أبرزت البرمجة الميزانياتية الإجمالية ثلاثيةُ السنوات (2025-2027)، المتضمنة في تقرير رسمي أفرجت عنه وزارة الاقتصاد والمالية موازاة مع استمرار المصادقة التشريعية على مشروع قانون المالية لسنة 2025، حضور “هاجس” التغيرات المناخية كأحد أبرز المخاطر المُحدِقة والمؤثرة في مسارات نمو الاقتصاد الوطني.
باستقراء التقرير الرسمي وبياناته، يتبين التوجه الحكومي جلياً نحو “مواصلة مسلسل ضبط المالية العمومية من أجل خفض عجز الميزانية إلى 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام”، بالتوازي مع “وضع المديونية في منحى تنازلي نحو أقل من 67 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في أفق سنة 2027”.
“في ظل سياق دولي صعب وظرفية اقتصادية مُعرَّضة لصدمات غير متوقعة قد تؤثر على مسار العجز والمديونية المستهدَف”، حسبما أقرت وزارة المالية، فإن “الحكومة ستعمل على اتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف، عند الاقتضاء، من آثار مثل هذه الصدمات على الاقتصاد الوطني والفئات الهشة، مع مواصلة الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على مسار ضبط المالية العمومية على المدى المتوسط”.
حسابات ثلاث سنوات
تبلغ الاعتمادات الإجمالية المبرمجة للنفقات 482,4 مليار درهم سنة 2025 و494,9 مليار درهم في 2026 و494,2 مليار درهم في 2027، بمعدل زيادة سنوية متوسطة قدرها 1,2 بالمائة بين سنتي 2025 و2027. ويعكس هذا التطور لنفقات الميزانية العامة ارتفاعا سنويا متوسطا لنفقات التسيير بنسبة 3,1 بالمائة مقابل انخفاض تلك المتعلقة بالاستثمار بمعدل سنوي متوسط قدره ناقص 3,2 برسم الفترة المذكورة.
أما “برمجة المداخيل” للثلاث سنوات القادمة، فقد كشفت، وفق المعطيات الرسمية المتضمنة في التقرير، أن “تطور المداخيل العادية للفترة المتراوحة بين 2025 و2027 يعكس تحسناً في المداخيل الجبائية، الداخلية منها والجمركية، وكذا في “المداخيل غير الجبائية”، متوقعاً “زيادة قدرُها 9,7 بالمائة سنة 2025، مقارنة بالتوقعات المحيَّنة لسنة 2024 و4,5 بالمائة في 2026 واستقرارها عند نفس المستوى بحلول 2027”.
السياقات والالتزامات
تضمنت البرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات 2025-2027 “التدابير اللازمة لمواصلة تنزيل المكونات الأخيرة لورش تعميم الحماية الاجتماعية، لاسيما عبر توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد وتعميم التعويض عن فقدان الشغل”.
ولم تنسَ هذه البرمجة إدراج “التدابير التي قررتها الحكومة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين. ويتعلق الأمر، أساسا، بأثر “الزيادة في الأجور على ضوء مخرجات الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين وكذا دعم أسعار بعض المواد الأساسية”.
ورسّخت البرمجة الميزانياتية الجديدة “الأولويات القطاعية لنفقات الاستثمار التي حددتها الحكومة في إطار الاستجابة للحاجيات الاستعجالية للمملكة”، خاصة بالذكر “برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز والبرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (2027-2020) وتعزيز البنيات التحتية”.
وتأخذ البرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات 2025-2027 “بعين الاعتبار إطلاق برامج واستراتيجيات أخرى مثل الاستراتيجية الرقمية الجديدة “المغرب الرقمي 2030″ وخارطة الطريق الجديدة للتشغيل”.
كما تعتمد التحديد الدقيق للأولويات فيما يخص برمجة نفقات الميزانية العامة، وهو ما تمت ترجمته من خلال “ترشيد نفقات التسيير الجارية، خصوصا تلك المرتبطة بالدراسات ومصاريف التنقل وتنظيم الاحتفالات، وكذا من خلال البرمجة الدقيقة لمشاريع الاستثمار المهيكلة ذات القيمة المضافة”.
“مخاطر ميزانياتية”
أفردت وثيقة “البرمجة الميزانياتية” جزءاً ومحورا جديداً يتعلق بتشخيص، تحليل وعرض تقييم للمخاطر الميزانياتية على المدى الطويل، والمترتبة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
وأبرزت وزارة المالية أن “هذه المخاطر ترتبط، غير الملموسة في الأفق الزمني للبرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات، والتي يمكن أن تتجسد تدريجياً على مدى عقود، بشكل أساسي بالمناخ، وأيضا بالتغيرات الديموغرافية، مما قد يؤثر على استدامة مسار الميزانية على المدى الطويل، بالرغم من إدارة كُفْأة للمخاطر على المديَين القصير والمتوسط”؛ هذا ما يجعل “التقييم أمراً بالغ الأهمية في إعداد السياسات التي تنتج عنها التزامات مهمة وطويلة الأمد”.
وحسب التقرير، “يُسفر التغير المناخي عن مخاطر طويلة الأمد على النمو الاقتصادي” عبر “تراجع الإنتاجية واستنزاف مخزون رأس المال والتأثير على رأس المال البشري”.
ورصد تقرير الوزارة في المجمل “ارتباط تغيرات المناخ بارتفاع متوسط درجات الحرارة وتغير أنماط التساقطات المطرية ونقص الموارد المائية، فضلاً عن زيادة تواتر وشدة بعض الظواهر الحادة ( كالجفاف والفيضانات)، وتفاقم احتمالات حرائق الغابات، وارتفاع مستوى سطح البحر. ويمكن لهذه التغيرات أن تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والمالية العمومية على المدى الطويل”.
على مستوى المداخيل، ينعكس تراجع النمو على المداخيل الضريبية، وذلك أساسا من خلال تداعياتها على الاقتصاد ككل، التي “يمكن أن تتجلى في انخفاض إنتاجية الأراضي الزراعية والعمالة (التشغيل)، وكذا في تضرر رأس المال المادي والبنيات التحتية”.
أما على مستوى النفقات، فقد سجلت الوثيقة الرسمية أنه “من المحتمل أن تستدعي التغيرات، التي قد تلحق بالنشاط الاقتصادي تنفيذ برامج محدَّدة للحد من آثار التغير المناخي ورفع الميزانيات المخصصة لها، بالإضافة إلى التكاليف المرتبطة بإعادة تأهيل المعدات والبنيات التحتية المتضررة”.
وخلصت إلى أن “الدينامية السلبية للمداخيل والنفقات مقرونة بتباطؤ النمو الاقتصادي، وقد تؤدي إلى ارتفاع في عجز الميزانية، وبالتالي في نسبة الدين”.
صدمات المناخ والديْن
مستندةً إلى تحليل نتائج توقعاتها وسيناريوهات “تأثير الصدمات المناخية على استدامة الدين”، خلصت وزارة المالية إلى أنه “يتبيّن أن مؤشر المديونية سيحافظ على منحى تنازلي حتى في حالة حدوث صدمة مناخية، على الرغم من أن وتيرة الانخفاض ستكون أقل مقارنة بتلك المسجلة لمسار السيناريو المرجعي.
وبالإضافة إلى ذلك ستبقى مستويات مؤشر المديونية أقل من المعدل الذي تم تسجيله خلال سنتي 2022 و2023، والبالغ 70,5 بالمائة في المتوسط من الناتج الداخلي الإجمالي”.
“الحفاظ على تطور متحكَّم فيه لمؤشر المديونية يظل مرتبطا بمواصلة مسار تعزيز الميزانية كما هو مسطر في إطار البرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات 2025-2027. وفي السياق نفسه، فإن اعتماد قاعدة ميزانية مثبتة على الدين سيتم إدراجها في إطار مشروع تعديل القانون التنظيمي لقانون المالية من شأنه تعزيز استدامة المالية العمومية”، يخلص التقرير.
يشار إلى أن إصدار هذه الوثيقة ينضبط وفق أحكام القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، “لاسيما تلك التي تولي اهتماما خاصاً لتعزيز شفافية المالية العمومية ومواصلة إغناء المعلومة الاقتصادية والميزانياتية”.
ومن المرتقب أن يسمَح “الإطار الميزانياتي متوسط المدى بتحسين الرؤية حول آفاق المالية العمومية، وكذا تعزيز الثقة التي يحظى بها المغرب من لدن الشركاء والمستثمرين الوطنيين والأجانب”، حسب التقرير، الذي أشار إلى أنه “في إطار مواصلة تعزيز الإطار الميزانياتي تم إغناء هذه الوثيقة على مستوى المخاطر المالية وآثار التغير المناخي على المالية العمومية”.
0 تعليق