مغاغة تحظى بشهرة كبيرة وثقها العميد فى سيرته الذاتية وجعلها مسرحًا لبعض أعماله
عندما تستمع منصتًا إلى إيقاع الموسيقى التى يخاطبك بها طه حسين فى كتاب الأيام وتستمتع بمشاهد القرية وسحرها الخلاب وأصوات نزول المياه وزقزقة العصافير وصياح الديوك فى الصباح ولهو الأرانب بين الزراعات وصوت العائدين فى المساء وبين موسيقى ورنين الكلمات تشعر بالحنين للعودة إلى الطفولة، ودخول هذا العالم الذى يحكى عنه عميد الأدب العربى بين سطور كتاب "الأيام" الذى رسم فيه عالمًا قصصيًا بأسلوب أدبى مشوق يثير داخلك الرغبة فى أن تذهب فى رحلة إلى موطن هذا العالم الذى ذكره طه حسين فى كتاب "الأيام".
عندما تتخذ القرار للذهاب إلى هذا العالم عليك أن تسلك الطريق الزراعى أو الطريق الصحراوى أو عن طريق القطار حينها تمر بين القرى والنجوع وأنت تقلب صفحات كتاب الأيام وتقرأ فى الكتاب تارة وتنظر إلى الأشجار والنخيل تارة أخرى على جانبى الطريق وأنت تستعد لدخول هذا العالم الذى حكى عنه طه حسين وصورة فى كتاب "الأيام".
فى فترة الظهيرة، هنا فى مغاغة توقف الزمن وكأنك تشاهد فيلما من أربعينيات القرن الماضى حيث تسمع ضجيج السيارات والترويسكلات وأصوات نغمات منتظمة تميزها الأذن من احتكاك حدوة الحصان بأرض شارع طه حسين والذى أول مايقابلك فى موطن ميلاد طه حسين وعندما تعبر مزلقان السكة الحديد تجد الباعة الجائلين على جانبى الطريق وتسمع جرس وشخاليل الحنطور النحاسية اللامعة بين جنبات الميدان، وترى الأطفال تتسابق للركوب بجانب سائق الحنطور وعلى الجانب الآخر تجد زفة عروسين تتسابق بها الحناطير المزينة بالورود فى مشهد يعود بك إلى العشرينيات والثلاثينيات عندما كانت الحناطير هى وسيلة المواصلات الوحيدة لعائلات الزمن الجميل فتجد الحناطير تتصدر مشهد رحلة الذهاب إلى موطن ميلاد طه حسين حيث تجد أصوات صهيل الخيل ورنة "حدوة الأحصنة" تمثل سيمفونيات اعتاد على سماعها كل من يتردد على هذه المنطقة لعلها واحدة من المدن القليلة فى مصر التى ما زالت تحتفظ بالحنطور باعتباره وسيلة مواصلاتها الرئيسية التى يستخدمها معظم الأهالي، إنها مدينة مغاغة، التابعة لمحافظة المنيا التى تحظى بشهرة كبيرة باعتبارها مسقط رأس «عميد الأدب العربي» الدكتور طه حسين، الذى جعل منها مسرحًا لبعض أعماله التى من بينها سيرته الذاتية «الأيام»، أما شوارعها فما زالت حتى الآن تحتفظ بالكثير من هدوئها، ورغم الإضافات العمرانية التى أدت إلى زيادة رقعتها السكانية، لم تشهد حتى الآن باستثناء السيارات الخاصة والدراجات النارية التى يمتلكها البعض، أى نوع من وسائل المواصلات التى غزت غيرها من المدن، بما فى ذلك سيارات الأجرة، أو مركبات "التوكتوك"، الذى لا وجود له مطلقًا فى أى من أحياء المدينة.
وعلى بعد أمتار من مزلقان السكة الحديد يظهر ذلك التمثال الشامخ لعميد الأدب العربى الذى يقف وسط شارع طه حسين ليعرب عن انتمائه لهذا المكان ويعلن للزائرين أن هنا موطن الذكريات وهنا تشاهد صفحات قصة الأيام، وحول ذلك التمثال فى هذا الميدان يقف سائقو التروسيكل وسائقو الحناطير والموتوسيكلات ينتظرون الركاب وبين كل هذا الضجيج يقف "محمود" بائع السندوتشات الذى أغرم بالقراءة وعشق روايات طه حسين واتخذ من قصته فى تحدى الظلام دافعا له لكى يتحدى الصعاب ويحقق المستحيل ويقول "محمود" سمعت كثيرا من أجدادى عن الدكتور طه حسين ونحن نعتبره فخر بلدنا ونتمنى أن تنشأ مكتبة كبيرة باسمه وأنا فخور أنى أقف تحت هذا التمثال الشامخ الذى يعد رمزا لمفكر وأديب عالمى نادى بمجانية التعليم وكان رمزا ومنبرا للثقافة والأدب فى تاريخ مصر
«عزبة الكيلو».. ذكريات النور التى ظلت فى ذاكرة العميد
قام الشاب "محمود" بشرح طريقة الوصول إلى عزبة الكيلو التى تبعد أمتارا عن ميدان طه حسين وهنا عليك الاجتهاد حتى تصل إلى المنطقة الرئيسية التى ولد وعاش فيها الدكتور طه حسين، ورغم تغير ملامح المنطقة وتحول المنازل القروية البسيطة إلى عمارات سكنية شاهقة، واختفاء معالم العزبه نهائيا، إلا أنه ما زالت منطقة صغيرة تضم مجموعة من المنازل تحتفظ بالاسم حتى الآن، ليظل اسم القرية يحمل تاريخ الدكتور طه حسين،
ولأن لكل شارع حكاية مختلفة، تشعر وكأنك تعيش بداخلها، فعزبة الكيلو التابعة لمركز مغاغة احتضنت واحدة من أهم وأبرز القصص الملهمة، وهى قصة نشأة الراحل طه حسين، الذى يعد واحدًا من أهم رواد العلم والمعرفة فى تاريخ مصر. ورغم تعاقب الأجيال واختفاء السير والذكريات إلا أنك تسمع من الكثير كلمة سمعنا عن الدكتور طه حسين، ولكن قبل ذهابنا إلى عزبة الكيلو، كانت لدينا صورة ذهنية مختلفة عن تلك التى وجدت بالجولة الميدانية بالعزبة والتى مصدرها كتاب الأيام، الذى حكى خلال صفحاته عميد الأدب العربى، تفاصيل نشأته فى تلك العزبة، التى كان لطبيعتها أثر فى تشكيل حياته الأدبية.
وهنا فى عزبة الكيلو يبقى جيل الأبناء والأحفاد ليروى ذكريات الآباء والأجداد، كاشفًا تفاصيل جديدة فى حياة العميد، أبرزها حكاياته مع الشيخ الغريب، محفظ القرآن الكريم، الذى رفض لقاء طه حسين بالقاهرة، كذلك رحلته مع الشيخ توفيق المخزنجى، للدراسة بالأزهر الشريف.
والتقينا "صلاح عيسى" أحد القيادات الشبابية بمغاغة.. "من منا لا يحب العميد وكروانه"، جملة قالها صلاح عيسى ذاك المغرم بطه حسين، وبفكره وأدبه ونضاله فى الحياة والحب والأدب مؤكدا أن طه حسين لم يكن أستاذًا جامعيًّا مرموقًا ومفكرًا تقدميًّا عصريًّا مستنيرًا من طراز فريد فحسب، بل كان قيمة شامخة فى مواقفه، وأضاف أن ذكريات هذه المنطقة امتدت لثلاثة عشر عاما من حياة طه حسين قبل أن يرحل عنها مسافرا لطلب العلم فى الجامع الأزهر بعد أن قرر أبوه إرساله إلى القاهرة ليقيم لدى أخيه الأزهرى أحمد.
مؤكدا أن صفحات قصة " الأيام" تضمنت مشاهد من لهو طفولى للطفل الذى تحدى الإعاقة الذى كان يتعرف على العالم من خلال الأصوات، كصوت الشاعر العزب، وصياح الديكة، «المبشرة بالصباح»، ولهوه بالاستماع إلى الأحاديث والقصص الشعبية، وشعر «الهلاليين والزناتى خليفة والأدعية والأناشيد " وحكايات سياج القصب الممتد إلى ما لا نهاية فى جهة وقناة المياه التى تحده فى الجهة الأخرى والأرانب التى تقفز إلى ما وراءه وحديقة المعلم والكلبان الرابضان أمام بيت العدويين، تلك هى حدود عالم الطفل الصغير الذى تلاشت قدرة عينيه على أن ترى النور بعد ذلك.
وكان الواقع مغايرا لكل تلك التصورات، فالعزبة، التى كانت تفصلها عن مركز مغاغة، طرق غير ممهدة، خلال سنوات طفولة عميد الأدب العربى، باتت أقرب للكتلة السكانية، بفعل الزحام، وامتداد العمران الذى تصدر المشهد العام للعزبة أما عن منزل عميد الأدب العربي، فتم هدمه من قديم الزمن واشتراه رجل آخر ليبنى مكانه عمارة مكونة من أربعة طوابق، وأسفلها صيدلية، وأما عن الكُتاب الذى كان يحفظ فيه القرآن فتحول مع مرور الزمن والأيام إلى مكان تجارى لبيع الملابس، لتختفى صورة الشارع الذى تربى فيه طه حسين ويتحول إلى شارع تجارى لبيع الملابس الجاهزة.
وأضاف أحمد عبد الحكيم من جيران طه حسين أن هذا المكان تغير عما كان قديما فكما ذكر طه حسين فى روايته أنه كان يرى ترعة وزرعا وحياة قروية ريفية، ولكن تلك الحياة تغيرت، ولكن أهمية هذا المكان ليس فقط أنه شهد مسقط رأسه، بل لأنها أيضا، الموضع الوحيد الذى رأى فيه طه حسين النور، فعندما خطا الطفل «طه حسين على سلامة» المولود فى «عزبة الكيلو» أولى خطواته فى سن الرابعة، كان النور فى عينيه قد ذهب، وما لبث أن انطفأ نهائيا وظلت مشاهد ذكريات العزبة أمام منزلهم فى ذاكرته والتى أدركها بالعينين قبل أن يصيبهما الرمد وينتقل إلى عالم الظلام الأبدى، كان الطفل يعيش عالما آخر فى خياله، كما ذكر فى كتابة الأيام مثل العفاريت التى تحوم فى أجواء الغرفة عند النوم وخاصة شبح ذاك المارد الرابض فوق رأسه والطفل يتلحف بغطائه، فلا يترك ثغرة صغيرة يمكن أن ينفذ منها. أيضا العالم السفلى تحت الأرض حيث تلوذ به العفاريت هاربة من نور الفجر الذى يتحسسه الطفل طه بأذنيه هذه المرة من أصوات فتيات العزبة وهن يرددن الأغانى «الله يا ليل الله» فى طريقهن لملء جرارهن بالمياه كعادة يومية ارتبطت بظهور نور الفجر فى الريف المصرى ويعرف الطفل وهو السابع فى الترتيب بين إخوته، أن الضوء قد غمر الأرض، فيقفز من فراشه ليبدأ يومه كعفريت آدمى يرتعد من الظلام الذى يعيش فيه ولكنه لا يخشى النور وإن لم يره.
وأضاف أنه كان أيضا لديه خيالات عن تماسيح فى قناة الماء وأسماك فى جوف إحداها خاتم سليمان الذى طالما حلم الطفل بامتلاكه ليحول أحلامه إلى حقائق ويبدل خوفه أمنا ويشفى عينيه، كان هذا المكان المحدود بقناة المياه من جهة واللانهائية من الجهة الأخرى، هو كل عالم طه حسين فى فترة مبكرة من عمر طفولته، فبمجرد التيقن من إصابته بالعمى الكامل، استسلم أبوه الموظف البسيط الذى كان يعمل قبانى بشركة السكر، للقدر فقرر أن يعهد بالطفل إلى كتاب الشيخ محمد جاد الرب وهو المؤسسة التعليمية الوحيدة فى العزبة، لكى يتعلم حفظ القرآن الكريم وتجويد قراءته ولكن بعدها اختلف عالم طه حسين، فتوارت عزبة الكيلو إلى الخلفيات البعيدة بسياجها القصبى اللانهائى والأرانب المتقافزة والقناة وشاعر الربابة وقصص أبو زيد والكتاب والعفاريت وكوابس ذات الخزام فى أنفها.
وأصبحت عزبة الكيلو لا تعدو أنها كانت موطن ذكريات لبصيص النور الوحيد فى حياته، غير أنه انشغل عنها برحلة العلم بالقاهرة ومنها شق طريقه إلى فرنسا ليدرس فى جامعاتها.
وداخل الشارع الذى ذكروا أن به منزل طه حسين، كانت المحال التجارية تطغى على المشهد أمام محل يقع فى منزل من عدة أدوار حدثنا "حسن جلال توفيق المخزنجى" وجده هو الحاج توفيق المخزنجى الذى تم ذكر اسمه فى كتاب "الأيام" وكان صديقا للدكتور طه حسين الذى رافقه فى حفظ القرآن والدراسة فى الأزهر الشريف، والذى أكد أن أسرة الدكتور طه حسين كانت تعيش هنا، ومع انتشار مرض الكوليرا فر الكثير من الأهالى إلى المناطق المجاورة، ومنهم من فر إلى القاهرة وكانت أسرة عميد الأدب العربى قد فضلت الذهاب إلى القاهرة فرا من ذلك المرض الفتاك وتركوا خلفهم ذلك الطفل الكفيف الذى تحول إلى عميد للأدب العربى مؤكدا أنه حفيد المخزنجى، أحد رموز عصر طه حسين، يقول كان جدى يعمل مخزنجيًّا فى شركة السكر بمدينة مغاغة، وكانت تعرف بالفبريكة، وشهرتها الفوريقة، وكانوا يسكنون فى عزبة الكيلو، وكان والد الدكتور طه حسين يعمل «قبانى» على ميزان السكر، وكان «طه»، وجدى، الشيخ توفيق المخزنجى، يحفظان القرآن معًا، وسافرا للدراسة فى الأزهر الشريف، ، فيما أكمل طه حسين تعليمه، حتى أصبح عميدًا للأدب العربى.
وأكد بأن جده كان رفيق طه حسين فى حفظ القرآن بكُتّاب الشيخ غريب، ولم يكن فى مغاغة كلها غير كُتّابين لتحفيظ القرآن الكريم فى ذلك الوقت، أولهما للشيخ جاد الرب الذى تعلم فيه طه حسين والثانى كُتَّاب الشيخ نوّار وقال إن عزبة الكيلو فى عهد طه حسين كانت قرية صغيرة تابعة لمركز مغاغة، وكانت تقع فى قلب المركز، كان طه حسين وأسرته من سكان المنطقة، وكانوا يشتهرون بالكرم والضيافة، وحالتهم بسيطة، وقد ترك عميد الأدب العربى تاريخا جميلا للمنطقة، رغم تغير ملامحها .
أما الحاج "خالد حسن المخزنجى" من عائلة المخزنجى التى عاشرت أسرة الدكتور طه حسين منذ عشرات السنين قال، إن الدكتور طه حسين وكما سمعنا من آبائنا عاش فى المنطقة حتى انتهت الكوليرا، وأصبح شابا، وظل يحفظ جميل الشيخ غريب عليه، لأن الدكتور طه حسين، عاش مع الشيخ غريب كل تلك السنوات، وحفظ منه القرآن الكريم، وكان يتعامل معه كوالده وأضاف قائلا من أهم ما كان يميز عميد الأدب العربى ذكاؤه وفطنته، وقدرته الكبيرة على التعلم، وعشقه للعلم، وكان أيضا مستمعا جيدا، ولا ينطق إلا بالقليل من الكلام، ويحب مجالسة الشيخ غريب جدا لدرجة أنه يكاد يكون لا يفارقه أبدا، وقد كان كتاب الشيخ غريب معروفا وكان يصدق على شهادات حفظ القرآن الطلاب وكانت شهادته معتمدة.
وأضاف أنه رغم ضيق حاله، إلا أن الموظف حسين على سلامة الذى كان يعمل "قبانى " بشركة السكر اهتم بتعليم أولاده، فنجد ابنه محمود الفتى النابغ الذى حصل على البكالوريا ثم شرع فى دراسة الطب ولكنه مات فى أثناء تطوعه للعمل فى مكافحة وباء الكوليرا الذى اجتاح مصر فى صيف عام ١٩٠٢، وكان موته فاجعة مروعة تبكيك عندما تقرأ عنها فى كتاب "الأيام" وهى من الأحداث التى أحزنت الأديب حزنا شديدا.
وأضاف أحمد حسن مصطفى المخزنجى، مهندس معمارى، وأحد سكان عزبة الكيلو، يؤكد أن عائلته، ذكرها عميد الأدب العربى فى الجزء الأول من كتابه الأيام مؤكدا أن جغرافية المكان فى عزبة الكيلو قد تغيرت لكن التاريخ لم يتغير، توارثه الأبناء والأحفاد، واستبدلت المنازل بالأبراج والعمارات السكنية، وتحولت الشوارع إلى محلات ومناطق تجارية، مع إطلاق اسم جدى (المخزنجى) على الشارع الرئيسى فى عزبة الكيلو.
وأضاف أن "عزبة الكيلو" كانت جزءا متطرفا من مدينة مغاغة وسميت بهذا الاسم نظرا إلى أنها كانت تبعد عن مصنع السكر بمسافة كيلومتر واحد، وأصبحت حاليا فى وسط المدينة. الصورة التى رسمها الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، لقريته ومسقط رأسه عزبة «الكيلو» بمدينة مغاغة بمحافظة المنيا، فى روايته «الأيام»، بدءا من أراضى القصب، مرورا بكتاب الشيخ «الغريب»، وصوت شاعر الربابة، يسرد مغامرات «أبوزيد الهلالى»، تلاشت تماما، فـ«الكُتاب» تحول لمحل ملابس، مؤكدا أن البيت المتواضع الذى ولد فيه طه حسين قبل نحو ١٢٣ سنة لم يعد له وجود الآن.. تلك هى الحقيقة التى يشعر تجاهها بعض أهالى مدينة مغاغة بمحافظة المنيا بالأسف والأسى. وعلى نفس مساحة منزله البسيط، تأسس «برج تجارى» يضم صيدلية وعيادات طبية ومحلات، وأضاف أن رحلة الدكتور طه حسين هادئة إنما كانت تمتاز بالإصرار والتحدى حيث التحق بالجامعة المصرية، ثم سافر بمنحة دراسية إلى أوروبا وأكمل دراسته فى الجامعة ودرس اللغات اللاتينية واليونانية والفرنسية، بجانب الأدب الفرنسى وحصل هناك على شهادة الدكتوراة، فى تلك الرحلة كان لابد من شريك يسانده فى حياته، فتزوج من السيدة " سوزان" التى كانت دافعا له بشكل كبير.وعندما صار طه حسين وزيرًا للمعارف عام ١٩٥١ حقق مجانية التعليم الثانوى وتوجد مدرستان بمغاغة ابتدائية وإعدادية باسم الدكتور طه حسين.
وقال "جمال عبدالحكيم" من سكان المنطقة ويبلغ من العمر ٥٥عاما، ولدت فى هذه المنطقة مع أسرتى، وسمعت العديد من الروايات عن الدكتور طه حسين، ومنها أنه كان يسكن فى منزل بقلب المنطقة مكون من طابقين، وعانى طه حسين منذ مولده عام ١٨٨٩ ذل الجهل والعجز وأضاف أنه كان وش السعد على والده كانت حياة عميد الأدب العربى دكتور طه حسين مليئة بالأحداث والمواقف والحكايات منذ نعومة أظافره، فكان وش السعد على عائلته فقد حمل مع مولده الكثير من الهدايا الربانية، كان الصبى سابع أبناء الأب الثلاثة عشر من أبناء أبيه، وخامس أحد عشر من أشقّائه فى هذه العائلة الضخمة، وكان الجميع يتمتعون بصحة جيدة باستثنائه. وبدأ الطفل طه حسين ينمو ويتحرك ويملأ الدنيا ضجيجًا، بداية عامه الثانى بدأ يمشى ويتحرك ويجوب أرجاء البيت الواسع، كما تعرّف على أخواته جميعًا، ووالده.منذ مولده كان طه حسين يميل إلى البقاء فى حِجر والده، فيعطيه قطعةً من الحلوى كان قد أحضرها معه، وكان والده يتفاءل به ففى اليوم الذى وُلد جاءته ترقية فى عمله.
حكايات الشيخ غريب محفظ القرآن لطه حسين
وفى حارة من الشارع الرئيسى التقينا الحاج رضا يوسف غريب حفيد الشيخ غريب الذى علم طه حسين القرآن والذى روى لنا حكايات عن نبوغ طه حسين وهو طفل، وسرعة حفظه القرآن الكريم، وقدرته الفائقة على فهم معانيه، وجمال تلاوته. وما زال يتذكر الموقف الشهير عن ضياع الشيخ طه من أسرته فى المحطة، واكتشفوا ذلك بعدما غادر القطار المحطة، وحزنوا بشدّة على صغيرهم الضرير الذى لن يستطيع اللحاق بهم، وسيعجز عن طلب المساعدة. وحين عاد والد الشيخ طه إلى محطة القطار بعد ساعات طوال، وجده فى مكانه لم يصرخ ولم يسأل أحدا وكان مجتهدا، وتحدى إعاقته البصرية، وصفاته الوراثية المميزة لشخصيته جعلته مختلفًا عن أقرانه منذ طفولته، فكان أكفأهم فى حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وبإتقان شديد. مضيفا أن طه حسين تعلم الكتابة على اللوح الصفيح بالحبر وريش الطيور، وكان طه يلمس اللوح الصفيح بأصابعه ويتخيل شكل الحروف المكتوبة، وتمنى لو يستطيع الكتابة على اللوح مثل أقرانه، ولطالما تنافسوا فى سرعة الحفظ، وتباروا فى التسميع بأحكام التجويد، تفاديًا لعقاب الشيخ.
ويكشف حفيد الشيخ غريب، تفاصيل جديدة عن حياة طه حسين، مع جدها مُحفظ القرآن الكريم، قائلة: «رحل جدى عن عالمنا لعمر يناهز مائة عام، وقد حرصنا على التقاط الصور التذكارية له قبل رحيله بشهور، وترك لنا المصحف الذى كان يحفظ منه طه حسين القرآن، وأكد لنا أنه كان يُحفظ القرآن لعميد الأدب العربى، وبعد تعلمه فى الأزهر والخارج، أرسل طه حسين سيارة من القاهرة لاصطحاب جدى إلى القاهرة لمقابلته، ولكن جدى رفض ".
وأكد حفيد الشيخ غريب "جدى هو من ربى عميد الأدب العربى طه حسين، موضحا أن انتشار وباء الكوليرا دفع أسرة طه حسين للسفر من مغاغة للقاهرة، مشيرا إلى أنه أثناء سفر الأسرة تخلف «طه»، عن الرحلة بسبب كونه فاقدًا للنظر وبقى وحيدًا على المحطة يبكى حتى عثر عليه شخص يدعى «حسن السنفورجي»: طلب منه طه حسين أن يذهب به إلى الشيخ غريب معلمه المُقرب إلى قلبه»، موضحا أن جده الشيخ غريب هو من كان يصطحب طه حسين دائما للكتاب من أجل إتمام حفظه للقرآن الكريم: «طه حسين كان على طول مع جدى الشيخ غريب مكنش بيفارقه أبدًا».
وعندما وصل طه حسين منزلة ومكانة عالية كان دائمًا يحافظ على ود الشيخ غريب ويسأل عليه، ولكن بعد سفره للخارج وأوروبا، انقطعت الصلة بينه وبين معلمه الشيخ غريب: «جدى مكنش بيزعل ولا حاجة ده كان بيبقى فرحان وفخور بيه ويقول ربنا يوفقه ويفتح عليه، وتابع أنه عند وفاة طه حسين انهمر جدى فى البكاء الشديد وحزن عليه بشكل كبير، نظرًا لحبه وقربه له، موضحا: "لما طه حسين مات جدى بكى عليه وحزن قوى وبعدها بـ ٣ سنين جدى غريب مات "وأضاف «وعقب وفاة جدى، تم بيع منزله والكُتاب، وشيدت عمارات سكنية بدلا منهما، وأصبحت عزبة الكيلو منطقة سكنية وتجارية اختفت معها مظاهر العزبة، لترتدى ثياب المدنية».
صاحب مكتبة مؤلفات طه حسين
ويقول الحاج نبيل عبد الغفار، ٧٥ سنة، موجه سابق بالتربية والتعليم، أحد أبناء عزبة الكيلو، إنه افتتح مكتبة عام ١٩٧٨، لبيع كتب ومطبوعات طه حسين، تخليدًا لذكراه، ولم يكن هناك تمثال أو شارع لـ«طه حسين»، فتم إطلاق اسمه على المكتبة وأكد أن كتابات طه حسين تتميز بالسمعية ويغلب عليها الجانب الموسيقى حتى أن النثر الذى كان يكتبه ملىء بروح الموسيقى، باعتبارها تخاطب الأذن، وهى سمة عامة عند الكاتب الكفيف لكنها متضاعفة عند طه حسين حتى فى إلقائه وأحاديثه التى أبقى عليها الزمن بالسينما والتليفزيون. كما كان حكاء كبيرًا، يكتب التاريخ على هيئة قصص، فحول كل ما كتبه إلى حكايات جذابة وقصص مليئة بالصراعات والدراما ومناقشة النفس، ويدخل فى حوار دائم مع قرائه سواء نقدًا أو إبداعًا، فهو لا يكتب ولكنه كان يُملى، وكان مغرمًا جدًّا بفكرة الحديث حتى وهو داخل القصة الخيالية يقطع القصة وكأنه يتحدث للقارئ.
0 تعليق