في ذكرى ميلاده.. كيف تحولت سيرة طه حسين الذاتية إلى مرجعية أدبية وإنسانية؟ - في المدرج

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم في ذكرى ميلاده.. كيف تحولت سيرة طه حسين الذاتية إلى مرجعية أدبية وإنسانية؟ - في المدرج

محمد حسين
نشر في: الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 2:12 م | آخر تحديث: الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 2:12 م

تحل اليوم 15 نوفمبر ذكرى ميلاد الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، الذي وُلد في عام 1889 في إحدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر. لم يكن يعلم أحد حينها أن هذا الطفل الذي نشأ في عائلة يزيد عدد أفرادها على عشرة، سيصبح أحد أعظم رموز الفكر والثقافة في العالم العربي. طه حسين، الذي تحدى الظروف الصعبة والإعاقة البصرية، استطاع أن يكتب اسمه بحروف من نور في سجل التاريخ الأدبي، ليكون مصدر إلهام لأجيال من المفكرين والكتاب.

لقد أثرت مؤلفات طه حسين المكتبة العربية بشكل غير مسبوق، حيث خلّد اسمه في مجالات الفكر والنقد الأدبي. ومع ذلك، كان لكتابته السيرة الذاتية طابع خاص ومتفرد، حيث استطاع أن يجعل من تجربته الشخصية مادة أدبية غنية، تنطوي على عمق إنساني وفكري، لتصبح جزءًا من التراث الأدبي العربي بفضل أسلوبه الذي جمع بين الواقع والخيال بطريقة غير تقليدية.

- ريادة في النقد

كان طه حسين أحد أهم الرواد في إدخال النقد إلى الثقافة العربية. قدم بكتابه "في الشعر الجاهلي" بداية عصر جديد من النقد الأدبي والثقافي، حيث أثار فيه تساؤلات عميقة حول صحة التراث الأدبي. هذه الجرأة الفكرية لم تقتصر على الأدب فقط، بل انعكست أيضًا في كتابه "الأيام"، الذي يعتبر من أبرز السير الذاتية في الأدب العربي. فقد قدم فيه نقدًا ذاتيًا لحياته وتجربته بصدق وعمق، وفقًا لكتاب "البحث عن طه حسين: قراءات مترددة" لعدي الزعبي.

- ثلاثية السيرة.. نقد الذات والآخرين

وبحسب الكتاب، فإن "الأيام" لم يكن العمل الوحيد الذي عرض فيه طه حسين سيرته الذاتية بنظرة نقدية. ففي ثلاثية فريدة قدم طه حسين جوانب متعددة من حياته وتجربته الفكرية والأدبية وذلك عبر كتب مختلفة مثل "حديث الأربعاء"، الذي ضم مقالات نقدية تتناول الأدب والمجتمع، وكتاب "مع أبي العلاء في سجنه"، الذي قدم تأملات في حياة وأدب الفيلسوف والشاعر أبو العلاء المعري، بالإضافة إلى روايته "أديب" التي تحكي قصة كاتب مصري في باريس، وتعكس جوانب من تجربته الذاتية.

وتُعتبر هذه الأعمال بمثابة سير ذاتية مختلفة عن "الأيام"، حيث تنقل كل منها جانبًا من فكر طه حسين ورؤيته للعالم.

لم يتوقف طه حسين عند نقد ذاته فقط، بل أولى اهتمامًا كبيرًا بسير الآخرين، فقد كتب عن شخصيات بارزة مثل المتنبي، المعري، ابن خلدون، الرسول محمد، الشيخين أبو بكر وعمر، إلى جانب مجموعة متنوعة من الشعراء والأدباء. كما تناول القضايا الفكرية الكبرى في كتاباته مثل "الفتنة الكبرى".

- تحليل أسلوبه في "الأيام"

يتميز طه حسين في "الأيام" بأسلوب فريد؛ إذ يتحدث عن نفسه بصيغة الغائب، مبتعدًا عن أسلوب السرد البطولي، ليقدم ذكرياته بواقعية وتأمل. هذا الأسلوب جعله يحلل نفسه بطريقة تجمع بين الشاعرية والموضوعية، مما أتاح له عرض تجربته في نور منصف وشفاف.

ومع ذلك، يخرج طه حسين عن هذا الأسلوب مرتين فقط في "الأيام": في نهاية الجزء الأول عندما يتحاور مع ابنته، وفي نهاية الجزء الثاني حين يتحدث مع ابنه. في هاتين اللحظتين، يستخدم ضمير المتكلم "الأنا" بشكل مباشر، ليعبر لأبنائه عن تجربته في مواجهة العمى والحب، وليحكي لهم عن التحديات التي واجهها من الأقربين والغرباء، وعن الحب الذي وجد في زوجته التي وقفت بجانبه ورعته بصبر استثنائي.

بهذا الأسلوب، تمكن طه حسين من تحويل سيرته الذاتية إلى وثيقة أدبية وإنسانية تلهم الأجيال، حيث يقدم نظرة عميقة عن الحياة والإنسانية، وعن الصبر والتحدي، وعن البحث المستمر عن المعرفة والحقيقة.

- حديث الأربعاء.. محاورات جذابة وفكاهة لاذعة

وتعرض الكتاب لاستخدام طه حسين أسلوب المحاورة الذكية والمشوقة في الفصول من واحد إلى خمسة عشر في كتاب "حديث الأربعاء"، حيث يتحدث مع صديق وهمي عن موضوع الشعر الجاهلي. هذا الأسلوب يجعل الحوار ممتعًا ويضفي على المناقشة لمسة من الفكاهة اللاذعة التي كان طه حسين معروفًا بها في كتاباته النقدية. تميزت هذه الفصول بأسلوب طه حسين الفكاهي والنقدي اللاذع، مما يجعل القراءة جذابة وثرية.

تركز المحاورات في هذه الفصول على المقالات التي نُشرت في جريدة "الجهاد"، في حين أن كتاب "حديث الأربعاء" بأجزائه الثلاثة هو تجميع لمقالات نشرها طه حسين بين جريدتي "الجهاد" و"السياسة" على مدى سنوات عديدة. أعاد طه حسين ترتيب المقالات في الكتاب وفق الترتيب الزمني للشعر العربي القديم، وليس بحسب تواريخ نشرها، مما يعكس نهجه الأكاديمي الهادف لإعطاء القارئ سياقًا تاريخيًا لشعر الجاهلية.

في الفصول المنشورة في جريدة "الجهاد"، يتبنى طه حسين أسلوب المحاورة الفلسفية بأسلوب قريب من محاورات أفلاطون، حيث يناقش قضايا فلسفية عميقة متعلقة بالشعر والنقد. يعتمد أسلوب المحاورة الفلسفية على طرح تساؤلات عميقة ومناقشتها بشكل تدريجي للوصول إلى الحقيقة، وهو أسلوب استخدمه الفلاسفة منذ أفلاطون، وتبناه فلاسفة آخرون مثل ديكارت في كتابه "التأملات الفلسفية"، الذي أسس للفلسفة الحديثة عبر سرد تأملاته الشخصية للوصول إلى فلسفته الكاملة.

يتميز أسلوب طه حسين في "حديث الأربعاء" بالجمع بين النقد الأدبي والعمق الفلسفي، حيث يتناول قضايا الشعر العربي القديم بأسلوب المحاورة، ليقدم تأملاته النقدية في هذا التراث بطريقة مشوقة ومتعمقة تجعل القارئ يشعر بتفرد تجربته في قراءة الأدب والنقد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق