إفيه يكتبه روبير الفارس: نداهة السوشيال

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
google news

تنزع أسطورة النداهة عنك إرادتك، تدخلك في عالمها بلا وعي، ثم تحرقك تمامًا، من هذه الفكرة استلهم المبدع الكبير يوسف إدريس قصته "النداهة"، التي تحولت إلى فيلم من بطولة ماجدة وشكري سرحان وإيهاب نافع، وإخراج حسين كمال. ويبقى أثره القريب في جملة أغنيته المتكررة: "شيء من بعيد نداني" وبلا مقاومة، تستسلم الفلاحة "ماجدة" إلى سحر المدينة المتوحشة، النداهة، رغم تجربة اغتصابها المريرة هناك وكعادتنا في إسقاط الحكايات على واقعنا، نجد أن النداهة التي تخلب العقول، وتنزع الإرادة، وتبتلع البشر في أيامنا هذه، هي وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف بالسوشيال ميديا، التي أصبحت وحشًا لا يرحم، يملك كشافات إضاءة تحفر وجوهًا بلا ظهر.  

تُظهر السوشيال ميديا المخفي من بوستات قليلة، وتدمر كثيرين من فيديوهات عابرة، ببساطة لأنها تمتلك قدرة هائلة على اغتصاب العقول بسهولة وورع أيضًا! لقد كشفت عن مساوئ تردي التعليم، الذي يمنحك شهادة محو أمية في مجال ما، لكنه لا يبني إنسانيتك بمختلف جوانبها. وأظهرت سطحية الإعلام الذي يلهث وراء كل ما هو "أصفر".  

وفي الوقت الذي يُفترض أن تلعب الثقافة دورًا في إصلاح ما أفسده التعليم والإعلام، والذي تظهره السوشيال ميديا بكل ما فيها من انغلاق، وضيق أفق، ورفض للمختلف، وتنمر، وسب وقذف. لكن الثقافة نفسها تعاني من محدودية، وشللية، وعجز رهيب. وهكذا تبتلع السوشيال العقول والقلوب بلا هوادة.  

ومؤخرًا، ظهرت دلائل على وجع هذا الالتهام الشرس. ففي فيديو لطبيبة ممارس عام وتتخصص في طب النساء والولادة.استخدمت مفردات وألفاظًا لم أسمعها حتى من "أم بشري"، الداية الشهيرة في بلدتنا بجنوب مصر. فور مشاهدتي لهذه الطبيبة القاسية، التي لا أدري كيف استطاعت أن تترك مريضة "تفرفر" وتمضي لأنها – في رأيها – لم تُربِّ ابنتها بشكل جيد، تذكرت الست "أم بشري". تلك الحكيمة البشوشة المكتنزة بخبرة جدودها المصريين القدماء، التي لم أسمع منها طوال عمرها المديد لفظًا خارجًا، ولم تتسلي  يومًا بفضح الأسر الآمنة.  

"أم بشرى، التي أدركت بفطرتها معنى "الستر"، رغم أنها لم تنل شهادة الثانوية العامة أو بكالوريوس الطب، امتلكت كل ما فقدته الطبيبة من حكمة ورحمة ودين بسيط. لم تهتم بجماهيرية ترند له أنياب. رحمة ونور عليكِ يا "أم بشرى".  

وعلى غرار الطبيبة التي انحدرت إلى بئر السوشيال، تزامنت حرب قادها رجل دين مسيحي "أسقف" - يُفترض أنه يمتلك الحكمة والقدرة على التعليم والوعظ - باستخدام السوشيال ميديا للتجييش ضد رئيسه الديني الطيب، حيث  سرَّب بيانا على "فيسبوك" شوَّه فيه أبرياء، مملوءًا بجهل دموي، وترافق ذلك مع إنشاء مجموعة على "واتساب" لنفس الغرض.  

ماذا فعلت السوشيال ميديا في الناس؟ إنها أداة حداثة اقتحمت حياة  "مغيب " وجعلته عاريًا من التعليم والفكر، عاريًا من كل شيء إلا "رياكت" متعدد الأشكال، وتعليقات لا تخلو من قسوة، ورغبة في "مشاركة" الرديء بكثرة.  

إفيه قبل الوداع

 إحنا أصبحنا في مجتمع مفتوح.  
 وأنا أقول: "الهوا ده جاي منين؟! (فيلم "حمادة يلعب")

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق