جذور الهزائم العربية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لواء.حمدى البطران

الأحد 15/ديسمبر/2024 - 12:56 م 12/15/2024 12:56:04 PM

لا شك أن التاريخ سيقف طويلا امام ما حدث في الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة. من السقوط المريع لسوريا أمام قوات متشرذمة من الجماعات الأصولية التي تدعمها تركيا وامريكا وإسرائيل. ولكن التاريخ ذاته ربما يعجز عن وجود أسباب منطقية يتؤدى الى هذا الانكسار المريع للعرب. والذي يذكرنا للمرة الأولى بما حدث عام 2003 عندما استسلم الجيش العراقي أمام القوات الأمريكية، ثم اختفي تماما. وعام 1967 عندما اجتاحت جيوش إسرائيل البلاد العربية المجاورة ومن بينها سوريا. وقتها كانت كل من سوريا ومصر ترزحان تحت حكم أحزاب اشتراكية، في سوريا كان حزب البعث الديموقراطي، الذي تسلم حكم سوريا عام 1963. وفي مصر كان الاتحاد الاشتراكي العربي الذي بدأ يمارس الحكم منذ 1961. منذ اعلان قوانين يوليو الاشتراكية التي تم بموجبها تأميم رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية وكل الشركات العاملة في مصر.
وقتها واجهتْ الحكومة بعنف كل من سولت له نفسهِ أن ينطق بكلمة واحدة عن أسبابِ الهزيمة، ولم يعرف الناس في الداخلِ حقيقة ما حدثَ وإبعاده إلا من الصحفِ الأجنبيةِ والإذاعاتِ الأجنبية، كما كان هناكَ غموض في التعامل مع الحرب والانتقادات، وأدت الاحتجاجات إلى صراعِ قوى ضمنِ أعلى مستوياتِ النظامِ. 
وفي العامِ 1970، أوصلَ انقلاب غيرُ دمويٍ حافظ الأسد إلى السلطة وسطر بدايةِ حكم آلَ الأسدِ وسيطرتهُ على الدولةِ السوريةِ لعقودِ خمسة تالية، حتى ديسمبر 2024،غير أن أهم ما تمخضت عنه الهزيمة وظهر تأثيره واضحا جليا في الأعوامِ التالية حتى يومنا هذا. وهوَ ظهور مناصرو الإسلامِ السياس، وبداية ظهور لتطرف، وعللوا الهزيمة بأنها كانت لأنَ الأنظمة الحاكمة ابتعدت عن الربِ. فقدُ ذكرِ الشيخِ الجليلِ محمد متولي الشعراوي أن سجد للهِ شكرا عندما وقعت الهزيمة، لأنها كانت منْ وجهةِ نظره هزيمةً للسوفييتِ الشيوعيينَ والملحدين. 
ولا يجب ألا ننسى، كيف ساعد الاتحاد السوفيتي على تصاعد الموقف في الشرق الوسط قبل حرب 167، ودورة في الحاق الهزيمة بالجيوش العربية. 
ففي ربيع 1967 أبلغ الاتحاد السوفيتي والمخابرات السورية الرئيس جمال الرئيسِ جمال عبد الناصر بوجودِ حشودٍ عسكريةٍ على الحدودِ السوريةِ، وعلى الرغمِ من أن مبعوثي الرئيسِ جمالْ عبدِ الناصرْ حاولوا التأكدِ منْ وجودِ هذهِ الحشودِ. ونفوا تماما وجودها، إلا أنَ صوتهمْ ضاع في خضمِ الضجيجِ الذي كانت قد أحدثته السياسات التي استهدفت إعلان نذرِ الحرب، ووجدَ هذا الجوِ الحماسيِ قبولًا وترحيبا منْ الرئيسِ جمالْ عبدِ الناصرْ، الذي سرعانَ ما أصدرَ أوامرهُ بالتعبئةِ العامةِ وحشدِ القواتِ المصريةِ في سيناءَ في 14 مايو 1967، بهدفَ تخفيفِ الضغطِ على الجبهةِ الشماليةِ في سورية. 
وفي 17 مايو خطا الرئيسُ جمال عبدِ الناصرْ خطوتهُ التالية الشهيرة بأن أمر بإغلاقِ مضايق تيران في وجهِ الملاحةِ الإسرائيليةِ، مما فجرَ حربَ يونيو 1967. في ذلك الوقتِ كان المشيرُ عبدَ الحكيمْ عامرْ هو النائبُ الأول لرئيسِ الجمهوريةِ، ونائبُ القائدِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ، فضلا عنْ أنه كان قائدا عاما للقواتِ المسلحة المصرية آنذاك. 
قبل اندلاعِ حربِ 1967 بعدةِ أشهر، زار القاهرةَ المارشال جريتشكو، قائد قوات حلف وارسو. وبعد لقائه بالخبراء العسكريينَ السوفييت، دعاه الرئيس جمال عبدِ الناصرْ لمقابلته، وسأله عبد الناصر عنْ انطباعه عن حالةِ الجيشِ المصري، حاول المارشال جريتشكو أن يرفع من شأن المستشارين العسكريين السوفييت الذينَ يعملون في مصرَ منذ فترة، فقال جريتشكو: إن جيشكم قادرٌ على تنفيذِ أي مهمة على مسرح العمليات “. 
ولم يكن ذلك صحيحا على الإطلاق، فقد اعطى للسيد الرئيس صورة مضللة عن قدرات الجيش المصري، مما جعل عبد الناصر يقدم على خطوات تصعيدية. 
ثم حدثت الهزيمة في 6 يونيو، ووصل الإسرائيليون الى شاطئ قناة السويس، وبدئوا في تهديد المنشآت الحيوية المصرية، كالمصانع والسد العالي مما جعل الرئيس المصري يطلب تدخل الجيش السوفيتي الأحمر ووصوله الى مصر. 
كما وقعت في سورية مظاهراتٍ لبعض السلفيين، وكان أهمها ما وقع في حماة في سورية، التي دمرت أكثرَ من نصفِ المدينة وأوقعت نحو 25 ألف شخص ردا على انتفاضة الإسلاميين، على خلفيةِ الأزمةِ الاقتصادية والمساواةِ الاجتماعيةِ المتزايدة التي سمحتْ للمجموعات الإسلامية بالصعود. وكانَ اللاعبونَ الإسلاميونَ فعالينَ ليسَ لقدرتهمْ على توفيرِ نظرةٍ سياسيةٍ بديلة للمحرومين فحسب، إنما كذلك بسبب الدعم الذي حظي به خطابهمْ وأيديولوجيتهم من تيارِ القومية والظلم الاجتماعي والهوية العربية، وبينما قمع حكم الأسد المتسلط الوحشي هذه المجموعات، وكذلك ناشطي المعارضة عموما، وضعت تلك المظاهرات حجر الأساس للبنية التحتية للمعارضة والنشاط الثوري. وساعد على ذلك تنامي أوجه عدم المساواة وأيقظتها مجددا ثورات الربيعِ العربيِ التي قامت في العام 2011. 
وبظهور السلفيين والنزعات التعصبية جرت مياهٌ كثيرة، كما أصابت الهزيمة الأيديولوجيا القومية العربية والهويات الخاصة بحالة من الضعف، وأوشكت على التلاشي، وفقدت شعاراتها الزخم وقيمتها الحماسية، ولمْ تعد تجدي. كما ظهر السخط الشعبي المكتوم، وتجرأت الجماهير على التظاهرِ ضد الزعامات التقليدية، وصارت الناس توجه لهمْ اللوم، سواء في السر أو في العلن وازدادَ السخط الشعبي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق