عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع في المدرج نقدم لكم اليوم Wicked.. ساحرة الشر الأولى فتاة أحلام! - في المدرج
يقدم فيلم Wicked متعة موسيقية خالصة، غناء واستعراضات ورقصات فاخرة، وقصة تصلح للكبار والصغار، وفوق ذلك معان وقيم تدعو للمساواة والتعايش وتنبذ العنصرية والديكتاتورية.
لذلك، فمن الطبيعي أن يحقق الفيلم إيرادات كبيرة، خاصة مع حملة الدعاية الهائلة التي سبقته وصحبته، بشكل يذكر بالحملة التي سبقت فيلم Barbie في العام الماضي، وأيضا مع التاريخ الطويل للشخصيات وحكاياتهم، مثل "باربي" وأصدقاءها، وبين الفيلمين تشابهات عدة، وكذلك اختلافات كاشفة، منها أن Wicked يمضي لخطوات أبعد في تكريس ثقافة الاختلاف، وقبول ما كان يصعب قبوله منذ عقدين أو ثلاثة.
لكن أهم ما في Wicked -في إعتقادي- أنه واحد من أعمال كثيرة ظهرت في الآونة الأخيرة، تعيد النظر في مفهوم الشر الدرامي، وتعيد الاعتبار للأشرار التقليديين (كما تصورهم قصص الأطفال ومجلات الكوميكس وأفلام مارفل ودي سي)، وتعيد تقديمهم كضحايا مجتمعات وأنظمة فاسدة ظالمة، وكأرواح غاضبة متمردة ضد هذه المجتمعات والأنظمة.
ولعل "الجوكر"، عدو "باتمان" اللدود، هو أبرز مثال على ذلك كما ظهر في الفيلمين اللذين يحملان اسمه، ومثل "جوكر باتمان" تستحق قصة تحول ساحرة Wicked أن تروى.
اقتباسات متبادلة
لطالما برعت هوليوود في صناعة الأفلام الموسيقية، على طريقة الأوبرا والأوبريت، التي يصبح فيها الغناء والحوار والموسيقى شيئاً واحداً مدمجاً، لا على طريقة "الفقرات" الغنائية التي اتسمت بها الأفلام المصرية والهندية.
ومن أبرز الأفلام الكلاسيكية التي دشنت هذا النوع فيلم Wizard of Oz، أو "ساحرة أوز" الذي أخرجه فيكتور فلمينج 1939، ولعبت بطولته جودي جارلاند، وكان حدثاً انتاجياً وموسيقياً جللاً في ذلك الوقت.
وقد أقتبس الفيلم عن واحدة من سلسلة روايات حول المدينة السحرية "أوز"، كتبها ليمان فرانك باوم، صدرت الرواية الأولى منها في 1900، ثم أعقبها بـ13 رواية أخرى، وبعد وفاته واصلت دار النشر إصدار عشرات الروايات والقصص "الأوزية" الأخرى بأقلام مؤلفين آخرين.
ولكن وسط كل هذه الأعمال، الموجهة بالأساس للأطفال، صدرت في 1995 رواية مختلفة بعنوان Wicked: Life and Times of The Wicked Witch of the West، للكاتب جريجوري ما جواير، مستلهمة أيضاً من سلسلة روايات "ساحرة أوز"، والفارق الجوهري بينها والروايات السابقة أن بطلتها هي الساحرة الشريرة، التي طالما أخافت أجيالاً، حيث ركزت الرواية على نشأتها وظروفها وقدمتها كضحية ومتمردة على الظلم.
حققت الرواية نجاحاً كبيراً، وسرعان ما تحولت إلى مسرحية موسيقية على مسارح برودواي- أشهر شوارع المسرح الاستعراضي في أمريكا، حققت بدورها نجاحاً هائلاً، حيث ظلت تعرض لأكثر من 20 عاماً.
عودة الساحرة الشريرة
رحلة طويلة بين الوسائط قطعتها ساحرة الغرب الشريرة، على مدار ما يقرب من قرن وربع قرن، قبل أن تعود إلى السينما من جديد في Wicked، ولكن هذه المرة، وعلى عكس فيلم 1939، فهي هنا البطلة ومحور تعاطف وتماهي الجمهور.
وإذا كانت ساحرة الغرب الشريرة قد ظلت واحدة من أكثر شخصيات حكايات الأطفال تخويفاً، خاصة كما قدمها فيلم Wizard of Oz، على مدار عقود وأجيال، فإن رواية ماجواير، ثم المسرحية، والفيلم الآن، قد حولوها إلى البطلة النموذج، وهو أمر يعكس، كما أشرت، إلى ثقافة مختلفة يتحول بموجبها "المجرمون والأشرار" التقليديون إلى أبطال يتحدون شرور وفساد مؤسسات السلطة المختلفة.
هذه فكرة ليست جديدة بالطبع، وطالما تخللت الإنتاج الثقافي الشعبي، وإن كان الجديد هو أنها تصدر ضد الأبطال الخارقين التقليديين، مثل "باتمان" في حالة "الجوكر"، والساحرة الطيبة "جليندا" في حالة Wicked.
ويمكن فهم هذا الانقلاب عندما نعرف أن صورة Witch، التي تعني الساحرة الشريرة الخضراء ذات الملابس السوداء ومقشة الطيران، قد جاءت مباشرة من العصور الوسطى وقصص مطاردة الساحرات وحرقهن، علماً بأن هؤلاء "الساحرات" لم يكن سوى كاهنات العقائد القديمة اللواتي تم إحراقهن، كما حدث مع الفيلسوفة "هيباتيا" في الأسكندرية.
فخامة سينمائية
يحافظ فيلم Wicked، بتوقيع المخرج جون م. تشو، على نص المسرحية ولكنه يضاعف حجمها تقريباً، فرغم أن زمن عرض الفيلم يصل إلى 160 دقيقة، إلا أنه لا يعرض سوى نصف المسرحية، حيث ينتظر أن يعرض الجزء الثاني في العام القادم.
و"تشو" مخرج من أصل أسيوي دشن اسمه من خلال أفلام ناجحة ومختلفة مثل Crazy Rich Asian، وهو من نوع الـ Romantic Comedy يغلب عليه الإفراط والفخامة، سواء على مستوى حياة الشخصيات أو التعبير الفني، ويتجلى هذا الأسلوب في Wicked، إذ يجد "تشو" نفسه في هذا الخيال الاستعراضي الصاخب، والمؤثرات البصرية والأداء التمثيلي المبالغ فيه.
ويعتمد الفيلم بشكل أساسي على أداء بطلتيه المغنيتين صاحبتا الصوتين النحاسيين الرنانين: سيثيا إريفو، الأميركية الإفريقية، التي تؤدي شخصية إلفابا ثروب، أو ساحرة الغرب الشريرة، وآريانا جراندى، شبيهة "باربي"، التي تؤدي دور الساحرة الطيبة "جليندا".
والاثنتان تجمع بينهما كيمياء مذهلة، تعتمد على التعارض والتباين: الأولى سوداء خضراء، والثانية بيضاء وردية، الأولى جادة وحزينة، والثانية خفيفة وكوميدية، الأولى منبوذة وينفر منها الناس، والثانية يحبها الجميع، الأولى متواضعة ولا تثق بنفسها، والثانية مغرورة وأنانية.
ويقلب الفيلم، كما المسرحية والرواية، هذه الثنائية رأساً على عقب، فيدفعنا دفعاً إلى احترام الأولى، والسخرية من الثانية، إلى أن تتحسن العلاقة بين الاثنتين في الثلث الأخير من الفيلم، وتتوافقان بجمال يشبه تناسق اللونين الأخضر والوردي، وهو توافق استغلته وسائل دعاية الفيلم بشكل بارع.
رسائل سياسية ونسوية
بجانب سينثيا إريفو وآريانا جراندي، يشارك في بطولة الفيلم كل من ميشيل يوه وجيف جولدبلوم في دورين يكسران التوقعات، ويمثلان ثنائية أخرى موازية، تشكل الشر كما يراه الفيلم: ممثلاً في الأنظمة والمؤسسات القمعية التي تقمع حقوق المهمشين والمختلفين والحيوانات (هناك جدي يدرس التاريخ ويقود حركة سرية للدفاع عن حقوق الحيوانات يتم اعتقاله من قبل السلطات، وقرود يتم زرع أجنحة لها لتحويلها إلى مخبرين وجواسيس على شعب أوز).
بجانب رسائله الثقافية والسياسية، يحمل Wicked بصمات نسوية واضحة، لعل أبرزها السيناريو الذي كتبته ويني هولزمان (وهي التي حولت الرواية إلى المسرحية الموسيقية)، ومعها دانا فوكس، وأحد الخطوط الدرامية الباطنة وراء حكاية "إلفابا" و"جليندا" هو العلاقة بين النساء وبعضهن، التي تتحول من الغيرة والتنابذ إلى التفاهم والتضامن.
ويقدم الفيلم على النقيض نموذجاً مثيراً للسخرية للذكر التقليدي ممثلاً في الممثل جوناثان بيلي، الذي يلعب دور أحد طلبة المدرسة، وسيم وجذاب وعابث ولكن الفيلم يدعو للتعاطف معه فقط عندما يبدأ في تقدير "إلفابا" وحبها، رغم أنها تختلف تماما عن الصورة الخيالية لأميرات الحكايات، المتمثلة في "جليندا".
ورغم أن النموذج مستوحى من "سندريلا" إلا أن الفيلم يقلبه، عندما يجعل الأمير يقع في حب "الساحرة الشريرة" الخضراء بدلاً من الأميرة الجميلة البيضاء.
المتعة الباقية
وبعيداً عن هذه المضامين التحتية، التي ساهمت بالقطع في نجاح الفيلم وشعبيته وسط المراهقين والشباب، يظل سبب النجاح الرئيسي لـWicked هو المتعة التي يوفرها من استعراضات وموسيقى وأغان، تصل إلى ذروتها في أغنية الفيلم الأخيرة البديعة "تحدي الجاذبية" التي تحتوي على حوار غنائي بين "جليندا" المتوافقة والمتصالحة مع السلطة و"إلفابا" المتمردة، والتي تقرر أن تتحدى كل أشكال الجاذبية!
ومن مزايا الفيلم أنه نقل إلينا هذا الجمال الفني، الذي كان مقصوراً على المسرح، إلى السينما بجمهورها العريض في كل أنحاء العالم، وقد راعى صناع الفيلم أيضاً أن يصنف عملهم رقابياً لكل الأعمار.
صحيح أنه قد يبدو بالنسبة لـ"ساحرة أوز" 1939 "كبيراً" على الأطفال، ولكنه بالنسبة لأطفال هذه الأيام يعتبر عادياً جداً..ربما تكون مشكلته الوحيدة مع أطفال اليوم هو زمن عرضه الطويل جداً، فأغلبهم لا يطيق البقاء ساكناً لأكثر من ربع ساعة!
* ناقد فني
0 تعليق