كتاب "الأمير" لميكافيلى و الذى يعتبر من أهم الكتب التى تدرس فى العلوم السياسية و العسكرية ، قد صنف أنواع الجيوش حين أراد أن ينصح الأمير الذى كتب له هذا الكتاب بأن الدول تعتمد فى دفاعها عن سيادتها و بقاؤها على ثلاثة طرق أولها الإعتماد على جنود مرتزقة من الخارج ، و هؤلاء متاحون دائماً وقت السلم و لكن عندما تشتد الحرب ينسحبوا ، و هناك دول تعتمد على دول أخرى للدفاع عنها ، و فى هذه الحالة تصبح الدولة التى تمتلك قواعد عسكرية على أرضك هى صاحبة السلطة الحقيقية سواء و قت السلم أو الحرب ، و النمط الثالث هو الإعتماد على جيش جنوده من أبناء الشعب ذاته ، وهذا النوع من الجيوش تكون عقيدته الوحيدة التى إنشئ من أجلها هى حماية الوطن ، و لا تتغير عقيدته و قت السلم أو وقت الحرب .
بناء على ما سبق يتضح لنا أن عقيدة الجيوش الوطنية راسخة لا تتزعزع ، و هى إرث قديم توارثته الأجيال العسكرية منذ فجر التاريخ ، لأن الحروب برغم دمويتها تبقى حقيقة من حقائق الحياة البشرية ، فالإنسان عابد للحرب قبل عبادته للسلام ، فالصراع على الموارد سنة كونية منذ حادثة قابيل و هابيل ، و يظل واهم من يظن أن شعارات السلام ، حقوق الإنسان و الديمقراطية و غيرها من شعارات القوى الغربية الكبرى التى تروج لها منذ عقود هى حقيقة ، بل هى ستار زائف للتضليل و إحكام السيطرة على الشعوب النامية و فى القلب منها الشعوب العربية التى تقطن دول غنية بالموارد الطبيعية ، وكانت هذه الشعارات بمثابة الوعى المعلب الذى تم إعداده لإطعام جماعات الإسلام السياسي و الجماعات الإرهابية و قمع عناصر هذه الجماعات فكرياً والسيطرة عليها و التحكم بها كالدمى لتدمير الجبهات الداخلية للدول و من ثم السيطرة عليها و على مواردها ، و ليس ببعيد السيناريو السورى الذى يتصدر مشاهده الأولى ــ على الأقل حالياً ـــ الجماعات الإرهابية ، و هو ما يثير تساؤل هل أصبحت جماعات الإسلام السياسي الأقل تطرفاً بالنسبة لدول الغرب غير فعالة بعد أن لفظتها الشعوب العربية فى تونس و مصر ؟ ، أم أن الجماعات الراديكالية عدلت من ضبط مصنع عقيدتها بما يتوافق مع متطلبات و طموحات الغرب ؟ .
قد يكون السؤال السابق من الأهمية بمكان الإجابة عليه ، و إن كان يحتاج إلى كتب و مجلدات ، و لكن الأهم الذى نود تسليط الضوء عليه ، هو شكل عقيدة الجيش السورى أو جيش الجولانى الجارى بناؤه الأن ، فمن المعلوم أن الجماعات الإسلامية تعتمد على المليشيات كون عقيدتها أكثر مرونة و أكثر تطرفاً من عقيدة الجيوش العسكرية ، حتى الدول التى بها جيوش إلى جوار نفوذ الجماعت الإسلامية يتم عمل مليشات موازية للجيوش لإستخدامها فى العمليات التى ترفضها العقيدة العسكرية ، مثال الحرس الثورى الإيرانى ، و حزب الله اللبنانى ، و الحشد الشعبى العراقى ، و الدعم السريع فى السودان الذى أنقلب على الجيش و يخطط لتقسيم السودان ، و يبقى التساؤل ماذا سيكون شكل جيش الجولانى فى سوريا ؟ لأنه سيكون حالة جديدة سيكون جيش دولة يجمع المليشيات و المرتزقة و جنود الدول الأجنية الكبرى و وجنود من الشعب تطوعاً لا إلزاماً .
0 تعليق