عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم حقن الدماغ بالفيروسات أحدث طريقة لرسم خرائطه - في المدرج
كشف علماء عن أمر رائع في مطلع أكتوبر، هو خارطة شاملة لدماغ ذبابة الفاكهة، الذي يعادل حجمه حبيبة ملح، لكنه رغم ذلك يضم 140 ألف خلية عصبية ترتبط بينياً عبر نحو 150 متراً من أسلاك بيولوجية.
أظهرت هذه الخارطة أنواعاً متعددة من الخلايا المتداخلة قد تساعد على فهم أفضل لطريقة عمل الدماغ، وبهذا الإنجاز يحتفل هؤلاء العلماء.
حلم رسم خارطة الدماغ البشري
كان هذا إنجازاً عظيماً، لكنه أيضاً تبيان لمدى صعوبة الخطوة التالية، فقد عمل مئات العلماء طيلة عقد على تقسيم دماغ ذبابة الفاكهة إلى شرائح صغيرة جداً قابلة للتصوير عالي الدقة، ثم أعادوا تجميع ملايين الصور ضمن صورة موحدة، وحللوها بالاعتماد على الخبرات البشرية، وبرمجيات الذكاء الاصطناعي.
أما آخر إنجاز بارز في هذا المجال، فيعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما رُسمت خارطة كاملة لدماغ دودة وهو يحوي 302 خلية عصبية. أما رسم خريطة دماغ الذبابة، الذي يضم 140 ألف خلية عصبية، فتطلب مجموعة من الابتكارات العلمية الحديثة.
الخطوة التالية التي يطمح الباحثون لتحقيقها هي رسم خارطة لدماغ الفأر، الذي يضم 70 مليون خلية عصبية، أما الهدف الأعظم بلا شك فهو رسم خارطة لدماغ الإنسان، وبه 100 مليار خلية عصبية، تتصل عبر 100 تريليون رابط.
لم يتضح بعد إن كان إنجاز مشروع بهذا الحجم ممكناً، وما إذا كانت أنظمتنا الحاسوبية قادرة على معالجة هذا الكم الهائل من البيانات التي قد تنتج عن مثل هذه العملية.
هذا هو المفصل الذي يبرز فيه دور مؤسسة تُعرف باسم "إي 11 بيو" (E11 Bio).
يعمل فريق مكوّن من نحو 12 باحثاً في مختبر "إي 11" منذ ثلاث سنوات في مدينة ألاميدا بولاية كاليفورنيا على تطوير تقنيات جديدة لتحسين عملية رسم الخرائط الدماغية، وتسريعها وتقليل تكاليفها.
ويعتقد أندرو باين، الرئيس التنفيذي والمؤسس الشريك لـ"إي 11"، أن هناك إمكانية لتقليص الوقت اللازم لرسم الخرائط الدماغية إلى النصف، وخفض التكاليف بمقدار 100 ضعف، رغم أن هذه التقنيات ما تزال في مراحلها الأولى.
قال باين، متحدثاً للمرة الأولى عن بحوث "إي 11": "من جوانب عدة، يُعتبر الدماغ أعقد الأنظمة البيولوجية، ونحن ما نزال بعيدين عن فهم كيفية عمله بالكامل.. هذا مجال واسع، وما يزال هنالك كثير من العمل".
مثل غيره من الباحثين في هذا المجال، يرى باين أن تحسين تقنيات رسم خرائط الدماغ قد يسهم في تحقيق تقدم كبير في علاج الأمراض، فضلاً عن تحسين أنظمة الذكاء الاصطناعي المصممة لمحاكاة الدماغ البشري.
تُعدّ صعوبة فهم الصور فائقة الكثافة للدماغ من أبرز العقبات التي تعترض التقدم في المجال.
تمكن باحثون من جامعة هارفارد وشركة "جوجل" حديثاً من إنتاج صورة ثلاثية الأبعاد لمليمتر مكعب واحد من دماغ بشري، وقد تضمنت نحو 57000 خلية و150 مليون نقطة تشابك عصبي تربط الخلايا العصبية ببعضها.
وقد أُعدت الصورة باستخدام 1.4 بيتابايت من البيانات (أي ما يعادل حجم 14000 فيلم سينمائي عالي الدقة)، وكشفت عن شبكة معقدة من الأسلاك البيولوجية المتداخلة، تبدو أشبه بأكوام متشابكة من معكرونة السباغيتي.
الحقن بالفيروسات
لفهم طريقة عمل هذا النسيج المعقد، يتعيَّن على الباحثين تحديد خلية عصبية، وتتبع اتصالها بالخلايا العصبية الأخرى. يمكن تشبيه هذه العملية بتتبع حبل واحد من معكرونة السباغيتي وسط كومة متشابكة، لتحديد نقطتي بدايتها ونهايتها، ورصد جميع مواضع تلامسها مع باقي أحبال المعكرونة.
حالياً، تقوم برمجيات الذكاء الاصطناعي بالجزء الأكبر من هذه المهمة، بينما يتولى البشر العمل الدقيق المتعلق بتصحيح الأخطاء، ورصد الوصلات التي قد يغفلها الذكاء الاصطناعي.
وفق تقديرات مؤسسة "ويلكوم تراست" (Wellcome Trust) الخيرية المتخصصة بدعم البحوث العلمية، فإن رسم خارطة كاملة لدماغ فأر قد يستغرق أكثر من 15 عاماً، بتكلفة تتراوح بين 7.5 مليار و21.7 مليار دولار، بحيث يخصص جلّ هذه المبالغ لتغطية أجور المراجعين البشر.
تموّل بعض المجموعات هذا النوع من البحوث حسب قدراتها، لكن لا يبدو أن هناك جهة حكومية أو مؤسسة بحثية مستعدة لإنفاق مثل هذا القدر من المال. قال باين: "تكلفة المراجعة هي العقبة الرئيسية حالياً".
يعتمد نهج "إي 11" بشكل عام على جعل الدماغ يوسم الخلايا بنفسه، عبر حقن دماغ فأر بفيروسات تحمل أجزاء من الحمض النووي إلى كل خلية عصبية على حدة، وتوجيه هذه الخلايا لإنتاج بروتينات خاصة، فتصبح هذه البروتينات بمثابة بطاقة تعريف بيولوجية.
لدى حقن الدماغ بعدد كافٍ من الفيروسات، تصبح للخلايا العصبية وغيرها من بُنى الدماغ، مجموعة بروتينات تلعب دور بطاقات تعريف فريدة. تُحقن الفئران الحية بهذه الفيروسات التي تستغرق ثلاثة أسابيع لتنتج مفاعيلها، ثمّ يُشرّح دماغ الفأر.
بعدها تحقن "إي 11" أجساماً مضادة في الدماغ، وهي تحمل صبغات تعكس الضوء بألوان، ما يتيح استخدام المجاهر الضوئية لإرسال شعاع ضوئي إلى الأنسجة وتحرّي الألوان. بهذه الطريقة، تتوهج كل خلية عصبية بلون مميز، ما يسمح بتتبع مسارات أسلاكها ببساطة، من خلال متابعة هذا اللون. وهكذا، يصبح النسيج الدماغي مزوداً بعلامات تعريف مميزة تبرز تكويناته ومسارات أسلاكه المختلفة.
تمتاز المجاهر الضوئية بقدرتها على التعامل مع عينات نسيج أكبر مقارنة بالمجاهر الإلكترونية المستخدمة في معظم بحوث الخرائط الدماغية الأخرى، ما يساعد على تقليل عدد الشرائح الدماغية اللازمة بشكل كبير.
وفقاً لتقديرات باين، يمكن لمؤسسته تحليل دماغ فأر كامل باستخدام بضع مئات من الشرائح، بدلاً من 100 ألف شريحة لازمة عند استخدام المجاهر الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تكون خرائط الأسلاك الناتجة عن ذلك أدق، وتتطلب مراجعة أقل.
منظمات بحثية متخصصة
"إي 11" هي منظمة بحثية متخصصة، وهو مفهوم ساهم رئيس "جوجل" التنفيذي السابق إريك شميدت بتعميمه، لتسريع وتيرة البحوث العلمية المهمة.
على العكس من البحوث المفتوحة والممتدة، تركز المنظمات البحثية المتخصصة على مشكلة محددة لخمس سنوات تقريباً، كي تتبين ما إذا كانت قادرة على تحقيق تقدم حاسم فيها، ثم تشارك النتائج التي توصلت إليها مع المجتمع العلمي الأوسع.
يفترض هذا المفهوم أن الجامعات غالباً ما تجد العمل على عدد كبير من الاكتشافات مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر، بينما قد تكون الفائدة التجارية غير مضمونة بالنسبة للشركات الناشئة.
من هنا، تعمل المنظمات البحثية المتخصصة كأرضية اختبار للأفكار المبتكرة، التي قد تحقق قفزات علمية كبيرة، وتمهد الطريق لتأسيس شركات ناشئة جديدة.
تشمل قائمة المستثمرين في "إي 11"، مؤسسة "كونفيرجينت ريسيرتش" (Convergent Research) التي تتخذ في ضواحي بوسطن مقراً لها، وقد استثمرت حوالي 50 مليون دولار في عدة منظمات بحثية متخصصة نيابة عن شميدت وآخرين.
من المستثمرين أيضاً جيمس فيكل، الذي يُعد من أبرز داعمي الأبحاث في مجالي التقنية الحيوية وبحوث الدماغ، وقد رفض باين الإفصاح عن إجمالي المبلغ الذي جمعه المختبر.
قال باين إن تقنية وسم البروتين التي طوَّرتها "إي 11" أثبتت كفاءتها، ما سمح للمنظمة بالانتقال من مرحلة إثبات الفكرة إلى تشييد البنية التحتية للتصوير. هذا تطور يتيح لها العمل على دراسة الدماغ الكامل للفأر. كما تخطط "إي 11" لنشر ورقة بحثية مطلع العام المقبل تسلط الضوء على جهودها في رسم خريطة جزء من حُصّين دماغ الفأر.
تشكيك بالفائدة
لطالما أُثيرت تساؤلات حول أهمية هذا النوع من الخرائط الدماغية، ما أدى إلى تباطؤ تمويلها. يرى بعض العلماء أن الخرائط الدماغية تعادل في أهميتها الخريطة الوراثية البشرية، ويعتقدون أن الاكتشافات الاستثنائية ستتوالى حالما تُنتج خرائط دماغ كاملة كافية.
من جهة أخرى، يرى آخرون أن فائدة هذه الخرائط محدودة، لأنها مجرد صورة ثابتة لدماغ مجمد في الزمن، ولا تمثل نافذة حقيقية لفهم كيفية عمل هذا العضو.
سيباستيان سيونج، الأستاذ في معهد علوم الأعصاب بجامعة برينستون الذي ساهم بشكل كبير في مشروع ذبابة الفاكهة، يرى أن المجتمع العلمي بدأ يدرك أهمية الخرائط الدماغية.
وقال: "يجب أن نصل إلى المرحلة التي يصبح فيها إنشاء خرائط دماغية مهمة في الصحة والمرض بديهياً... هذا ما حصل مع الخارطة الوراثية، وأعتقد أننا قريبون من بلوغ هذه المرحلة".
يتوقع سيونج أن يستمر تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما سيؤدي إلى خفض تكاليف رسم خرائط الدماغ. على سبيل المثال، قد يتمكن الذكاء الاصطناعي من حل مشكلة المراجعة بأن يتولاها.
كما أشار إلى تقنيات جديدة في مجال رسم خرائط الدماغ يُطورها معهد العلوم والتقنية في النمسا، وشركة "بانلومينيت" (Panluminate)، التي تتخذ في نيو هيفن مقراً لها، كبدائل واعدة لمؤسسة "إي 11".
جذبت "إي 11" آدم ماربلستون، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لـ"كونفيرجينت ريسيرتش"، بالتحديد بسبب الشكوك حول قدرة الخرائط الدماغية على إحراز تقدم مستمر. إذ يستند مفهوم المنظمات البحثية المتخصصة بجزء منه إلى المخاطرة في مجالات مهمة يصعب على الآخرين خوضها.
قال ماربلستون: "هنالك هذه المساعي المتباينة، وقد تنشأ مساعٍ أخرى لتحسين التقنيات الحالية لرسم دماغ الفأر كاملاً.. هذا لا يعني أن الأموال قد تدفقت، لأن هنالك من يتساءلون عمّا إذا كانت المراجعة ستكلف مليارات الدولارات.. يعتمد الأمر برمته على خفض التكاليف بحدة".
0 تعليق