عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم مفهوم الإلحاد وتصنيف الملحدين - في المدرج
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
الفلسفة كما قال الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز (١٩٢٥ – ١٩٩٥)، هي «فن تكوين المفاهيم». وهذا يعني أن الفلسفة أداة عقلية لا غنى عنها لتكوين وضبط وتحديد صيغة ومضامين ودلالات المفاهيم التي تتردد في المشهد العام عبر أجهزة الإعلام والقنوات الفضائية وبوابات ومواقع الصحافة، والتي يتفق الناس معها أو يتصارعون حولها دون الاتفاق على معاني ودلالات واضحة ومحددة لها.
من أبرز المفاهيم المُثيرة للجدل في الفضاء العام المصري مؤخرًا، هو مفهوم الإلحاد بعد أن أوصت هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري يوم الأربعاء الموافق 13 نوفمبر الجاري، بإلغاء الترخيص الممنوح لعرض فيلم «الملحد» من تأليف الأستاذ إبراهيم عيسي، وإخراج محمد العدل، وبطولة حسين فهمي، ومحمود حميدة، وأحمد حاتم، وصابرين، وتارا عماد. في خطوة قد تُمهد لاحقًا لوقف عرضه في جميع أنحاء مصر.
وهذا الأمر يوجب علينا - نحن المشتغلين بالفكر الفلسفي درسًا وانتاجًا - ضرورة تحديد وضبط مفهوم الإلحاد أمام كل مهتم بموضوع وقضية عرض الفيلم، ولكل من يرغب بعد مشاهدة الفيلم لو تم عرضه، في تحديد رسائله الصريحة والضمنية، وموقفه الحقيقي الناقد أو الداعم للإلحاد.
يُمكن القول بداية أن كلمة الإلحاد Atheism)) تعود أصولها في اللغات الأوربية إلى اللغة اليونانية، وهي تعني اصطلاحًا نفي وجود الله، وإنكار كافة الأمور الغيبية الإلهية التي تترتب على القول بوجود إله خالق للعالم والإنسان، مثل روحانية النفس الإنسانية، ووجود العالم الآخر، والثواب والعقاب بعد الموت، والنبوة، وتدبير الله وعنايته بهذا العالم ولحياة الإنسان فيه.
لكن علينا أن نميز هنا بين نوعين من الإلحاد، هما الإلحاد العملي والإلحاد النظري؛ الأول الإلحاد العملي: هو موقف من يُقر نظريًا بوجود إله، لكنه يتصرف في حياته ومواقفه وعلاقاته كما لو لم يكن هناك إله. أو كما نقول في حياتنا العادية في وصف أحدهم لتجبره وإنعدام أخلاقه: دا إنسان ميعرفش ربنا.
أما الإلحاد النظري فهو ينقسم إلى قسمين؛ الإلحاد النظري المُطلق، والإلحاد النظري النسبي. ويُطلق وصف الإلحاد النظري المُطلق على موقف الذين يُنكرون بإطلاق وجود الله ووجود كافة الأمور الغيبية التي تقع فيما وراء الطبيعة.
وينقسم الإلحاد النظري المُطلق بدوره إلى قسمين: إلحاد نظري مطلق سلبي، وإلحاد نظري مطلق إيجابي.
الإلحاد النظري المطلق السلبي، هو موقف من ينكر وجود الله والأمور الإلهية، إما عن جهل مثل الإنسان البدائي المتوحش، وإما عن عدم اهتمام أو اكتراث بالموضوع، مثل الفيلسوف اليوناني السوفسطائي الشهير بروتاجوراس المتوفى عام 420 قبل الميلاد، والفيلسوف الإيطالي بينيديتو كروتشه المتوفى عام 1952.
أما الإلحاد النظري المطلق الإيجابي (الأيدلوجي)، فهو موقف الذين يُنكرون وجود الله لأسباب فكرية يرونها، ويصنعون لدعم رأيهم مذاهب فلسفية وبراهين عقلية يتذرعون بها لتأكيد موقفهم، وهو فعل الفلاسفة الماديين، مثل الفيلسوف أبيقور قديمًا، والفلاسفة فيورباخ وماركس ونيتشه في العصر الحديث.
ويبقى لنا في هذا التصنيف تحديد مفهوم الإلحاد النظري النسبي، وهو موقف المؤلهين أو أصحاب مذهب الدين الطبيعي، الذين يقرون بشكل أو أخر بوجود الله، لكنهم يُنكرون كافة الأمور الغيبية الإلهية المترتبة على هذا الإقرار، كما ينكرون فكرة ودور النبوة. ويندرج تحت هذا المفهوم الفلاسفة الوضعيين، وبعض تأويلات الفيلسوف اليهودي سبينوزا، والفيلسوف الإسكتلندي ديفيد هيوم.
وبانتهاء هذه التصنيف والضبط المفاهيمي لمفهم "الإلحاد" يُمكننا أن نعرف بدقة تصنيفات الإنسان الملحد، ونوع الإلحاد المنتشر بيننا في بلادنا، والذي يقتصر في الأغلب الأعم على الإلحاد العملي، وهو موقف من يُقر نظريًا بوجود إله، لكنه يتصرف في حياته ومواقفه وعلاقاته كما لو لم يكن هناك إله، والذي وصفه ببلاغة عظيمة الراحل نجيب محفوظ في روايته "حديث الصباح والمساء"، عندما قال عن أحد أبطالها: " يكاد لرقة دينه أن يكون بلا دين من غير إلحاد".
أما الإلحاد النظري بتصنيفاته المختلفة فهو نادر الوجود بيننا في مصر والعالم العربي، ويُمكن في حال وجوده مواجهته بأدلة وبراهين فلسفية موازية تنقد منطلقاته وتدحض دعائمه، وتُثبت أن الإيمان بالله فكرة أكثر واقعية ومنطقية وتاريخية.
0 تعليق