للضوء لتقليل درجة الحرارة، وأجهزة رقمية تولد الطاقة الشمسية لإضاءة المبنى بدون الحاجة للطاقة الكهربائية التقليدية».
مبادرة رائدة
صندوق الإسكان الاجتماعى ودعم التمويل العقارى، أطلق مبادرة «العمارة الخضراء» فى 2020، بالتعاون مع البنك الدولى ومؤسسة التمويل الدولية والمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، وذلك بحسب المدير التنفيذى للصندوق مى عبد الحميد، والتى تؤكد أن الاعتماد على إعادة استخدام المياه الرمادية فى رى المسطحات الخضراء، واستخدام الطاقة الشمسية لإنارة السلالم والمحيط.
وأوضحت أن العمارة الخضراء تساعد فى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 27% وانبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة 33%، واستهلاك المياه بنسبة 40%، مع تقليل النفايات الصلبة بنسبة 70%.
من جهتها، تقول الدكتورة هند فروح، مدير معهد العمارة والإسكان ورئيس لجنة إعداد دليل المبانى الخضراء، إن اعتماد البناء الأخضر المستدام ليس رفاهية أو مجرد فكرة عابرة بل هو تحول جوهرى وضرورى لضمان مستقبل صحى ومستدام يحافظ على الموارد الطبيعية.
وأضافت فروح، فى تصريحات لـ«الشروق»، أن هناك تحديات تواجه صناعة البناء الأخضر المستدام، والتى من بينها عدم إتاحة مواد البناء الأخضر والمستدام للمقاولين والشركات بشكل كبير، بجانب أن تلك الصناعة تواجه لوائح ومواصفات قياسية وعالمية يجب اتباعها عند إنشاء المبانى الخضراء، فضلًا عن القيود الخاصة بالصحة والسلامة المهنية.
وأوضحت، أنه لابد من تحفيز وتشجيع المصانع على إنتاج مواد البناء الأخضر والتى يمكن أن تلعب غرفة صناعة مواد البناء دورا فعالا فيها.
ونوهت إلى أن هناك تحديا يتعلق ببناء القدرات للكوادر المحلية ليس فقط المهندسون ولكن الشركات العاملة فى مجال البناء الأخضر والمقاولين، فضلًا عن التحدى المتعلق بنشر الوعى بين المستثمرين والمواطنين بأن البناء الأخضر يمكن أن ينفذ بتكلفة البناء التقليدى فى حال عدم إدماج تكنولوجيا البناء الأخضر وفى حالة زيادة التكلفة لا بد من الأخذ فى الاعتبار تقليل تكاليف التشغيل والصيانة.
من جانبه، أكد مدير عام التنمية المستدامة والتطوير العمرانى بالبنك الدولى، سامح وهبة، أن البنك يخصص نحو 70 مليار دولار سنويًا لدعم القطاع الحكومى فى مختلف الدول، ويوجه نحو 45% من تلك المخصصات إلى مشروعات تتعلق بالتغيرات المناخية، بما فى ذلك تكنولوجيا المبانى الخضراء والتنمية الحضرية المستدامة.
وأضاف وهبة لـ«الشروق»، أن مؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولى، توفر تمويلًا للقطاع الخاص يتراوح بين 40 و50 مليار دولار سنويًا، ويخصص منها أيضًا حوالى 45% لدعم المشاريع التى تساهم فى مواجهة التغيرات المناخية.
مصادر حيوية
ويقول مدير المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، الدكتور محمد مسعود، إن تصميم العمارة الخضراء يعتمد على مصادر حيوية ومتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى تقنيات فعّالة للعزل ورفع كفاءة استخدام الطاقة والمياه، منوهًا بأن هذه الممارسات تساهم فى تقليل الانبعاثات الكربونية، مما يدعم الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ.
ولم يقتصر الأمر على تقليل الانبعاثات فقط، فبحسب مسعود، تعزز العمارة الخضراء صحة الأفراد بسبب استخدام تقنيات عزل من الصوت والحرارة وتحسين إدارة الإضاءة والطاقة.
ويؤكد مسعود أن المركز بدأ اهتمامه بالبناء الأخضر منذ عام 2008 تماشيًا مع خطة الدولة للتحضر المستدام، كما وضع المركز معايير ومواصفات تستهدف نقل المجتمع المصرى نقلة حضرية نوعية، موضحًا أن المركز طرح دليل البناء الأخضر للجمهور العام والمصالح الحكومية، وليس فقط للمطورين العقاريين.
ورجح مسعود أن تتلاشى التخوفات المتعلقة بارتفاع تكلفة البناء الأخضر مقارنة بالبناء التقليدى فى السنوات المقبلة، خاصة مع التغيرات السعرية التى شهدتها تكلفة البناء بشكل عام، موضحا أن تكلفة المبانى الخضراء تزيد بنسبة 8 إلى 10٪ مقارنة بالمبانى التقليدية.
القاهرة التراثية
وتتخذ مصر خطوات جادة نحو تحويل المدن القديمة إلى مدن مستدامة، حيث قال رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، المهندس محمد أبو سعده، إن الدولة تسعى لتطوير القاهرة التراثية بمعايير مستدامة، نظرًا لما تحتويه من كنوز استثمارية وسياحية واقتصادية وثقافية.
وأوضح أبو سعده لـ«الشروق» أن القرار الجمهورى رقم 604 صدر بتشكيل اللجنة القومية لإحياء القاهرة التراثية، لتصبح مدينة عالمية متكاملة تراثية خضراء ذكية تحت إشراف مستشار رئيس الجمهورية للتنمية المحلية اللواء خالد فودة.
وتحدث رئيس مدينة العلمين الجديدة، أحمد إبراهيم، عن جهود تحويل المدينة إلى نموذج للمدن الذكية الخضراء المستدامة، من خلال تبنى تخطيط مرن يعزز من تطبيق التكنولوجيا الذكية فى مختلف مناطق المدينة.
ويشير إلى أن التحدى الأكبر فى المدن الذكية هو الحاجة لبنية تحتية متقدمة بجانب ارتفاع تكاليف التشغيل، ويؤكد أن العلمين الجديدة توفر مثالًا حيًا على استخدام التكنولوجيا الذكية فى الأبراج الشاطئية، إذ يتم التحكم الذكى بالإضاءة والرى والكهرباء، مثل مشروع «الدون تاون» الذى يضم 4000 وحدة سكنية.
اهتمام عالمى
تعمل الأمم المتحدة على ترسيخ ثقافة البناء الأخضر حول العالم للحفاظ على الموارد الطبيعية، فبحسب نائب المدير التنفيذى لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية «الهابيتات»، مايكل ملينار، فإن المهمة الأساسية للبرنامج تكمن فى معالجة أزمة الإسكان عالميًا من خلال التوسع فى بناء المساكن وتعزيز التنمية الحضرية المستدامة.
وأضاف فى حديثه لـ «الشروق»: «بدأنا بالفعل فى تنفيذ استراتيجياتنا وفق معايير البناء الأخضر، إذ تتميز الوحدات السكنية الصديقة للبيئة بالاستدامة وتوفير جودة حياة مستدامة للمواطنين»، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تعد أساسية لمواجهة التحديات المستقبلية، لاسيما فى ظل تفاقم تأثيرات تغير المناخ على مستوى العالم.
وأشار إلى أن العمارة الخضراء تمثل حلاً فعالاً للحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز الاستدامة، ويوضح: «عندما تزداد أعداد المبانى الخضراء، يصبح بالإمكان ترشيد استهلاك الطاقة والمياه بشكل أكبر، لاعتمادها على الطاقة الشمسية عبر ألواح مخصصة تُثبت على واجهاتها، واستخدام أجهزة رقمية لإعادة تدوير ومعالجة المياه، ما ينعكس إيجابيًا على جودة حياة السكان».
وأكد ملينار أهمية المبانى الخضراء، مشيرًا إلى أن مديرة الأمم المتحدة للمستوطنات أناكلوديا روسباخ ركزت منذ توليها المنصب على تسريع تمويلها عبر بنوك التنمية الدولية، مثل بنك التنمية الأفريقى والآسيوى وبنك الاستثمار الأوروبى، لافتًا إلى أن هذه الاستثمارات تحقق عوائد سريعة ومستدامة.
واتجهت دول عدة حول العالم لتطبيق معايير البناء الأخضر والمستدام، ومن تلك الدول البرازيل، التى وضعت خطة طموحة لبناء 4 ملايين وحدة سكنية خضراء فى جميع الولايات الفيدرالية، فبحسب وزير المدن البرازيلى، جادر لهو فيلهو، فإن العمل جارٍ بوتيرة متسارعة، للانتهاء من بناء مليونى وحدة، وهو نصف الرقم المستهدف.
ذلك المشروع الطموح تسعى البرازيل لإتمامه بحلول نهاية عام 2026، وبميزانية تُقدر بنحو 59 مليار دولار، ويقول فيلهو لـ«الشروق»، إن التحول إلى العمارة الخضراء لم يعد خيارًا، بل أضحى ضرورة ملحّة لمواجهة تغير المناخ وتحسين جودة حياة المواطنين.
وفيما يخص تحويل المبانى القديمة إلى عمارات خضراء، يشير فيلهو إلى أن حكومته حوّلت 500 ألف وحدة قائمة إلى مبانٍ خضراء، ضمن خطة تستهدف تحويل 8 ملايين وحدة سكنية فى جميع أنحاء البلاد.
حوافز للمواطنين
وفى أوروبا، تبنت فرنسا سياسة البناء الأخضر، وقدمت قروضًا بنكية بدون فوائد للمواطنين كحوافز لتحويل مبانيهم التقليدية إلى مبانٍ خضراء أو لبناء وحدات جديدة وفقًا لكود البناء الأخضر المعتمد فى البلاد. وذلك بحسب مساعد وزير المدن المستدامة فى فرنسا، ييفيس لارينس سابوفا.
ويضيف سابوفال فى تصريحات لـ«الشروق»، أن فرنسا هى الدولة الوحيدة فى العالم التى تمتلك لائحة صارمة لتقييم دورة حياة المبانى الجديدة فى ما يتعلق بالبصمة الكربونية، حيث تُبنى جميع المبانى الجديدة وفقًا لهذه اللائحة، ويتوقع مساعد الوزير انخفاض استهلاك الطاقة بالمبانى بنسبة 40% بحلول عام 2030.
ولم يختلف الوضع كثيرًا فى إسبانيا، إذ وضعت خططًا لتبنى سياسات العمارة الخضراء، ويقول الدكتور فيكتور بوجا، الأمين العام للأراضى والتخطيط العمرانى فى إقليم كتالونيا الإسبانى، إن الحكومة الكتالونية بدأت فى تبنى ممارسات تكنولوجيا العمارة الخضراء، مشيرًا إلى أن نحو 60% من سوق الإسكان فى الإقليم يتكون من مبانٍ قديمة تعود للستينيات، وهى تفتقر إلى الصيانة الجيدة. وأوضح لـ«الشروق»، أن الجهود الحالية للحكومة الكتالونية والاتحاد الأوروبى تركز على إعادة تأهيل هذه المبانى بما يتماشى مع معايير المبانى الخضراء.
وقال مدير تمويل الاقتصاد الأخضر فى البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، عماد حسن، إن الفترة الحالية تتطلب تقديم مزيد من الحوافز للمطورين العقاريين، مثل تخفيض الفائدة أو إعفائهم من الضرائب، لتشجيعهم على التوسع فى مشروعات المبانى الخضراء.
وأشار حسن، لـ«الشروق»، إلى أن الاتحاد الأوروبى يقدم آلية تمويل تحفيزية للمشروعات الخضراء، مع إمكانية الحصول على حافز نقدى يصل إلى 10% كـ«كاش باك» عند تنفيذ هذه المشاريع.
اهتمام عربى
بدأت دول عربية تجربة المبانى الخضراء المستدامة فى المدن الجديدة، ومن تلك الدول ليبيا، التى تسعى لتطبيق معايير البناء الأخضر فى المبانى الجديدة.
وقال وزير الحكم المحلى الليبى، بدر الدين التومى، فى حكومة الوحدة الوطنية، إن حكومته تعطى أولوية لتنفيذ سياسة المبانى الخضراء المستدامة فى المدن الذكية وذلك من خلال تحديد المواصفات التى تتماشى مع استراتيجيات مقاومة التغيرات المناخية.
وأضاف التومى فى تصريحات خاصة لـ«الشروق»: «نحن فى مرحلة العمل التجريبى لاستخدام العمارة الخضراء فى المدن الذكية، وسنتوسع فيها بعد انتهاء النزاع الداخلى، نظرًا لما تتمتع به هذه المبانى من استدامة وقدرتها على تقليل الانبعاثات الكربونية التى تؤثر على المناخ».
وفى السودان، تقول الأمين العام لوزارة التنمية العمرانية والطرق والجسور، إخلاص نور الدين، إن الوزارة بدأت بالفعل فى التركيز على التنمية الحضرية المستدامة، خصوصًا فى مجال تكنولوجيا العمارة الخضراء، التى تعد صديقة للبيئة وتساهم فى مواجهة التغيرات المناخية.
وأضافت فى تصريحات لـ«الشروق»، أن الوزارة مستعدة لفتح سوق الاستثمار أمام الشركات المصرية والإقليمية لتنفيذ المبانى الخضراء وفقًا لمعايير الاستدامة والبناء الأخضر، وتشير إلى أن الأمر يعتمد على استقرار الأوضاع الداخلية ووقف الصراع فى البلاد.
ومن ليبيا والسودان، إلى فلسطين التى تعانى من وجود كميات ضخمة من مخلفات البناء، أكد وزير الحكم المحلى الفلسطينى، الدكتور سامى الحجاوى، أن الحكومة الفلسطينية تبنت استراتيجية العمارة الخضراء قبل حرب 7 أكتوبر، لكن تجمد عملها منذ اندلاع الحرب.
ورغم الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد أشار الحجاوى لـ«الشروق» إلى أن فلسطين وضعت معايير ومواصفات للبناء الأخضر من خلال المجلس الأعلى للبناء الأخضر، موضحًا أن هناك 10 مبانٍ خضراء أقيمت قبل الحرب بتمويل من دول مانحة، تتضمن 5 مدارس و5 مبانٍ حكومية تابعة للحكومة الفلسطينية.
من ناحيتها، قالت مروة محجوب، خبيرة تنمية القطاع الخاص فى شمال إفريقيا بمؤسسة التمويل الدولية «IFC»، إن مجالات الاستدامة والبناء الأخضر تعد من أولويات المؤسسة، مضيفة أن استثمارات المؤسسة فى البناء الأخضر بلغت 3.5 مليار دولار سنويًا.
وتشير إلى أن التعاون والشراكة مع الحكومة يتمثل فى بناء الخبرات الدولية، أما التعاون مع القطاع الخاص فيكون من خلال تقديم التدريب ورفع الوعى بالجوانب المختلفة خاصة البيئية.
0 تعليق