إن موضوع صيام القضاء يوم الجمعة والنظر في مشروعيته أو كراهته يشغل بال الكثير من المسلمين، حيث يتطلب الأمر فهماً واضحاً للأحكام الشرعية المتعلقة بهذا اليوم المبارك،يوم الجمعة له مكانة عظيمة في الإسلام، فهو اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون لأداء صلاة الجمعة، ويعتبر من الأيام التي تتضمن تفضيلاً خاصًا تتميز به عن باقي أيام الأسبوع،في هذا البحث، سنقوم بمناقشة آراء الفقهاء حول هذا الموضوع وتوضيح الأدلة الشرعية المتاحة، مما سيساعد في فهم مسألة الصيام في هذا اليوم بشكل أعمق.
هل يجوز صيام القضاء يوم الجمعة
يقول الفقهاء من مختلف المدارس الفقهية بأن إفراد يوم الجمعة بالصيام سواء كان ذلك قضاءً أو تطوعًا يُكره، وإنه ليس محرمًا بالمعنى القاطع،وتتعدد التفسيرات حول ذلك، ولكن الرأي العام بين الفقهاء هو أن كراهية إفراد هذا اليوم بالصيام تعود إلى طبيعة العبادات المخصصة له.
كما تجدر الإشارة إلى أن العلماء قد اتفقوا على هذا الرأي، مع وجود بعض التفاصيل التي توضح الحالات التي قد يتجاوز فيها المسلم هذا النهي، مثل صيام المسلم في أيام أخرى متصلة قبل أو بعد يوم الجمعة.
آراء الفقهاء في صيام يوم الجمعة
لقد اتفق العلماء القدماء والمحدثين في هذا الأمر، وعبّروا عن كراهية إفراد يوم الجمعة بالصيام،في هذا السياق، نجد أن الإمام النووي قد أفاد برأيه في كتابه “المجموع شرح المهذب”، حيث قال “يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ وَصَلَهُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ، فَلَمْ يُكْرَهْ”،هذا يشير بوضوح إلى أن الكراهة تنبع من إفراد اليوم فقط دون ارتباط أو صلة بأيام أخرى.
أيضًا، ابن قدامة في كتابه “المغني” ذكر أن صيام يوم الجمعة يُكره لأحدٍ يُفرد هذا اليوم دون صيام آخر قبله أو بعده،وأشار إلى أنه إذا كان صيام يوم الجمعة متصلًا بعادة الجسم وطبيعته، فلا كراهة في ذلك.
أما بالنسبة للفقهاء المتأخرين، فقد أوضح الشيخ ابن عثيمين في “الشرح الممتنع” أن صيام الجمعة بمفرده مكروه، ولكنه مسموح به في حالة قضاء يوم من رمضان، بشرط توافق ذلك مع يوم الجمعة.
أدلة القائلين بالكراهة
من المعلوم أن العديد من الأدلة الشرعية تدعم كراهية صيام الجمعة، وهنا بعض هذه الأدلة
الدليل الأول
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يَصُومَنَّ أحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أوْ بَعْدَهُ” (صحيح البخاري 1985)،وهذا النص ينص بشكل واضح على النهي عن صيام يوم الجمعة بمفرده، مع إمكانية صيام اليوم السابق أو التالي.
الدليل الثاني
كما يروي أبو هريرة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تَخْتَصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيَامٍ مِن بَيْنِ الأيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكونَ في صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ” (صحيح مسلم 1144)،هذا الحديث يدعم حكم الكراهة، لكنه يبيح الاستثناء في حالات معينة.
الدليل الثالث
ورد أيضًا في صحيح البخاري أن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها كانت صائمة يوم الجمعة، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم إن كانت قد صامت يوم الخميس أو تريد الصيام يوم السبت، وعندما لم ترغب بذلك، أمرها بالإفطار،وهذا يدل على أن صيام الجمعة بمفرده غير مستحب.
الحكمة من النهي عن صيام الجمعة
يتساءل الكثير عن الحكمة وراء كراهية صيام الجمعة،من الملاحظ أن بعض العلماء يجادلون بأن النهي عن الصيام يتعلق بحماية الفروض والعبادات التي تتزامن مع هذا اليوم،حيث قال الله في القرآن الكريم “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ” (الجمعة 10)،هذا يعكس أهمية أداء العبادات بدون مشقة أو تعب ناتج عن الصيام، ويساعد المسلم على القيام بهذه الفروض على أكمل وجه.
كما يذهب بعض العلماء إلى أن النهي قد يكون خشية من فرض المزيد من الصيام على المسلمين كما يحدث في الديانات الأخرى،وبالتالي فإن هذا النهي يمثل أحد أبعاد الحماية للحفاظ على هوية اليوم وأبداعات العبادات المتعلقة به.
ختامًا، إن الموضوعات المتعلقة بالعبادات وتطبيقاتها تحتاج إلى دراسة متعمقة وتفحص دقيق، فمن خلال هذه الآراء والأدلة يمكن للمسلمين فهم الموقف الشرعي بشكل أوضح، مما يعزز ممارستهم لأحكام دينهم بطريقة تضمن اتباع السُنة.
0 تعليق