"الشرق" في شتاء سوريا.. أزمة مواد التدفئة تفاقم تحديات البرد والفقر والغلاء - في المدرج

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم "الشرق" في شتاء سوريا.. أزمة مواد التدفئة تفاقم تحديات البرد والفقر والغلاء - في المدرج

مع بداية المنخفض الجوي في أول شتاء بعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، يواجه السوريون شتاءً قاسياً يخلو من خيارات التدفئة المعتادة، في ظل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات بشكل غير مسبوق، وسط انخفاض للقدرة الشرائية للمواطنين.

وفي السنوات الأخيرة، اعتمدت الحكومة السورية السابقة ما يعرف بـ"البطاقة الذكية" كإحدى الوسائل لتنظيم توزيع الدعم، خاصة فيما يتعلق بتخصيص الوقود. وكان الهدف ضمان وصول المواد المدعومة مثل الخبز والمازوت والغاز إلى المواطنين بشكل منظم، بحسب ما كانت تقوله السلطات الرسمية.

ومع ذلك، أصبحت "البطاقة الذكية" محط انتقادات واسعة، إذ عانى المواطنون من تأخيرات مستمرة في مواعيد توزيع المخصصات، فيما كانت الكميات المخصصة أقل من الاحتياجات الفعلية غالباً، كما انتشرت السوق السوداء للوقود، مما أدى إلى تفاوت الأسعار بشكل كبير.

"البطاقة راحت، بس المشكلة ضلت"، بهذه العبارة بدأ أبو محمود، صاحب محل لبيع الخضار والفواكه في حي المرجة وسط العاصمة دمشق، حديثه وهو يقف أمام زاوية محله محاولاً إخفاء قلقه بابتسامة مريرة.

وقال: "حينما نشتري المازوت كأننا اشترينا ذهباً! فالأسعار مرتفعة للغاية، ونحن فقراء لا نقوى على ملاحقتها".

أبو محمود، الذي اعتاد بيع الخضار والفواكه لسنوات طويلة، يجد نفسه اليوم في مأزق لم يواجهه من قبل، فمع برودة الطقس التي لا ترحم، أصبح تأمين وسائل التدفئة عبئاً إضافياً على كاهله.

وأضاف أبو محمود بلهجة ساخرة: "فكرت أن أشتري مدفأة، لكن الكهرباء تأتي ساعتين باليوم كحد أقصى، ما يعني لو تم تشغيلها، لن تقيني من البرد لكنها سترفع قيمة فاتورة الكهرباء".

وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة تصريف الأعمال السورية أصدرت، في 22 ديسمبر الجاري، لائحة جديدة تحدد أسعار المحروقات والغاز للمستهلكين، بهدف منع أي تجاوزات أو تلاعب بالأسعار.

وفقاً لهذه التعديلات، تم تحديد سعر البنزين عند 1.16 دولار للتر، بينما بلغ سعر لتر المازوت (السولار) نحو 1 دولار، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي حوالي 12.28 دولار.

وتستورد سوريا معظم احتياجاتها من النفط الخام، في وقت تشير تقديرات رسمية سابقة إلى تراجع إنتاج البلاد بنحو 96% مقارنة بما كان عليه قبل اندلاع الثورة عام 2011، ما يزيد من التحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطن السوري.

وتحدث مازن الجردي، البالغ من العمر 45 عاماً، وهو جالس ينتظر أن تمتلئ سيارته بالركاب كي ينطلق، عن معاناته هذا الشتاء في تأمين المازوت، قائلاً: "اشترينا 50 لتراً بقيمة 19 ألف ليرة للتر الواحد، يعني دفعنا تقريباً 950 ألف ليرة فقط على المازوت".

وأضاف مازن، الذي يقيم في إحدى ضواحي دمشق: "الأسعار تختلف من منطقة إلى أخرى بشكل غير مبرر.. بعض الأماكن الأسعار فيها أعلى بكثير، وفي أماكن أخرى أقل، ولكن في النهاية كلها غالية".

وتابع  لـ"الشرق": "المواطن في النهاية، هو الذي يتحمل العبء الأكبر.. لا رقابة، ولا حلول.. مجرد أسعار تفوق قدرة أي شخص على التحمل".

وسط هذه الظروف، يجد السوريون أنفسهم في مواجهة خيارين صعبين، فإما التدفئة على نفقات لا يمكنهم تحمّلها، أو الاعتماد على بدائل غير تقليدية قد تكون غير مريحة، ولكنها الأقل تكلفة.

أزمة كهرباء

وبالإضافة إلى أزمة المحروقات، تعاني دمشق من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة يومياً، وهو ما يزيد من معاناة السكان في عملية تدفئة المنازل. 

ساعات التقنين الكهربائي قد تصل إلى أكثر من 12 ساعة في بعض المناطق، ما يضطر الأسر إلى الاعتماد على المولدات الخاصة أو الوسائل التقليدية مثل الحطب، التي أصبحت هي الأخرى نادرة وغالية.

أم أحمد، امرأة في الأربعينات من عمرها، تعيش مع ابنتها في حي الدويلعة بدمشق، قالت إنها "اضطرت لشراء كمية قليلة من الحطب هذا الشتاء، وتحاول الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة".

وأردفت: "في النهار، لا أُشغّل المدفأة، بل أجلس قرب باب المنزل تحت أشعة الشمس الخفيفة، وأحاول الاستفادة من حرارتها. أما في الليل، أشغّل المدفأة لمدة ساعتين فقط لتدفئة الغرفة، ثم أطفئها. فكيلو الحطب الواحد سعره 4 آلاف ليرة".

وتابعت أم أحمد بأسلوب يعكس عمق معاناتها ومعاناة جيرانها: "الناس يعيشون حالياً على أساليب التدفئة البدائية مثل الحطب. فيما يضطر البعض لجمع بذور الفاكهة أو قشور الجوز والفستق من الجيران حتى أكواز الذرة تستخدم. فالناس باتت تتعامل مع الشتاء كأنه معركة يومية، والذي سيربح فيها هو من يوفر أكثر".

الارتفاع الكبير في أسعار مواد التدفئة هذا العام فاجأ السوريين، الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية.

مصطفى مراد، أحد سكان ريف دمشق، يملك محلاً لبيع الحقائب النسائية، يروي كيف اضطر هذا العام إلى تقليل الكمية التي يشتريها من الحطب بسبب ارتفاع أسعاره، قائلاً: "كل عام نشتري 4 أطنان من الحطب مع بداية الشتاء، لكن هذا العام اشتريت طنين و700 كيلوجرام فقط، بسعر 9 ملايين ليرة".

انتشار الفقر

المشكلة لا تقتصر على غلاء الأسعار، بل إن تدني مستوى الدخل العام، وقلة فرص العمل تجعل من الصعب على الأسر السورية تأمين احتياجاتها الأساسية. 

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، بات أكثر من 90% من السوريين "تحت خط الفقر"، مع تراجع حاد في قيمة الليرة السورية بسبب التداعيات السلبية للحرب خلال الأعوام السابقة. 

وأشارت أم سامي، وهي موظفة في إحدى مدارس ريف دمشق، إلى أن "تأمين وسيلة تدفئة أصبح يتطلب التضحية ببقية احتياجات الحياة الأساسية".

وتابعت: "إذا تمكنت من توفير وسيلة تدفئة، فلن أتمكن من شراء الطعام أو الأدوية التي أحتاجها.. لذلك، الخيار الوحيد هذا الشتاء هو التدفئة بالبطانيات والمعاطف".

وفي سياق معاناتها اليومية، عبَّرت أم سامي عن أملها في أن تتمكن الحكومة الجديدة من زيادة الرواتب لمواجهة التحديات المعيشية، قائلة: "نتمنى أن تتمكن الحكومة من زيادة الرواتب، لأن رواتبنا في عهد (نظام بشار) الأسد لم تكن تكفي مصروف البيت لأكثر من أسبوع".

وكان القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع أعرب في 19 ديسمبر الجاري، عن نية الحكومة إصدار عملة جديدة في البلاد بعد استقرار قيمة العملة المحلية.

وأوضح الشرع، في تصريحات صحافية، أن "الأزمة الاقتصادية في سوريا قد تفاقمت، مما زاد من معاناة المواطنين"، لافتةً إلى أنه سيتم رفع الرواتب بنسبة تصل إلى 400% في المرحلة المقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق