عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم السودان.. أهالي الخرطوم يبحثون عن "مسارات نجاة" مع غلق الجسور واحتدام المعارك - في المدرج
لم تكن عائلة السودانية ميسون محمود، التي تسكن ضاحية أمبدة غربي مدينة أم درمان الواقعة تحت سيطرة قوات "الدعم السريع"، تتوقع أن يستغرق انتقالها لمناطق الجيش السوداني شمال المدينة يومين عبر دروب بعيدة مع انتظار يدوم طويلاً في نقاط التفتيش.
وتشهد محاور القتال في مدينة أم درمان (بولاية الخرطوم (وسط) اشتباكات منذ مارس الماضي، إذ تحاول قوات الجيش التقدم غرباً بعد أن بسطت سيطرتها على أحياء وسط المدينة، ونجحت في ربط قواتها الموجودة في قواعدها شمال المدينة بسلاح المهندسين إلى الجنوب الذي كانت تفرض عليه قوات "الدعم السريع" حصاراً محكماً منذ بدء القتال في أبريل من العام الماضي.
لكن المعارك، التي تتصاعد يوماً بعد يوم، جعلت مناطق العاصمة الخرطوم وأحياءها جزراً معزولة، يصعب التحرّك فيها بسبب نقاط سيطرة الطرفين، ووجود قناصة أعلى المباني.
رحلة هروب خطرة
ميسون قررت أن تشد الرحال إلى شمال أم درمان رفقة أطفالها الثلاثة، أملاً في الانتقال إلى إحدى الولايات الآمنة شمالي البلاد، بعدما ساءت الأوضاع في منطقتها جراء تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش و"الدعم السريع".
وروت ميسون لـ"الشرق"، كيف أنها لم تجد سوى عربة تجرها الحمير للهرب من هناك مع توقف معظم المركبات بسبب عدم توفر الوقود.
وقالت المرأة إن العربة "سلكت بنا طرقاً وعرة وبعيدة، مشينا أكثر من 20 ساعة باتجاه ريف غرب أم درمان، ومع مغيب الشمس استرحنا في إحدى القرى القريبة من منطقة بئر حماد، التي تبدأ فيها دفاعات الجيش المتقدمة، ومع شروق الشمس تحرّكنا إلى هناك سيراً على الأرجل في رحلة استغرقت نحو ساعتين ونصف الساعة، وهنا تبدأ رحلة جديدة من فصول المعاناة".
مسارات غير آمنة
وتشير ميسون إلى أن عجز التجار، والمواطنين عن إيصال السلع والمواد الغذائية لعدم توفر مسارات آمنة، هو السبب في بقاء أسر عديدة محاصرة في مناطق التماس، والاشتباكات غرب مدينة أم درمان، الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة، فضلاً عن انقطاع الكهرباء والمياه لعدة أشهر، مضيفة: ولهذا "قررتُ المغادرة إلى إحدى الولايات الآمنة نسبياً شمال البلاد".
وذكرت المرأة السودانية، أن السكان كانوا يتنقلون حتى وقت قريب عبر المركبات العامة بين سوق "ليبيا" في الغرب إلى سوق "صابرين" شمالاً، وهي السوق الوحيدة التي تعمل الآن في مدينة أم درمان.
ومضت قائلة: "كنا نشتري منها السلع الغذائية والخضروات، لكن تصاعد المعارك أدى إلى غلق الطريق وتوقف أصحاب المركبات عن العمل وصرنا في حالة أقرب إلى الحصار".
وتوضح ميسون أنه يتعين على كل من يغادر مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع" الحصول على موافقة مكتوبة لعبور نقاط التفتيش، قائلة: "لذلك توجهتُ إلى مكتب الاستخبارات التابع لقوات الدعم السريع، وبعد إجراءات التحري والتفتيش ومعرفة أسباب المغادرة قاموا بتفتيش حقائبي بشكل دقيق، وبعد انتظار لنحو ساعتين سمحوا لنا بالمغادرة".
وتواصل ميسون حديثة قائلة: "مررنا بنقاط تفتيش على طول الطريق حتى تخوم ريف غرب أم درمان، حيث تعرّضنا للإهانة والنهب من أفراد يتبعون لقوات الدعم السريع، رغم أن ضابطاً بمكتب الاستخبارات تعهد بعدم التعرّض لنا".
رحلة طويلة على الأقدام
وعقب تجاوز نقاط التفتيش عند دفاعات الجيش المتقدمة بمنطقة بئر حماد، تتحرك العائلات إلى سوق توجد بها مواصلات. وهنا تحكي ميسون فصولاً جديدة من المعاناة، إذ قالت إن "استخبارات الجيش تضع الرجال والنساء في أماكن منفصلة، لتفتيشهم بصورة شخصية إلى جانب تفتيش الأمتعة والهواتف الشخصية ومن ثم نقلهم إلى مكاتب الاستخبارات، وفي أغلب الأحيان يتم التحفظ على الشبان بغرض مزيد من التحري، وترك النساء والأطفال وكبار السن".
وبعد الانتهاء من إجراءات التحري والتفتيش، تحركت ميسون عبر حافلة نقل عامة إلى سوق "صابرين" مروراً بنقاط تفتيش تابعة للجيش، وتقول: "بمجرد الوصول إلى مناطق الجيش تبدو الحياة طبيعية، جميع المحال التجارية والأسواق الصغيرة مفتوحة وشبكات الاتصالات والإنترنت تعمل بصورة طبيعية عكس مناطق سيطرة الدعم السريع، التي تنقطع فيها شبكات الاتصالات، وكنا نعتمد على (خدمة الإنترنت الفضائي) ستارلينك".
وقالت ميسون إن أطفالها كانوا مرعوبين طوال الرحلة، التي استغرقت يومين قضوها مشياً بين قرى ريف غرب أم درمان، مرورا بنقاط تفتيش الجيش و"الدعم السريع".
وتضيف: "على طول الطريق كنا نسمع دوي المدفعية، وأصوات إطلاق رصاص متقطع وتحليق طائرات حربية، لكننا وصلنا بسلام بعد كل هذه المعاناة والرعب".
إبحار عبر النيل
في معاناة أخرى يضطر البعض للبحث عن طريق عبر النيل بعد غلق معظم الجسور، التي تربط مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان)، وتدمير بعضها خلال الاشتباكات، ويستخدمون في ذلك قوارب تقليدية مهترئة في رحلات محفوفة بالمخاطر، كما هو حال ميسرة الحسن، الذي اضطر إلى نقل عائلته بقارب من الخرطوم بحري إلى شمال أم درمان، بعدما احتدمت المعارك بناحيتين تابعتين للجيش شمال مدينة بحري.
وأدت المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" إلى غلق معظم الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث، بسبب تقاسم السيطرة عليها أو تعرضها للتدمير كما هو حال جسري "شمبات"، الذي يربط وسط مدينة أم درمان بالخرطوم بحري، وجسر "خزان جبل الأولياء" الرابط بين جنوب أم درمان بجنوب الخرطوم.
وقال ميسرة لـ"الشرق"، إنه وأفراد العائلة اضطروا إلى مغادرة الديار، بعد أن اشتدت المعارك في المنطقة منذ نحو شهرين، مضيفاً أن "قوات الدعم السريع داهمت الأحياء السكنية وقتلت عدداً من الشبان وأجبرت عائلات كثيرة على ترك بيوتها"، على حد قوله.
وتابع ميسرة: "قطعنا مسافات طويلة سيراً على الأرجل وصولاً إلى قرى الريف الشمالي بمدينة بحري، ومن ثم توجهنا إلى محلية كرري شمال أم درمان على الضفة الأخرى من نهر النيل عبر قارب مهترئ، ولولا لطف الله وعنايته لما نجونا".
وكانت عشرات العائلات المحاصرة بجزيرة "توتي" وسط الخرطوم، منذ بدء القتال في منتصف أبريل 2023، تمكنت من الوصول إلى شمال مدينة أم درمان عبر قوارب نيلية في رحلة هي الأخرى لا تخلو من مخاطر.
أما أماني عبد الرسول، التي تسكن منطقة دار السلام غربي أم درمان، حيث تستعد للمغادرة إلى مدينة بورتسودان شرق البلاد، فقد اختارت التوجه إلى منطقة جبرة الشيخ بولاية شمال كردفان، ومنها إلى الدبة بالولاية الشمالية ثم إلى بورتسودان مروراً بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل.
وقالت أماني لـ"الشرق"، إنها تفضل قطع كل هذه المسافات الطويلة رغم الإرهاق وطول الطريق بدلاً من المرور بخطوط التماس التي عادة ما تشهد اشتباكات مباشرة أو مناوشات، لافتة إلى أن من يمرون عبر هذه الخطوط "يتعرّضون للنهب، ولمضايقات تصل أحياناً إلى الاعتقال والتعذيب" وفق قولها.
0 تعليق