الأمن المائي في الجزائر.. خطط طموحة للتكيف مع تغير المناخ (مقال)

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشكّل الأمن المائي في الجزائر تحديًا كبيرًا لإدارة الموارد وضمان استدامتها، إذ تتعرض البلاد لضغوط متزايدة نتيجة موقعها الجغرافي الذي يجعلها عرضة للتغيرات المناخية وظواهر الطقس المتطرفة.

يأتي ذلك بالتزامن مع تنامي الاحتياجات المائية المتنوعة، سواء على المستوى القطاعي أو المحلي، ما يجعل من وضع حلول جذرية للأزمة أحد أهم التحديات أمام الحكومة.

ويخضع قطاع الموارد المائية في الجزائر لإطار قانوني ومؤسسي يُعنى بوضع الإستراتيجيات والسياسات الوطنية المتعلقة بالمياه، التي تهدف إلى تنظيم استعمالها، وترشيد استهلاكها، وتحسين إدارتها، وتعزيز استدامتها.

وتعتمد الجزائر على مصادر متنوعة لتلبية احتياجاتها المائية، تشمل المصادر التقليدية مثل المياه الجوفية والسطحية، والمصادر غير التقليدية التي تكتسب أهمية متزايدة في المستقبل، مثل مشروعات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، التي تُعدّ ركيزة أساسية في اقتصاد الغد.

الموارد المائية في الجزائر

ينصبّ تحليل المخاطر وقابلية تأثُّر التغيرات المناخية في الموارد المائية في الجزائر على النظم البيئية في شمال الصحراء، وتحديدًا المناطق الساحلية، والتلية، والسهبية.

ويعود التركيز إلى توفّر شبكات متقدمة لقياس الموارد الهيدرومناخية ومستويات المياه الجوفية في تلك المناطق، فضلًا عن الطلب المتزايد على المياه نتيجة الاستعمالات المتعددة والمتنافسة بين الزراعة، والصناعة، والسياحة، وتوفير المياه الصالحة للشرب للسكان.

ويفاقم تغير المناخ التحديات التي تواجه هذه المناطق من خلال تقليل كميات الأمطار وزيادة عدم انتظامها، إلى جانب ارتفاع وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات.

محطة تحلية مياه في الجزائر
محطة تحلية مياه في الجزائر - أرشيفية

كما تستحوذ هذه المناطق على الجزء الأكبر من البنية التحتية المائية في البلاد، سواء التقليدية كالسدود والآبار، أو غير التقليدية مثل محطات معالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه المالحة وشبكات نقل المياه.

وعلى صعيد آخر، يشكّل تغير المناخ تهديدًا مباشرًا لتحقيق الأمن المائي في الجزائر، إذ يؤثّر باستغلال المياه التقليدية وغير التقليدية، مع تدهور متوقع في جودتها.

وتستدعي هذه التحديات جهودًا متضافرة لضمان استدامة الموارد المائية وتلبية احتياجات مختلف القطاعات في ظل الظروف المتغيرة.

ولدى الجزائر فيما يتعلق بالموارد المائية سقف سنوي يُقدَّر بـ12.4مليار متر مكعب، إذ يُقدَّر مخزون المياه السطحية بـ 4.7 مليار متر مكعب، بينما يبلغ استغلال الحقول الجوفية بـ7.5 مليار متر مكعب.

أمّا الموارد المائية غير العادية فيُقدَّر إنتاجها بنحو مليونَي متر مكعب، وتغطي احتياجات 17% من السكان، في حين يُقدَّر حجم الموارد المائية في الجزائر الإجمالي بنحو 19.2 مليار متر مكعب، تُغَطّى من حيث المصدر كالتالي:

  • %33 من السدود.
  • %55 من المياه الجوفية.
  • %17 من محطات تحلية المياه والمياه المعالجة.

وتُصنَّف الجزائر ضمن البلدان الأكثر فقرًا في الموارد المائية، إذ تقع تحت حاجز الندرة النظرية الذي حدّده البنك الدولي بـ1000 متر مكعب للفرد سنويًا.

وفي عام 1962، كانت حصة الفرد من المياه المتاحة سنويًا نحو 1500 متر مكعب، لكنها انخفضت إلى 720 متر مكعب في عام 1990، و630 متر مكعب في 1998، وتُقدَّر حاليًا بنحو 450 متر مكعب فقط.

ومن المتوقع استمرار هذا الانخفاض في الموارد المائية التقليدية، مما يمثّل تحديًا كبيرًا، خاصة أن الموارد الحالية تُقدَّر بـ5 مليارات متر مكعب سنويًا، بينما يُتوقع أن تصل الاحتياجات إلى 12.9 مليار متر مكعب بحلول عام 2030.

إستراتيجية الجزائر الوطنية للمياه 2021-2030

لمواجهة التحدي، تمّ تبنّي برنامج وطني شامل يهدف إلى تعزيز الأمن المائي في الجزائر، من خلال إنشاء محطات لتحلية المياه، وبناء السدود، وتنفيذ مشروعات لنقل المياه، وحفر الآبار.

وبحلول نهاية عام 2021، نجحت الجزائر في تشغيل 14 محطة لتحلية المياه، بطاقة إنتاجية تتجاوز 2.1 مليون متر مكعب يوميًا من المياه الصالحة للشرب، مما يشكّل نحو 17% من إجمالي الموارد المائية المتاحة في البلاد.

وترتكز الإستراتيجية الوطنية للمياه على 3 ركائز أساسية:

  1. تحلية مياه البحر: لتلبية احتياجات السكان من المياه الصالحة للشرب.
  2. معالجة المياه المستعملة: تخصيص مليارَي متر مكعب سنويًا لريّ الأراضي الزراعية، مع التركيز خصوصًا على الأشجار المثمرة.
  3. ترشيد استهلاك المياه: ركيزة محورية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية المياه، والحفاظ على هذا المورد الحيوي.
محطة تحلية مياه في الجزائر
محطة تحلية مياه في الجزائر - أرشيفية

تسعى هذه الإستراتيجية إلى تحقيق أهداف وطنية شاملة لضمان استدامة الموارد المائية وتلبية احتياجات مختلف القطاعات، تتمثل في:

التخفيف من الإجهاد المائي: الحدّ من استنزاف المياه الجوفية بإفراط، وضمان استدامتها على المدى الطويل.

تلبية الطلب المتزايد: توفير المياه اللازمة للشرب، والزراعة، والصناعة، مع التركيز على رفع مساهمة المياه المحلاة ضمن إستراتيجية 2021-2030، إذ تستهدف زيادتها من 17% حاليًا إلى 60% بحلول عام 2030.

تأمين احتياجات المدن الساحلية: تلبية احتياجات 80% من السكان الذين يقطنون في المدن الساحلية.

استعمال التقنيات الحديثة: اعتماد تقنيات متطورة لتحسين جودة وكفاءة إنتاج المياه المحلاة، مع تقليل تكاليف الإنتاج لتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية.

ورغم الخطوات المهمة التي اتخذتها الجزائر في تعزيز البنية التحتية المائية وتطوير إستراتيجيات التكيف مع التغيرات المناخية، فإن التحديات ما تزال قائمة، وتستدعي المزيد من الجهود المترابطة.

وتفرض التغيرات المناخية، بما تحمله من آثار مدمّرة بالموارد المائية، على الجزائر ضرورة الاستمرار في تحديث وتطوير إستراتيجياتها باستمرار، ولا تقتصر الحلول على توسيع البنية التحتية أو تقنيات التحلية، بل تشمل أيضًا تحسين إدارة الموارد بشكل شامل، وتفعيل آليات الحوكمة المائية لضمان توزيع عادل ومستدام للمياه.

لتحقيق الأمن المائي في الجزائر على المدى الطويل، يحتاج الأمر إلى تعزيز التنسيق بين السياسات المحلية والقطاعية، وتفعيل الأطر القانونية المؤسسية التي تضمن استدامة هذه الموارد في ظل المناخ المتغير.

* د.منال سخري - أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق