على مدار 90 عامًا، تكللت رحلة شركة نفط الكويت بالعديد من الإنجازات بدأتها باكتشاف حقل برقان الكبير، وصولًا إلى الاستكشاف البحري الضخم في حقل النوخذة.
ويصادف اليوم الإثنين 23 ديسمبر/كانون الأول، الذكرى الـ90 لتأسيس عملاقة النفط الكويتية، التي نجحت خلال مسيرتها في تحقيق الريادة بمجال استكشاف وإنتاج النفط والغاز؛ ما جعلها شركة رائدة في قطاع النفط والغاز العالمي.
وعلى مدى 9 عقود، كرّست نفط الكويت جهودها لتعزيز احتياطيات الكويت من الموارد النفطية وزيادة مستوى الإنتاج؛ ما أسهم في دعم الاقتصاد الوطني والمساهمة في مسيرة التنمية الوطنية، حسب موسوعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وأولت الشركة اهتمامًا بتطوير الكفاءات البشرية سواء من العاملين لديها أو من أبناء المجتمع مع الحرص على حماية البيئة ودعم القطاعات المختلفة والعمل الدؤوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورفعت شعار الوقوف إلى جانب قيادة البلاد ومساندة مسيرتها التنموية.
النفط في الكويت
تأسست شركة نفط الكويت في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 1934 من خلال شراكة بين شركة "النفط الإنجليزية الإيرانية" المعروفة حاليا باسم "بريتيش بتروليوم" أو "بي بي البريطانية" وشركة "غالف للزيت الأميركية" التي تعرف اليوم باسم "شيفرون"، ومنحت شركة نفط الكويت المحدودة، خلال ذلك العام، امتياز التنقيب عن النفط في الكويت.
ومنذ اللحظة الأولى بدأت الشركة العمل على استثمار الثروة النفطية في الكويت مع الالتزام بالحفاظ عليها وتنميتها، وفي عام 1936 حفرت أول بئر استكشافية في منطقة "بحره" لتضع بذلك الأساس لنهضة قطاع النفط في الكويت.
وفي عام 1938 تحقق اكتشاف تاريخي مع العثور على النفط في حقل برقان الكبير الذي لا يزال يعد ثاني أكبر حقل نفطي في العالم، كما أعقب الإنجاز حفر 8 آبار إضافية في الحقل نفسه؛ ما عزز مكانة الكويت بوصفها دولةً نفطيةً بارزةً.
ولم تكن مسيرة الشركة خالية من التحديات؛ إذ أدت الحرب العالمية الثانية إلى توقف العمليات مؤقتًا، ومع انتهاء الحرب عام 1945 استأنفت الشركة نشاطها وبدأت مجددًا مساعيها لتحقيق رؤيتها الطموحة، حسبما ذكرت وكالة كونا.
وفي 30 يونيو/حزيران 1946 حققت شركة نفط الكويت إنجازًا تاريخيًا تمثل في تصدير أول شحنة من النفط الخام، كما شهد الحدث البارز قيام أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح بتدوير العجلة الفضية إيذانًا بتحميل أول شحنة نفطية على متن الناقلة البريطانية (بريتيش فوسيلير) وتم ذلك من خلال تمديد أول خطوط بحرية لتحميل النفط مباشرة إلى الناقلات؛ ما مهد الطريق لتصدير النفط الكويتي إلى العالم.
وكان ذلك اليوم نقطة تحول مفصلية في تاريخ الكويت؛ إذ أسهمت عائدات النفط في وضع البلاد ضمن نادي الدول النفطية وأسهمت العوائد جوهريًا في تمويل مسيرة التنمية والتطوير والحداثة التي شهدتها الكويت.
وفي إطار تعزيز عملياتها وتوسيع بنيتها التحتية واصلت شركة نفط الكويت جهودها الإستراتيجية، وكان من أبرز إنجازاتها إنشاء مدينة الأحمدي التي أصبحت بمرافقها الإدارية وورش العمل والمباني السكنية الخاصة بالشركة رمزًا لشركة نفط الكويت خصوصًا مع التطورات المتلاحقة التي جعلتها نموذجًا للحداثة والتقدم.
اكتشافات نفطية متلاحقة
بعد استقرار شركة نفط الكويت إداريًا في مدينة الأحمدي بدأت خطوات توسعية كبيرة على عدة مستويات؛ ففي المدة بين عامي 1951 و1953 امتدت عمليات التنقيب إلى منطقة المقوع؛ إذ تم بدء الإنتاج من الحقل هناك، ثم في ديسمبر/كانون الأول 1955 حققت الشركة اكتشافًا جديدًا باكتشاف النفط في منطقة الروضتين شمال الكويت؛ ما عزز مكانة الكويت دولة رائدة في إنتاج النفط.
وشهد منتصف سبعينيات القرن العشرين تحولًا جذريًا في مسيرة الشركة وبدأ هذا التغيير في العام 1974 عندما منحت دولة الكويت نسبة 60% من عمليات الشركة بموجب اتفاقية المشاركة التي أقرها مجلس الأمة الكويتي، أما النسبة المتبقية وهي 40% فقد تقاسمتها شركة البترول البريطانية وشركة الخليج مناصفة.
وفي مارس/آذار 1975 اكتملت المسيرة بتأميم الشركة كاملة إيذانًا ببدء حقبة جديدة مشرقة في تاريخها، وشكّل هذا التحول التاريخي بداية عهد من العطاء والازدهار الذي استمر حتى اليوم معززًا مكانة الكويت في قطاع النفط العالمي.
ومن النتائج الأولية لهذا الإنجاز كان وضع حجر الأساس لمشروع الغاز في ميناء الأحمدي في نوفمبر/تشرين الثاني 1976، والذي افتتح بعد 3 سنوات ليكون إضافة إستراتيجية لقطاع النفط والغاز في الكويت.
وشهد عام 1977 إنجازًا آخر مع حفر أول بئر استكشافية عميقة في حقل برقان بعمق يصل إلى 20 ألف قدم؛ ما عزز قدرة الكويت على الاستكشاف والإنتاج في الحقول النفطية الكبرى.
غزو العراق
تأثرت كل قطاعات دولة الكويت بالغزو العراقي الذي تعرضت له البلاد في 2 أغسطس/آب 1990، إذ واجهت شركة نفط الكويت توقفًا شبه كامل في عملياتها اليومية ومع ذلك أظهر أبناء الشركة صمودًا استثنائيًا، إذ بذلوا جهودًا جبارة من مواقعهم المختلفة لحماية الثروة النفطية والحفاظ على الهيكل الأساسي للشركة وإمكاناتها.
وبعد تحرير الكويت واصلت الشركة مقاومتها من خلال الاستجابة السريعة والفعالة للكارثة البيئية الكبرى التي أعقبت الغزو، عندما فجّرت القوات العراقية المنسحبة 727 بئرًا نفطية في فبراير/شباط 1991؛ ما تسبب بإشعال أكبر حريق نفطي في التاريخ وتطلب استنفارًا عالميًا شمل مشاركة 27 فريق إطفاء دوليًا إلى جانب الفريق الكويتي الذي كان له دور بارز في السيطرة على تلك الكارثة.
وعلى الرغم من حجم الدمار الذي لحق بمنشآت الشركة؛ فإن شركة نفط الكويت أثبتت كفاءتها ونجحت في إخماد جميع حرائق الآبار في غضون 240 يومًا فقط، وهو إنجاز مذهل أدهش العالم.
وفي 27 يوليو/تموز 1991 سجّلت الشركة إنجازًا بارزًا بتصدير أول شحنة من النفط الخام بعد التحرير تلا ذلك استئناف عمليات الحفر في حقل المقوع في 14 سبتمبر/أيلول من العام ذاته.
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1991 شهدت الكويت يومًا تاريخيًا عندما قام أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح بإطفاء آخر بئر نفطية مشتعلة وهي بئر (برقان 18) ليطوي صفحة مؤلمة في تاريخ الكويت ويفتح صفحة جديدة من الأمل والبناء.
المحميات الطبيعية
منذ انطلاقها وضعت شركة نفط الكويت البيئة في صلب اهتماماتها؛ إذ أنشأت 7 محميات وواحات طبيعية بين عامي 2004 و2016 وهي جهود مستمرة تسعى من خلالها إلى تعزيز الاستدامة البيئية في الكويت، كما أطلقت العديد من المبادرات التي تجمع بين الأبعاد البيئية والاجتماعية وتشكل مدينة الأحمدي نموذجًا حيًا لهذه الجهود.
وفي عام 2005، أنشأت الشركة مستعمرة بحرية تعد الأولى من نوعها في العالم بين شركات النفط؛ إذ تعكس هذه المحمية البحرية الفريدة التزام الشركة بتقديم حلول مبتكرة ومؤثرة للحفاظ على البيئة البحرية؛ ما يبرز مكانتها بوصفها رائدة عالمية في مجال المسؤولية البيئية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012 افتتحت الشركة (مركز الكويت للحقول الذكية المتكاملة) برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء الراحل الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، وكبار المسؤولين بالدولة؛ إذ يعد المركز خطوة رائدة أظهرت بوضوح رؤية الشركة المستقبلية التي استشرفت التحول الرقمي مبكرًا؛ ما عزز ريادتها في هذا المجال.
وعلى صعيد الاستدامة قادت الشركة جهودًا كبيرة لخفض نسبة حرق الغاز في عملياتها؛ إذ نجحت خلال أكثر من عقد في تقليل تلك النسبة من 17% إلى نحو 0.5% فقط، وعزز هذا الانجاز مكانة الكويت في الشراكة الدولية لخفض حرق الغاز التي يشرف عليها البنك الدولي ومنح البلاد موقعًا رياديًا في هذا المجال عالميًا.
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016 دشّنت الشركة مشروع سدرة 500 للطاقة الشمسية في حقل أم قدير الذي يهدف إلى توليد 10 ميغاواط من الكهرباء في خطوة مبتكرة تعد الأولى من نوعها لشركة نفطية في المنطقة.
المسح الاستكشافي الزلزالي
في عام 2017 استكملت الشركة بنجاح العمليات الميدانية لمشروع المسح الاستكشافي الزلزالي ثلاثي الأبعاد في جون الكويت والمناطق المحيطة به قبل الموعد المحدد بشهرين وغطى المشروع الذي استغرق نحو سنتين مساحة 3300 كيلومتر مربع؛ ما يمثل 19% من إجمالي مساحة الكويت.
وفي 2018 حققت الشركة إنجازًا مفصليًا آخر باحتفالها بتصدير أول شحنة من النفط الخفيف، وهذا المنتج الجديد فتح آفاقًا أوسع للنفط الكويتي؛ حيث مكّن البلاد من دخول أسواق عالمية جديدة؛ ما يعزز مكانة الكويت لاعبًا رئيسًا في أسواق الطاقة الدولية.
وعلى مدى تاريخها الحافل اقتصرت عمليات شركة نفط الكويت على الحقول البرية رغم وجود محاولات سابقة للاستكشاف البحري لكن عام 2019 شكّل نقطة تحول؛ حيث وقعت الشركة عقدًا مع شركة (هاليبرتون) لتنفيذ مشروع الحفر والاستكشاف البحري، معلنة بذلك انطلاق مرحلة جديدة في تاريخها.
وبدأ المشروع عمليات التنقيب عن النفط في المناطق البحرية ضمن الحدود الكويتية وحقق أول إنجازاته هذا العام باكتشاف نفطي جديد بعد 5 سنوات من العمل المستمر، إذ تم اكتشاف أول مورد نفطي في مشروع الحفر الاستكشافي البحري في حقل النوخذة البحري.
وتشير التقديرات إلى أن هذا الحقل يحتوي على موارد هيدروكربونية تصل إلى 2.1 مليار برميل من النفط الخفيف و5.1 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز؛ ما يمثل إنجازًا إستراتيجيًا عزز مكانة الكويت في قطاع الطاقة العالمي.
وفي عام 2020 أحرزت الشركة تقدمًا نوعيًا بإطلاق الإنتاج في مشروع النفط الثقيل بحقل جنوب الرتقة شمال الكويت الذي يعد المشروع الأضخم في تاريخ البلاد وأحد أكبر المشروعات في منطقة الشرق الأوسط، ونجحت الشركة في تصدير أول شحنة من النفط الثقيل إلى الأسواق العالمية متحدية الظروف الصعبة التي فرضها انتشار جائحة كورونا.
وفي عام 2022 احتفلت الشركة بوصول إنتاج منطقة شمال الكويت إلى 600 ألف برميل يوميًا، وأطلقت خريطة طريق طموحة تهدف إلى رفع الإنتاج إلى 800 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2026.
وتعمل الشركة حاليًا على تنفيذ إستراتيجيتها لعام 2040 التي تركز على تعزيز الكفاءة والإنتاجية إلى جانب إستراتيجية التحول في الطاقة لعام 2050 التي تهدف إلى تحقيق معدل صفر من الانبعاثات الكربونية، واستكملت الشركة أخيرًا عملية الهيكلة الداخلية التي تساعدها في مواجهة التحديات المستقبلية والتطورات العالمية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق