اعتبر محمد أمين بنعبد الله، رئيس المحكمة الدستورية، أن اللجوء إلى القضاء الدستوري “ليس عيبا ولا يعبر عن صراع أو عراكٍ بين السلطات، بل هو ممارسة تبتغي تطهير القوانين بطريقة دستورية حتى تصير بكاملها تابعة للدستور”.
واستعرض بنعبد الله، ضمن محاضرة احتضنتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، كرونولوجيا تطور القضاء الدستوري بالمملكة، مركّزا على تجربتيْ المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية، ومحاولا بسط خصائص كل واحدة على حدة.
مفصّلا في هذه النقطة ذكر المسؤول ذاته أن “المجلس الدستوري إلى غاية سنة 2017 أصدر 1043 قرارا تهم 14 قانونا عاديا و52 قانونا تنظيميا و26 نظاما داخليا، في وقت تم ولما يصل 45 مرة التمييز بين المجال التشريعي والمجال التنظيمي، فضلا عن 792 قرارا تهم الانتخابات”.
أما المحكمة الدستورية، وفق رئيسها، فأصدرت منذ 2017 إلى أمس “246 قرارا تهم 20 قانونا تنظيميا و8 أنظمة داخلية، في حين أن 128 قرارا من بين هذه القرارات هَمّت الانتخابات في نهاية المطاف”، الأمر الذي جعله يؤكد أن “القضاء الدستوري لا يجب أن يكون هو الذي ينتظر طرق أبوابه من قبل الفاعلين”.
كما كشف المتحدث ذاته أن “6 أطراف هي التي لها الحق في طرق باب المحكمة الدستورية، بداية بالملك، ثم رئيس الحكومة، ورئيسي مجلسيْ النواب والمستشارين، فضلا عن النواب والمستشارين البرلمانيين كذلك”، متابعا: “قلة اللجوء إلى المحكمة الدستورية تقتضي إذن مساءلة رئيسيْ مجلس النواب ومجلس المستشارين لعدم تفعيلهما هذا الاختصاص”.
ودافع بنعبد الله عن فكرة اللجوء إلى المحكمة الدستورية عندما “يوجد هناك قانون يثير الكثير من الأطاريح، إذ يجب أن يتم تطهيره من الناحية القانونية، على اعتبار أن اللجوء إلى القاضي الدستوري في هذا الصدد مهم ما دام أنه ليس ضد الآخر”، وزاد: “هناك مجموعة من القوانين التي تروج حاليا، بما فيها قانون المسطرة المدنية والقانون الجنائي، وأعتقد أنه من الصواب أن تعرض على المحكمة الدستورية، إذ لا يعقل أن تكون الأخيرة هي التي تنتظر من يلجأ إليها”.
وأعاد رئيس المحكمة الدستورية القول إن “التوجه إلى القضاء الدستوري ليس ضد الآخر، في حين أن قلة التوجه نحوه تؤكد على ضرورة وضع الأصبع على الخلل، من أجل المرور من الحسن إلى الأحسن، وأن نُقلص من هذه الوضعية”، مشيرا إلى “وجود 19 إحالة كلها ذات صبغة سياسية. وعندما تكون المعارضة على غير خلاف مع الحكومة يكون هناك اتفاق على حساب المواطنين”، وتابع: “أنا أعتقد أن هذه مؤامرة، فيما من يحس بمرارة القانون هم أولادُنا وأحفادنا إذا تسرّب إلى النفاذ”.
المسؤول ذاته أورد أنه “كان بإمكان قرارات وقوانين سابقة أن تحال على القضاء الدستوري، بما فيها الذي يخص الجمعيات، خصوصا في ما يتعلق بالوصل المؤقت والنهائي، إذ كان يجب أن نعرف مدى دستورية ذلك من عدمها، فضلا عن قانون آخر صدر في التسعينيات يتعلق بلائحة للأسماء الموجهة للاعتماد بالنسبة للأشخاص، وهو الأمر نفسه كذلك بالنسبة للقانون الذي يخص الأحزاب السياسية، إذ كان من الموجب أن يحال على القضاء الدستوري كذلك”.
محمد أمين بنعبد الله تحدث كذلك عن مسألة “الدفع بعدم دستورية القوانين”، وكشف أن “القانون التنظيمي في هذا الصدد سيمكن من ترسيخ دولة الحق والقانون التي نبقى شغوفين بها ونسعى إليها من خلال دستور سنة 2011 الذي جاء بأكثر من ستين فصلا تهم الحريات والحقوق، بعدما كانت الدساتير ما بين 1962 و1996 تتضمن 18 مادة بهذا الخصوص يتم الإبقاء عليها”.
وزاد المتحدث: “هذه الحريات والحقوق التي ينص عليها الدستور لا يمكن أن تصان إلا بالدفع بعدم دستورية القوانين، إذ إن هذه الإمكانية تبقى مهمة بالنظر إلى أن دستورنا هو من أكثر الدساتير المحتوية على فصول خاصة بالحقوق والحريات؛ وقد جاء بعد الخطاب التاريخي الملكي بتاريخ 09 مارس 2011”.
وذكر المسؤول عينه، أمام جمع من الدكاترة والأساتذة الباحثين والطلبة المتخصصين في القانون العام والدستوري على الخصوص، أنه “إذا كانت هناك قوانينٌ مثلا تنافي مسألة التكافؤ بين الرجال والنساء فهنا نجد أهمية الدفع بعدم الدستورية، استنادا إلى ما نص عليه دستور سنة 2011″، وتابع: “لتدبير هذا الأمر يجب الاستعداد لهذه المرحلة وتحسيس المحامين والمواطنين لنكون أمام هذه الممارسة الجديدة. ولا بد كذلك من تنظيم مناظرات وحديثِ الجامعات عن الأمر”، مردفا: “لا بد كذلك من الوعي السياسي للسياسيين حتى يعدلوا عن فكرة أن اللجوء إلى المحكمة الدستورية عمل سياسي، بل هو عمل سياسي قصد الحفاظ على الدستور”.
وفي سياق متصل يتعلق بموضوع الندوة قال محمد أمين بنعبد الله إن “فكرة المراقبة الدستورية ليست بالحديثة بالمغرب، بل سبق أن تضمنها مشروع دستور سنة 1908″، مواصلا: “هناك اجتهادٌ إذن يمكننا من القول إن المراقبة الدستورية ليست محتكرة من قبل الدول الغربية، فهذه الفكرة ثابتة في مختلف المجتمعات دون أن نحاول حصرها في الدول الغربية”.
وأكد المتحدث أن “الدستور عندما يصدر ليس صورة أو شيئا ينبغي أن نتوفر عليه لكي نهمله، بل هو الوثيقة الأولى التي تجمعنا”، موضحا أن “الاجتهاد القضائي هو الذي كان الحسنُ الثاني ينتظره من القضاة الدستوريين، إذ كان يريد خلق مدرسة للقضاء الدستوري”، خالصا إلى أنه “لا بد من مراقبة دستورية تجعلنا في مصاف الدولة الديمقراطية”.
وكان المسؤول ذاته أشار في بداية المحاضرة التي حضرها جمع من المهتمين إلى مسألة التحفظ التي يوجبها عليه منصبه كرئيس للمحكمة الدستورية، إذ اعتبر أنه لن يكتفي بـ”محاضرة بريئة” بل ستكون هناك “ملاحظات مهمة ومحترمة لواجب التحفظ”، إذ إنه “لأول مرة يلقي مسؤول بالمحكمة الدستورية ملاحظة حول المراقبة الدستورية؛ غير أن التحفظ في نهاية المطاف لا يعني الكتمان”، مشيدا بأهمية “وجود تواصل بين الجامعة والقضاء”.
0 تعليق