قرار أممي حول الصحراء يعزز مواقف المغرب ويضعف الأطروحات الانفصالية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة والنزاعات الإقليمية المعقدة، يبرز ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية كواحد من أهم الملفات التي تستقطب اهتمام المجتمع الدولي. تسعى الأطراف الدولية إلى دفع الجهود نحو تسوية هذا النزاع على أسس واقعية ودائمة في إطار الشرعية الدولية، مع التأكيد على أهمية حث الأطراف المحركة للصراع على تبني حلول سياسية تفاوضية بعيدا عن التصعيد والخطابات المتشددة. يهدف ذلك إلى ضمان الاستقرار الإقليمي وتعزيز السلام العالمي.

في هذا السياق، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء المنصرم، قرارا جدَّدت من خلاله تأكيد دعمها للعملية السياسية الحالية التي يشرف عليها بشكل حصري مجلس الأمن الدولي لتسوية هذا النزاع الإقليمي. يدعو هذا القرار جميع الأطراف المعنية إلى التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة بهدف الوصول إلى تسوية سياسية ومقبولة تستند إلى قرارات مجلس الأمن.

وتشدد هذه القرارات على مركزية آلية “الموائد المستديرة”، التي تضم إلى جانب المغرب وجبهة البوليساريو كلا من موريتانيا والجزائر. ومع ذلك، تستمر هذه الأخيرة في رفض هذه الآلية، مدعية أنها ليست طرفا في النزاع حول الصحراء؛ وهو ما يعيق التقدم نحو حل شامل ويزيد من تعقيد الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق تسوية دائمة لهذا الملف.

قناعة دولية ورسالة إلى الجزائر

في هذا الصدد، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “اعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم العملية السياسية تحت رعاية مجلس الأمن يعكس حرص المجتمع الدولي على تعزيز إطار قانوني وسياسي موحد لتسوية النزاع”، مضيفا أن “هذا القرار يؤكد أن مجلس الأمن هو الهيئة المختصة والقادرة على إدارة هذا الملف الشائك بما يضمن انسجام الجهود الدولية. وهذا يعكس، من منظور جيوستراتيجي، إدراك المجتمع الدولي لأهمية احتواء النزاعات الإقليمية ضمن آليات الأمم المتحدة لتجنب أي تصعيد قد يهدد الاستقرار الإقليمي أو الأمن الدولي”.

وأضاف معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الدعم يؤكد أن التوجه نحو الحلول السياسية هو المسار الوحيد المقبول من قبل المجتمع الدولي، إذ يغلق التركيز على الدور الحصري لمجلس الأمن الطريق أمام المحاولات الرامية إلى تحريف مسار العملية السياسية أو تشتيتها عبر مسارات موازية لا تعكس الإجماع الدولي”، معتبرا أن “هذا القرار يعد مؤشرا واضحا على رفض الجمعية العامة لأية حلول خارج مسار التسوية السياسية لهذا النزاع؛ وهو ما يعزز جهود الأمم المتحدة في دعم عملية قائمة على الحوار والتفاوض ويضمن توفير الدعم السياسي المطلوب لاستمرارية العملية السياسية”.

وتابع بأن “دعوة القرار إلى التعاون بين الأطراف تعبر عن حاجة ملحة إلى بناء الثقة بين الفرقاء كأساس لأية عملية سياسية ناجحة، حيث تعكس هذه الدعوة إصرار المجتمع الدولي على تجاوز الجمود السياسي من خلال تشجيع الأطراف على الانخراط في حوار صادق وبنّاء. ثم إن التعاون بين الأطراف لا يعني فقط الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، بل هو شرط أساسي لتحقيق تقدم فعلي في المفاوضات وضمان تحقيق مصالح جميع الأطراف. وهنا، الرسالة موجهة خاصة ومبدئيا إلى النظام الجزائري”.

وبيّن أن “هذا الموقف ينطوي على إشارة قوية إلى الأطراف المعنية بضرورة الابتعاد عن الخطابات التصعيدية التي يتبناها النظام العسكري الجزائري والانتقال إلى خطوات عملية تعكس حسن النية، إذ يسهم التعاون بين الأطراف في تعزيز الاستقرار الإقليمي ويقلل من خطر التدخلات الخارجية التي قد تستغل النزاع لتحقيق مكاسب جيوسياسية”، مشددا على أن “هذه الدعوة الدولية تعكس قناعة بأن التعاون ليس خيارا فقط؛ بل ضرورة حتمية لتجاوز الأزمات المتراكمة وبناء مستقبل أكثر استقرارا للمنطقة”.

وأكد معتضد أن “القرار يمثل خطوة إيجابية تخدم الأهداف الاستراتيجية والدبلوماسية للمغرب، حيث يتماشى مع التوجه الذي يدعو إليه منذ سنوات والمتمثل في إيجاد حل سياسي دائم قائم على مبادرة الحكم الذاتي؛ فدعم الجمعية العامة لهذا المسار يعزز من مصداقية المغرب كشريك ملتزم بالشرعية الدولية ويسهم في ترسيخ مكانته كطرف مسؤول في إدارة النزاع. كما يُضعف الأطروحات الأخرى التي تتعارض مع مبادرات المغرب ويبرز دعم المجتمع الدولي للجهود المغربية”.

مواقف ضعيفة وانتصارات مغربية

من جهته، أورد جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “القرار، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية والذي جدد دعمه للعملية السياسية التي تجري تحت الرعاية الحصرية لمجلس الأمن، يشكل تأكيدا قويا على الموقف المغربي الواضح. كما يحمل القرار في طياته جملة من الدلالات الهامة والرئيسية”.

ومن هذه الدلالات، أضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، التأكيد على “الشرعية الدولية للعملية السياسية التي يقودها مجلس الأمن؛ لما للجمعية العامة من رمزية كونها تمثل كل دول العالم المنضوية تحت الأمم المتحدة. بالإضافة إلى أن هذا القرار يضع أي حل خارج إطار هذا المسار في موقف ضعيف ويقطع الطريق على أي محاولات لتغيير إطار التفاوض أو إدخال جهات أخرى غير معنية”.

وزاد موضحا: “كما يمكن تفسير دعم الجمعية العامة للعملية السياسية بقيادة مجلس الأمن بكونها تسير على نفس نهج مجلس الأمن الذي يدعو إلى حل سياسي وواقعي وعملي؛ وهو ما ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي يقدمها المغرب كحل لهذا النزاع، حيث تعتبر الأساس لأية مفاوضات سلام حالية أو مستقبلية، أمام إفلاس الطرح التقليدي الانفصالي الذي لم يعد يجد له مكانا ضمن أي من القرارات الأممية”.

ولفت الباحث في القانون الدولي إلى أن “هذا القرار يدعو إلى التعاون بشكل بنّاء مع المبعوث الأممي من أجل التوصل إلى حل سياسي. وهو بذلك يعزل الأطراف المتشددة التي ترفض الحوار؛ بل ويضيق الخناق عليها. كما يعزز من الموقف المغربي الآخذ في التوسع على الساحة الدولية ويمنحه شرعية إضافية، فيما يفرض ضغطا إضافيا على الأطراف الأخرى، خاصة البوليساريو ومن يدعمها، للقبول بالحوار والعملية السياسية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق