مؤمن الجندي يكتب: عرّافة الكواكب في شقة "سِباخ"

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زاوية معتمة من مساء صاخب، جلست العرّافة تملأ صفحاتها بنبضات المستقبل.. مرّت أصابعها المرتعشة فوق كرة بلّورية، وهي تهمس بما لا يُفهم ولا يُقال! إنها ليلة التنجيم، حيث يجلس البعض معتقدًا أن الكون قد باح بأسراره لأولئك الذين يقرأون خطوط السماء.

خرجت إلينا عبر شاشات مضاءة ومنصّات مسكونة بالفضول.. كانت بثقة مَن حاز مفاتيح الزمن تقول: "الأهلي سيُتوج بكأس مصر 2025 بلا منازع!"، انقلبت الأعين واستيقظت الدهشة، إذ كيف يحصد فريق كأسًا لن ينزل أرض الملعب أصلًا؟

الأهلي، النادي العريق، كما اعتاد يملأ البطولات حضورًا، لكنه في ذلك العام سيغيب! فلا منافسة ولا كأس، لن يشارك من الأساس؛ لكن في كلماتها الواثقة صُنعَت البطولة ونُسجت الحكاية.. حكاية تُذكرك بما لا تراه العيون ولا تصدقه العقول.

توقفت الجماهير أمام هذا المشهد المربك، أهو كشف للغيب أم وهم تجمل؟ لعل العرّافة اعتقدت أن الناس أسرى للغموض، وأنّ كرةً زجاجية قد تسوق الوهم كحقيقة.

غير أن الحكايات الساذجة تنهار دائمًا تحت ثقل الواقع.. لا نبوءة تُزهر في حقل بلا بذور، ولا كأس يُرفع دون أن يمر عبر الملاعب، والعرّافة التي تصرفت كملكة للأسرار، كشفت عن جهلها على الملأ.

فكرة "معرفة الغيب" باتت سلعة رائجة! تُباع في المقاهي الصامتة، وعلى ألسنة المتنبئين الزائفين، لكن بين أوراق الحقيقة.. الغيب لا يملكه إلا مَن خلق السماء، والغرور وحده يدفع البعض لتقمص دور الإله.

أغلقت العرّافة بابها.. ربما تراجعت، أو ربما هي تبحث عن تنبؤ آخر لعله ينقذ ما تبقى من سُلطانها الموهوم! ولكن الأكيد أن ذاكرة الناس تحتفظ باسمها كشاهدة على قصة خاسرة.. قصة نبوءة كشفت كذب أصحابها قبل أن تبدأ.

قصة خاسرة لعرافة موهومة

في مشهد العرّافة الذي ظهر لنا في برنامج تليفزيوني شهير حول القناة لصورة أخرى، تتجلى من عالم "شقة الخرافات" الشهيرة لعم "سباخ" في فيلم البيضة والحجر، حيث تحولت الشقة إلى معبد للأوهام، وملاذ للباحثين عن حلول في ظلام العقول.. تمامًا كما صنع "سباخ" من اللاشيء أسرارًا تُباع، صنعت العرّافة من كلماتها المرتعشة بطولة لا وجود لها، لتعيدنا إلى نفس الدائرة؛ دائرة استغلال السذاجة وبيع الوهم المغلف بغلاف الغيب والمعرفة المزعومة! لكن كما كشف "حسن" بعبقرية أحمد زكي حقيقة التلاعب بالعقول، يفضح الواقع اليوم كل عرّاف متكئ على الجهل، وكل كرة بلورية تحاول أن تخفي وراءها فراغًا كبيرًا.

في النهاية، العرافون وأشباههم ليسوا سوى سراب يتراقص أمام أعين السذج، يبيعون الوهم ويلبسون ثوب المعرفة الزائفة.. الغيبُ بيد الله وحده، ومن تسول له نفسه ادعاءه يعبث بالعقول والقلوب! احذروا أن تسلموا مصائركم لأيدي الدجالين؛ فالخرافة لا تصنع مستقبلًا، بل تسرق الحاضر وتشوه الحقيقة.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق